recent
أخبار عاجلة

أدب الحوار في الإسلام



أَدُبُّ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلام

فتح باب الحوار ساعة خير من الجدال ألف ساعة، 

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله 

فحديثنا عن أدب من أداب الإسلام السامية عن  أدب الحوار وكيفية التعبير عن الرأي وفي حقيقة الأمر أن الإسلام قد رسم لأمته أدب الحوار عن طريق العقل والحكمة والكلمة الطيبة،فجاء الخطاب الإلهي والمنهج النبوي الكريم موافقًا للفطرة التي فطر الله الناس عليها،وهي مخاطبة الناس على قدرعقولهم. 

لأن فتح باب الحوار ساعة خير من الجدال ألف ساعة، وإن التحاور بين الطرفين دليل على قبول الحق من كل منهما. وما أحوج المجتمع المسلم إلى الحوار الهادئ الهادف البنَّاء الذي يجلي الحقيقة ويكشف الغموض ويعيد الحق إلى نصابه مع الرضا والقناعة التامة ..

أمة الإسلام:

لابد للحوار في الإسلام من آداب يتحلى بها وهي أداب تتعلق بالمتحدث  وأداب تتعلق بالحوار نفسه  حتى لا يبوء بالفشل..

فأداب  تتعلق بالمحاور وهي أن يتصف باللباقة ودماثة الخلق، فالكلمة الطيبة صدقة ولا بد أن يكون رابط الجأش مع الثقة بالنفس والأمانة والصدق والرفق واللين والتواضع والعدل، فتعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به مع الإخلاص في النية وطلب الحق فقل الحق ولو على نفسك ولا يكن همك مغالبة الخصم وكلُّ طرف معين للآخر لا خصمًا له بعيدًا عن الهوى وقد قال القائل:

إذا رأيـت الهوى في أمـة حكـمـًا***فاحكم هنالك أن العقل قدذهبا

مايتعلق  بآداب الحوار نفسه

أولئك الذين يتحدثون عن الرفق واللين فالرفق واللين هوأساس الحوار ولقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من الحوارات التي اشتمل عليها القصص القرآني كما في قوله تعالى:"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"(المجادلة).فاتصف الحوار بين النبي والمرأة التي جاءت تشتكي زوجها بالرفق واللين ..

وفي موضع آخر يأتي حوار نوح عليه السلام مع ابنه قبل أن يصاب بالغرق مع قومه..ويبين الحوار أن نوحاً كان يحرص علي هداية ابنه برفق ولين فتارة يابني اركب معنا وتارة لاعاصم اليوم من أمر الله إلامن رحم ..الخ .

من أدب الحوار الاحترام والتوقير"

فلابد للحوارمن احترام ووقارولاسيما بين الأباء والأبناء  ففي قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع أبيه وهو يحاوره بهدوء ورفق ولين واحترام حوار الابن الباربأبيه وهو يكرر تكرارًا ومرارًا:"يا أبت"ليبقى حق الأبوة فوق كل شيء.

وليعلم الأبناء أن الحوار مع الأباء لابد أن ينضبط بالأدب ويتحلي بالأخلاق فلايرد علي أبيه ولايخاطبه باسمه ..

كما جاء القرآن الكريم بالعديد من الحوارت التي حدثت بين الأب وابنه ..فهذا خليل الله إبراهيم وهو يكرر النداء ياأبت:"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ  إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ,يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا, يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا"(مريم/41-45)  يقص علينا ربنا سبحانه وتعالى الحوار الذى داربين سيدنا ابراهيم عليه السلام وبين أبيه وهو يرد علي أبيه بمنهتي الأدب وفي النهاية :"قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا"(مريم/46). ماذا قال له إبراهيم ؟ قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا"(مريم/47).

لذلك كان الجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل به تكتال :" والبر لايبلي والذنب لاينسي والديان لايموت اعمل ماشئت ياابن أدم كماتدين تدان ..عندما أمر الله خليله إبراهيم بذبح ابنه اسماعيل كان الرد بالمثل:"فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"(الصافات/102) 

وهذاهو نبي الله يوسف:"وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا"(يوسف/100).

فأدب الحوار بين الأب والابن لابد أن يكون هكذا فحق الوالد على ولده أن يجله وأن يكرمه، وأن يتجنب إهانته أو إيذاءه وألايمشي أمامه، ولا يجلس قبله،ولا يدعوه باسمه، ولايتسبب لأبيه في السباب عن طريق العمل السيّئ أوسب الأخرين فيسبوا والديه..

وقدرأي أبوهريرة رجلين. فقال لأحدهما:"ما هذا منك ؟ فقال: أبي. فقال:"لا تسمه باسمه،ولا تمش أمامه،ولا تجلس قبله"(صحيح).

وقيل لعمر بن زيد:"كيف برُّ ابنك بك؟ قال:"ما مشيت نهاراً قط إلا وهو خلفي،ولا مشيت ليلاً إلا مشى أمامي ،ولا رقى سقفاً وأنا تحته .

"الإقناع بالأدلة والبراهين"

فلابد أن يشتمل الحوار علي الإقناع كي يقتنع الطرف الأخربما يقال:" قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا"(الكهف/37).

"ذكره بأول الخليقة أدم ثم نشأك من نطفة "ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا"أكفرت بمن فعل بك هذا أن يعيدك خلقا جديدا بعد ما تصير رفاتا؟..

عباد الله:"ومن أدب الحوار الإصغاء للمتكلم حتى ينتهى من كلامه وعدم مقاطعته..

عتبة بن ربيعة كان كافراً و ذات يوم يجلس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعرض عليه من المال وغير ذلك فلما فرغ قال صلى الله عليه وسلم:"أفرغت يا أبا الوليد؟"أدب وخلق محمدى النبى صلى الله عليه يصغى وينصت لرجل كافر فلم يقطع عليه كلامه ولم يناديه باسمه ياعتبة ولكن قال له"ياأبا الوليد"يناديه بكنيته والكنية مدح..

 انّي أحيّي عدوّي عند رؤيته...لأدفع الشرّ عنّي بالتّحيّات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه..كأنّه قد ملا قلبي بالمحبّات.

عباد الله أقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم..أوكما قال أدعوا الله..

عدم جرح مشاعر من تحاوره فلاتؤذه ولاتسبه قال صلي الله عليه وسلم:"يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا،فَلا تَسُبُّوا أَبَاهُ،فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ،وَلايَبْلُغُ الْمَيِّتَ"(صحيح).

فأيُّ أخلاق كريمة كانت عندرسول الله هذه؟!!

ومن أدب الحوار أن لاتدع المحاور يغلظ لك القول بل تذكره بأن هناك أدب" فبَيْنَمَا هَارُونُ الرَّشِيدُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ،إِذْعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ ،فَقَالَ:"يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌة، فَاحْتَمِلْهُ لِي . فَقَالَ:لَا..،قَدْ بَعَثَ اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي.فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولُ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا"

ومن أدب الحوار أن تستمع للصغير قبل الكبير وهذه مقولة غلام صغير لم يبلغ الحادية عشرة من عمره لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب "لو كان الأمر بالسن يا أمير المؤمنين لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا".

وأوقف رجل المأمون وهو يمشي بالموكب،فقال له الحرس:ابتعد يا رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين إن نملة استوقفت سليمان فكلمته فكلمها، وتبسم ضاحكاً من قولها،ولست أنت عند الله أعظم من سليمان،ولست أناعند الله أحقر من النملة.فقال له المأمون:"صدقت،ووقف له وسمع له وقضى حاجته"

وسأل رجل ولدًا صغيرًا ذكيًا من الذي قبل الله؟ فأجابه الولد بسؤال وقال له ما الذي قبل الواحد؟فلم يستطع الرجل الإجابة ثم أجاب الصغير بقوله الله الأول ليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء"

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا".

ه هذه بعض آداب الحوار في الإسلام فالرجوع إلى الحق فضيلة وخير من التمادي في الباطل فأعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا الناس منازلهم وقولوا للناس حسنًا."وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ".

اللهم اجعلنامن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. 

google-playkhamsatmostaqltradent