
الإسراء والمعراج فرج بعد كرب
الحمد لله رب العالمين أحمده سبحانه وأشكره، جعل مع الشدة يسراً، ومع الهم فرجاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق وأحصاهم عدداً ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، خير الخليقة وأعظمهم قدراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ما أظلم ليل وما أشرق فجر وبالضياء بدا. أما بعد: عباد الله،يقول الله تعالي :" فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"(الشرح /6).
إسلام عداس
النبي صلي الله عليه وسلم بعد عام الحزن وموت خديجة زوج الرسول وعمه أبوطالب وقبل حادث الاسراء والمعراج يذهب الي الطائف وبعدما أغروا به سفهائهم وعبيدهم وجلس يشكوضغف قوته وقلة حيلته وهوانه علي الناس لربه وأرسل له جبريل وملك الجبال وأبي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين وجلس يبكي ورآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقيَ تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًّا يقال له: عدَّاس، فقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: كل، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال: باسم الله، ثم أكل، فنظر عداس في وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس، وما دينك؟ قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نَيْنَوَى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متَّى، فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي، كان نبيًّا وأنا نبي، فأكبَّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبِّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي، ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفنَّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
وجاء الفرج من الله تعالى بعد كل هذه الشدائد فأسلم عداس وبإسلامه عرفوا أنه نبي مختار من الله رب العالمين.
إسلام الجن لرسول الله صلي الله عليه وسلم
عباد الله:" رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعًا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى، وهم فيما ذُكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل:"وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ "(الأحقاف: 29). إلى قوله تعالى:"وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"(الأحقاف: 31(، وقال تبارك وتعالى:"قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ" (الجن: 1)، إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة"
ولرب حاجات تعسر نيلها والخير كل الخير
في تعسيرها
كن واثقًا بالله فيما قد قضى واترك أمورًا قد
دعاك لغيرها
واجعل حياتك كلها بيد الذي لولاه لن تقوى على
تدبيرها
واترك هواك لأمر ربك واحتسب لا تلتفت للنفس
عند زئيرها
من يتقِ الرحمن يلق سعادةً يعيا لسان الخلق عن تفسيرها
ويأتي حادث الاسراء والمعراج تسلية وتسرية
لرسول الله صلي الله عليه وسلم وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة, فكان ذلك تسرية عن نفس النبي صلى الله عليه وسلم ومواساة له وتكريمًا وتثبيتًا وقد وقع ذلك في السنة العاشرة من المبعث, بعد وفاة أبي طالب, وقبل هجرته إلى المدينة بأكثر قليلاً من السنة
وفي هذه المعجزة الإلهية, كانت هذه البركات لهذه
الأمة:
إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء في المسجد الأقصى
وانتقال الريادة لفلسطين والمسجد الأقصى, بل وقيادة البشرية كلها
من بعده لأمته.
– وفي المعراج فرض الله تعالى الصلاة خمسين صلاة
في اليوم والليلة – فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم (التخفيف) فجعلها الله تعالى
أرحم الراحمين خمس صلوات، فهي في العدد خمس صلوات وفي الأجر خمسين صلاة
و رأى الرسول صلى الله عليه وسلم من آياته
ربه الكبرى, لينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين, ورأى بعضًا من مشاهد نعيم أهل الجنة,
وعذاب أهل النار, كما جاء ذلك في أكثر من رواية, حتى نجتهد جميعا فنعمل من الآن بعمل
أهل الجنة, وننتهي عن عمل أهل النار.
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
من هنا تظهر لنا هذه الحقيقة حتى نكون على يقين
بها:
أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب "فَإِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " (الشرح 5, 6).
ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على
هذه المشاعر الثلاثة:
الإيمان بعظمة الرسالة, والاعتزاز باعتناقها,
والأمل في تأييد الله لها.
ويقول علماء الاجتماع: إن حقائق اليوم هي أحلام
الأمس, وأحلام اليوم حقائق الغد.
إن نهضات الأمم جميعها إنما بدأت على حال من
الضعف, ومع الصبر والثبات والعمل الدائب بإخلاص لله تعالى واحتساب, نهضت هذه الأمم
وقويت وعلا سلطانها, واستبحر عمرانها، لكن علينا واجبات عملية لهذه النهضة, ومنها العمل
على زيادة الإنتاج, وترشيد الاستهلاك, وتقوية روابط التعاون بيننا, وتقديم المصلحة
العامة على المصالح الشخصية
إن العبد في هذه الحياة لا يخلو من حالين، إما حصول محبوب أو وقوع مكروه. فالمؤمن الصادق يقابل المحبوب بالشكر، والمكروه بالصبر.
فياعبد الله:" مهما عظمت مصيبتك، وكبر همك، وازداد غمك، فاعلم أن مع العسر يسرا، ومع الكرب فرجا.وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر
فيا من شكا الخطوب، وعاش وهو منكوب،ودمعه من
الحزن مسكوب، يامن داهمته الأحزان، وبات وهو سهران، وأصبح وهو حيران، يامن هده الهم
وأضناه، وأقلقه الكرب وأشقاه، وزلزله الخطب وأبكاه، أنسيت أمن يجيب المضطر إذا دعاه،
للمرض شفاء، وللعلة دواء، وللظمأ ماء، وللشدة رخاء، وبعد الضراء سراء، وبعد الظلام
ضياء، كان بلال يسحب على الرمضاء، ثم رفع لرفع النداء، وكان يوسف مسجونا في الدهليز،
ثم حكم مصر بعد العزيز، عبد الله: عسى أن تكون الشدة أرفق بك، والمصيبة خيرا لك، فإذا
ضاقت بك السبل، وانقطعت بك الحيل، فالجأ إلى الله عز وجل، واعلم أن الشدائد ليست مستديمة،
ولا تبقى برحالك مقيمة، والدنيا أحوال، وألوان وأشكال، ولن تدوم عليك الأهوال، فسوف
تفتح الأقفال، وتوضع الأغلال، والشدائد تفتح الأسماع والأبصار، وتشحذ الأفكار، وتجلب
الاعتبار، وتعلم التحمل والاصطبار، تذيب الخطايا، وتعظم بها العطايا، وهي للأجر مطايا.
عبدالله: بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام "فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ" وقال تعالى :"سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً" وقال :"فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً" .