recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة إنسانيات النبي محمد صلي الله عليه وسلم

 


إنسانيات النبي محمد صلي الله عليه وسلم

مبدأ الانسانيةعند رسول الانسانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله نبي الانسانية صلي الله  عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فياعباد الله

يقول الله  تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"(آل عمران/159).

عباد الله :" حديثنا إليكم اليوم عن محمد النبي الإنسان 

فهو رسول الاخلاق وأول  من بعث بها ومن أجلها فقال :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"

سئل  ﻋلي -رضي الله عنه فقيل له : "ﻋﺪِّﺩ ﻟﻨﺎ ﺃﺧﻼﻕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلي الله عليه وسلم  ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ : "ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﺪّ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ! ﻓﻘﺎﻝ علي -رضي الله عنه:" ﻋُﺪَّ ﻟﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ! ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ: ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳُﻌَﺪُّ! ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ -رضي الله عنه-: ﻋﺠﺰﺕَ ﻋﻦ ﻋﺪ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ! ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ -تعال:"قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ "(النساء: 77)، ﻭﻃﻠﺒﺖَ مني ﻋﺪَّ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ؛ حيث ﻳﻘﻮﻝ -تعالى:"وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"(القلم: 4).  

فهذا مبدأ الانسانيةعند رسول الانسانية

وهذا المبدأ قد شرحه الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، من خلال مخاطبته ليزدجر آخر ملك من ملوك الفرس حيث قال له:"لقد بعث الله فينا رجلا معروفا في حسبه ونسبه، وأصبح هذا الرسول صلي الله عليه وسلم فيما بيننا وبين رب العالمين، وأخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"

فنرى إنسانيته  صلي الله عليه وسلم في التعامل مع الأطفال والصبيان والضعفاء : فقد كان  صلي الله عليه وسلم رحيمًا بالأطفال: فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ  صلي الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ"(متفق عليه).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  صلي الله عليه وسلم كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضَعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا فَكَانَ يَأْتِيهِ وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيُدَّخَنُ فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ"(مسلم).

فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم دائم الوصية بالنساء، وكان يقول صلي الله عليه وسلم لأصحابه: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"(البخاري)،

 بل إن هناك ما هو أعجب من ذلك؛ وهو رحمته صلي الله عليه وسلم  بالإِمَاء، وهُنَّ الرقيق من النساء، فقد روى أنس بن مالك قال:"إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ!"(البخاري).

إننا نتحدى العالم أجمع أن يأتي لنا بموقف من حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم آذى فيه امرأة أو شقَّ عليها، سواءً من زوجاته أو من نساء المسلمين، بل من نساء المشركين.. وأحيانًا تُخطئ زوجته خطأً كبيرًا، ويكون هذا الخطأ أمام الناس، وقد يسبب ذلك الإحراجَ له صلي الله عليه وسلم ومع ذلك -فمن رحمته وإنسانيته- يُقدِّر موقِفَها، ويرحم ضَعْفها، ويعذر غيرتها، ولا ينفعل أو يتجاوز، إنما يتساهل ويعفوإنسانية رسول  صلي الله عليه وسلم في التعامل مع الضعفاء والنساء والمؤمن وغير المؤمن والحيوان والطير فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: أَلا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟(ابن ماجه).

فقبل الهجرة امره ربه بحسن معاملة الضعفاء بإنسانية عَنْ سَعْدٍ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِصلي الله عليه وسلم  مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:"وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"(الْأَنْعَامِ/52) (مسلم).

وبعد الهجرة وفي أعقاب الزمن ينبري أقوام لإحياء العصبيات الجاهلية، ويهتفون بها، ويتفاخرون على أساسها، يمنحونها الاستمرار، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ - قَالَ سُفْيَانُ: مَرَّةً فِي جَيْشٍ - فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم: "دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"(مسلم).

فبني مجتمع المدينة المنورة علي الانسانية واسس امة ودولة علمت الدنيا الانسانية ولما أذن المؤذن لصلاة الظهر، يوم فتح مكة أخذ بأصابعه الشريفة حلق باب الكعبة، وهزها وقال: الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

كانت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم مشرقة في كل الجوانب وبها نواح مختلفة من العظمة وكان في كل جانب المثل الأعلى والنموذج الفريد، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سياسيا محنكا فقط ولا قائدا عسكريا فذا فحسب، ولا مصلحا اجتماعيا فقط، ولا رجلا بلغت فيه الإنسانية ذراها فحسب، بل كان كل هذا وتجسدت فيه معالم الإنسان الكامل.

 عن عبدالله بن عمر رضي الله اشْتَكَى سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ شَكْوَى له، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ مع عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وسَعْدِ بنِ أَبِي وقَّاصٍ، وعَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه فَوَجَدَهُ في غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقالَ: قدْ قَضَى قالوا: لا يا رَسولَ اللَّهِ، فَبَكَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَكَوْا، فَقالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ بدَمْعِ العَيْنِ، ولَا بحُزْنِ القَلْبِ، ولَكِنْ يُعَذِّبُ بهذا - وأَشَارَ إلى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ، وإنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه وكانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: يَضْرِبُ فيه بالعَصَا، ويَرْمِي بالحِجَارَةِ، ويَحْثِي بالتُّرَابِ"(البخاري).

عباد الله أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم 

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد .

لازلنا نواصل الحديث حول انسانيات النبي محمد صلي الله عليه وسلم فقد ضرب لنا أروع الأمثلة في مكارم الأخلاق  فهو الذي يقول "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلا بِحُسْنِ الْخُلُقِ"(دلائل النبوة للبيهقي).

لقد عاتَبَ سيد الانسانية جُندَه على قتل رجل مشرك رحمةً بامرأة تحبه، فقد روى الطبراني في الأوسط بسند حسن): أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بَعَثَ سريةً فغنموا، وأخذوا رجلا منهم، فقال: إني لستُ منهم، إني عشقتُ امرأةً فلحقتها، فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا ما بدا لكم، فلما رآها قال: أسلمي حُبَيْش قبل نفاد العيش. قالت: نَعَمْ فدَيْتُكَ. ثم قدموه وضربوا عنقه. فوقعت عليه وشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت حَزَنًا، فلما قَدِمُوا على رسول الله صلي الله عليه وسلم أخبروه بما جرى فقال: "أما كان فيكم رجل رحيم؟!!".

فقد تجاوزت إنسانيته صلي الله عليه وسلم ذلك كله إلى الحيوان والبهيمة؛ فيروي عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبيَّ صلي الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه -صلى الله عليه وسلم- فمسح ظفراه فسكت، فقال صلي الله عليه وسلم: "مَن رَبُّ هذا الجَمَلِ؟ لمن هذا الجمل؟"، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: "أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ ‏‏وَتُدْئِبُهُ"(أبو داود)، (وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى).

وقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُّوهَا صَالِحَةً"(أبو داود، وابن خزيمة بسند صحيح)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُّ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"(متفق عليه)، وفي المقابل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"(متفق عليه)، و"المُوقُ: الخف". وَ "يُطِيفُ: يدور حول"، "رَكِيَّةٍ: البئر". بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها، بل بشربة ماء غفر الله الخطايا للبغايا فكيف بمن يرحم عباد رب البرايا؟!!

وتتجاوز انسانيته البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا يَنتفع بها الإنسانُ كنفعه بالبهائم، ولننظر إلى رحمته بعصفور! حيث يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا‏ عَجَّ‏ ‏إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ"(النسائي وابن حبان).

الإنسانية في التعامل مع المخطئ: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ أعرَابِيٌّ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم: "دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"(البخاري).

 وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلي الله عليه وسلم إإذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صلي الله عليه وسلم فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(مسلم).

أيها المسلمون: هذا غيضٌ مِن فيض من صُوَر ونماذج الإنسانية في حياة النبي صلي الله عليه وسلم  وما أغفلناه أكثرُ ممَّا ذكرناه، ويكفي القلادةُ ما أحاط بالعنق!!!

 اللهم انصر المستضعفين ورد  عنهم كيدَ الكائدين وحِقد الحاقدين، وأن ينصر اهل غزة وأن يسدد رميهم وأن يكسي عاريهم   

google-playkhamsatmostaqltradent