recent
أخبار عاجلة

الرقابة على الأسواق وقت الغلاء في عهد رسول الله

الرقابة على الأسواق وقت الغلاء في عهد رسول الله


 الرقابة على الأسواق وقت الغلاء ضرورة ملحة

لم يخل عصر من العصور من موجات غلاء تجعل الناس في كرب وضيق، لذا لم يتركنا الإسلام فريسة لهذا الأمر بل وضع لنا حلولًا لتلك الأزمات التي تكدر حياة الناس وتحول حياتهم إلى جحيم.

وفي عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الغلاء الناس، فاشتكوا إلى الحبيب صلي الله عليه وسلم فماذا قال لهم ؟

فعن أبي سعيد الخدري: أن يهوديا قدم  زمن النبي صلى الله عليه  وسلم بثلاثين حمل شعير وتمر فَسَعَّر مُدًّا بمد النبي صلى الله عليه  وسلم وليس في الناس يومئذ طعامٌ غَيْرُهُ، وكان قد أصاب الناس قبل ذلك جوع لا يجدون فيه طعاماً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الناس يشكون إليه غلاء السعر فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "لا أَلْقَيَنَّ الله من قبلِ أن أُعْطِيَ أحداً من مال أحدٍ من غير طيب نفس إنما البيع عن تراضٍ، ولكن في بيوعكم خصالاً أَذْكُرُها لكم: لا تَضَاغَنُوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا يسوم الرجل على سوم أخيه، ولايبيعن حاضر لباد، والبيع عن تراض وكونوا عباد الله إخواناً"(حسن).

 بيع الحاضر للبادي، الحاضر: هو المقيم في البلد، والبادي: هو الذي يجيء من خارج، مثل: البادية الذين يبتعدون عن صنعاء، إذا جلبوا إلى صنعاء لا يتولى الحاضر البيع لهم يبيعون بأنفسهم.

واشتكى الصحابة من الغلاء للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: "يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا". فكان جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله هو المسعر، القابض الباسط، الرازق. وإني لآرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم أو مال"(الترمذي).

 في هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه: "غَلا السِّعرُ"، أي: ارتفعَتْ أسعارُ السِّلعِ وقيمتُها عندَ أصحابِها، "على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقالوا"، أي: الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم: "يا رسولَ الله، سَعِّرْ لنا"، أي: طلبوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنْ يأمُرَ التُّجَّارَ وأهلَ السُّوقِ بسعرٍ مسمًّى لا يُزادُ عليه ولا يُنقَصُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ هو المُسعِّرُ"، أي: إنَّ الغلاءَ والرُّخْصَ هو أمرٌ بيدِ الله تعالى، "القابضُ"، أي: المُمسِكُ للرِّزقِ، "الباسطُ"، أي: الموسِّعُ له، "الرَّزَّاقُ"، أي: الَّذي بيدِه رِزقُ العبادِ، "وإنِّي لَأرجو أن ألقى ربِّي وليس أحدٌ منكم يَطلُبُني بمَظْلِمَةٍ"، أي: تكونُ له مَظْلِمَةٌ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يسأَلُه بها اللهَ يومَ القيامةِ، "في دَمٍ ولا مالٍ"، أي: إنَّ المانعَ لي مِن التَّسعيرِ مَخافةُ أن يَظلِمَ النَّاسَ في أموالِهم؛ قيل: وفي التَّسعيرِ مفاسِدُ؛ منها: تحريكُ الرَّغباتِ والحملُ على الامتناعِ مِن البيعِ، وكثيرًا ما يُؤدِّي إلى القَحْطِ، وذلك إذا تضمَّن ظُلمَ التُّجَّارِ والبائِعين وإكراهَهم بغيرِ حقٍّ على البيعِ بثمَنٍ لا يَرْضَونه، أو مَنْعَهم ممَّا أباح اللهُ لهم، وقد ذَهبَ بعضُ العُلماءِ إلى إباحةِ التَّسعيرِ عندَ الضَّرورةِ أو الحاجةِ، بشَرْطِ أنْ يتَضمَّن العدلَ بينَ النَّاسِ، مِثلَ إكراهِهم على ما يَجِبُ عليهم مِن المعاوَضةِ والبيعِ بثَمَنِ المِثلِ، ومَنْعِهم ممَّا يَحرُمُ عليهم مِن أخذِ الزِّيادةِ على عِوَضٍ وثمَنِ المثلِ فهو مُباحٌ، وربَّما يتحوَّلُ إلى واجبٍ على الإمامِ على أن يَكونَ التَّسعيرُ إلزامًا بالعَدلِ في البيعِ والشِّراءِ، وليس إكراهًا على البيعِ بأقلَّ مِنه.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه  وسلم إن أرخص السلع عن ثمنها الحقيقي يكون بذلك قد ظلم التجار، ولكن في المقابل أمر التجار أن يتقوا الله ويبروا ويصدقوا الناس بالبيع بألا يغلو عليهم السلع عن ثمنها أو يحتكرونها أو يمسكونها ليرتفع سعرها.

 

وقد خرج النبي صلى الله عليه  وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: "يا معشر التجار". فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق"(الترمذي).

 وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رِفاعةُ بنُ رافعٍ رَضِي اللهُ عنه: "أنَّه خرَج معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ إلى المصلَّى، فرأَى"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "النَّاسَ يَتَبايَعون"، أي: يقَعُ بَينَهم بَيعٌ وشِراءٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا مَعشرَ التُّجَّارِ"؛ قال رفاعةُ: "فاستَجابوا لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: لنِدائِه، "ورفَعوا أعناقَهم وأبصارَهم إليه"، أي: التفَتُوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وليسَ مُجرَّدَ أنَّهم استمَعوا له بآذانِهم، وهذا بَيانٌ لشِدَّةِ استِجابَتِهم وانتظارِهم لِمَا سيَقولُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويُوصيهم به، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ التَّجُّارَ يُبعَثون يومَ القيامةِ فُجَّارًا"، أي: لِمَا قد يقَعُ مِنهم مِن الأحلافِ والأيمانِ والتَّدليسِ في البَيعِ ونحوِ ذلك، يَستحِلُّون به بيعَهم، والفُجورُ: استِحْلالُ المعاصي والمُحرَّماتِ، والانطلاقُ فيها، "إلَّا مَن اتَّقَى اللهَ، وبَرَّ وصدَق"، أي: استَثْنى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِنهم مَن يتَّقي اللهَ عزَّ وجلَّ في بَيعِه، فلم يَغُشَّ ولم يَخُنْ في البيعِ وصدَق المشترِيَ فيما معَه مِن سِلعةٍ، وكذلك فيما كان منه مِن أَيمانٍ.

وفي الحَديثِ: الحثُّ على الاستِجابةِ والاهتِمامِ لأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأوامرِ نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.

وفيه: حَثُّ البائعِ على الصِّدقِ والتَّقوى في بَيعِه.

وفي وقت الأزمات والغلاء على أفراد المجتمع أن يتكافلوا فيكفل الغني الفقير ويودي حقهم من الزكاة والصدقات التي تعين الفقراء والمحتاجين على أعباء الحياة والغلاء، فتحمي المجتمع والناس من الفقر والحاجة وتخفف من الأعباء على الدولة، كما أن إخراج الزكاة والصدقات سببًا للبركة ونشر الحب والترابط بين أفراد المجتمع، يقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم : "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له".

 خطرالاحتكار

كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطر الاحكتار كسبب من أسباب الغلاء فقال: "من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بري من اللَّه تعالى وبرئ اللَّه تعالى منه وأَيُّمَا أهل عَرْصَةٍ أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اللَّه تعالى"(الرازي).

 

والرقابة على الأسواق وقت الغلاء أمر مهم جدًا .. وقد روت لنا كتب السيرة النبوية المطهرة وكتب الحديق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يراقب الأسواق بنفسه، ويراقب الأسواق من حيث السلعة وجودتها وعدم الغش فيها كما يراقب أسعار هذه السلع، وظل هذا التقليد طوال الحضارة الإسلامية.

وكانت مراقبة الأسعار موجودة ومشددة في عهد الخلفاء الراشدين، ومن ذلك أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا".

وكان منهج الصحابة الكرام إذا ما زادت الأسعار أن يرخصوا السلع باستبدالها بغيرها أو الامتناع عن شراءها، وحصل ذلك في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فورد أن الزبيب قد غلي في مكة فيقول الصحابة: غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر". أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.

وكذلك السلف الكرام والتابعين كانت مواقفهم واضحة من مواجهة الغلاء فقد ورد في كتب الطبقات وغيرها أنه قيل لإبراهيم بن أدهم: إن اللحم قد غلا؟ فقال: "أرخصوه"، أي لا تشتروه.

google-playkhamsatmostaqltradent