الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها
الإسلام وتكريم الإنسان
مكونات البعد الإنساني في العلاقات الإسلامية
البعد الإنساني للعلاقات الدولية في الإسلام من منظور
حضاري
إنسانية حروب النزاعات الدولية في الإسلام
الحقوق الإنسانية لغير المسلم في دولة الإسلام
الحمد
لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
"اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله أما بعد فيقول الله تعالي
:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات:13).
عباد
الله حديثنا إليكم اليوم عن الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها
عباد
الله :" الحديث عن القيم والأخلاق هو حديث عن الإنسان ذاته،"إنّما
بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ومكارم الأخلاق، هي جملة من المبادئ والقوانين
الناظمة للسلوك الإنساني بغية تحقيق معنى الاستخلاف الإلهي للإنسان مصدر محورية
الكون.
الإنسان
الذي احتل قيمة مركزية في الكون،وتقلد مسؤوليةالاستخلاف في الأرض، تكريماً له
وتشريفاً، تكريم سخرت معه مخلوقات الكون كافة ليتحقّق له مقام منزلته وتشريفه عند
الله "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا"(الإسراء/). وهو تكريم غير
مقيد
بشرط الجنس ولا اللون ولا الدين أو المذهب،لقد أقر الإسلام في منظومة علاقاته
الدولية، قيم التضامن والتكافل المعبرة عن روح المساواة في البعد الإنساني بين
البشر:" "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّاخَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(الحجرات:13).
وهذه
الآية الكريمة تؤكد قضيتين هامتين في الإطار الحضاري الإنساني
الأولى:
أن الله تعالى، قد خلق الناس شعوباً وقبائل لكي يتعارفوا، وليس لكي يتخاصموا،
وهكذا فإن الحضارة الإسلامية في محكم الآيات القرآنية تدعو إلى الحوار الحضاري
وليس إلى الصراع الحضاري، وتؤكد أن الإسلام يعترف بالشعوب الأخرى وعقائدها
وحضاراتها.
والثانية:
أن الله تعالى يؤكد أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم وليس أبيضهم أو أسودهم أو
أغناهم أو أشرفهم نسباً، مما يبرز بوضوح تام الفهم الإنساني العميق لدى الحضارة
الإسلامية لحقائق الوجود البشري.لقد انطلقت استراتيجية التعامل الحضاري
في التاريخ الإسلامي من هذا المفهوم، فلم يقم المسلمون بإجبار الآخرين على تغيير
معتقدهم، ولا يذكر التاريخ أن فترة أو حاكماً أو مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي
شهدت عمليات إرهاب ديني أو قمع مذهبي.
ويؤكد
هذا وجود عدد من الأديان والطوائف والمذاهب تمتعت بحرياتها خلال المراحل المختلفة
لحكم الإسلام عبر أربعة عشر قرناً.
مكونات
البعد الإنساني في العلاقات الدولية الإسلامية
عباد
الله:" الحديث عن البعد الإنساني للعلاقات الدولية في الإسلام، يستوجب عدم
الخلط بين الايديولوجيات في الفكر السياسي للدول، وبين آفاق العلاقات الإنسانية
المبنية على احترام إنسانية الإنسان، وأسس القيم الأخلاقية المشتركة الناتجة عن
التفاعل والترابط بين وحدات المجتمع الدولي. ضمن المشهد السياسي العالمي، يشهد
العالم الإسلامي اليوم اتجاهات تحاول رسم ملامح ظواهر التشدد الديني في الإسلام،
وهندسة صور نمطية حافلة على المستوى العالمي بالصراع المفتعل الذي بلغ حد الهوس
من(الإسلاموفوبيا) فهل هذه الصور النمطية المروجة قادرة على صياغة مستقبل آمن،
يعزز قيم السلم والتعايش الاجتماعي الدولي؟
فالحكمة
تقتضي القول بأن العنف أو السلام، ليسا خصائص هيكلية أو كامنة في ثقافات أو شعوب
دون أخرى، وثقافة العنف أو السلام لاتتميز بالثبات التاريخي، وإنما تنتشر بأشكال
ودرجات مختلفة حسب الأزمات والاعتداءات التي تمر منها أحداث الأزمنة التاريخية لدى
كافة الشعوب. وبالتالي فثقافة السلام ليست ثقافة مبنية على الحقوق فقط، ولكن هي
أيضًا ثقافة الواجبات، ولايمكن ان تخدم فئة ضد فئة ولاثقافة ضد ثقافة ولاشعوب ضد
شعوب أخرى؟!
لأن
أبعادها الإنسانية تتجاوزالفئوية الضيقة،وتحتكم لمبدأ السلام الحضاري القائم على
الاعتراف بالتعدد والتنوع والتواصل والتعارف والحوار.
البعد
الإنساني للعلاقات الدولية في الإسلام من منظور حضاري
عباد
الله:" حينما نتحدث عن البعد الإنساني للعلاقات الدولية في الإسلام، نجد كما
هائلا من دراسة المستشرقين القدامى والجدد، يقدمون قراءات في الحكم على الإسلام
بأنه دين مبني على سن فقه الحرب لا السلم، فهل نحن من أسسنا لمثل هذه القراءة
المتحيزة ضد الإسلام تحت عنوان الفقه الإسلامي في تقسيم دار السلم ودار الحرب؟
أم
أن أسس العدل والمساوات في مسار تاريخ مد وجزر، العلاقات الدولية في الإسلام قدمت
وفق رؤى استشراقية متحيزة؟
إذا
حاولنا البحث عن مفهوم البعد الإنساني في الرؤية القرآنية، سنجد أن تحديد قيم
التعامل الدولي بين الشعوب، لم تقف عند آيات الأحكام، وإنما تمحورت بمنهج ترابطي
حول الرؤية الكلية للإنسان والكون والحياة والزمان. لتؤصل لأنماط التفاعل الحضاري
المحرك لعنصر الإنسانية كمحور رئيسي للكون، بما يسمى اليوم "الرؤية الإنسانية
الكونية للنظام العالمي".
إنسانية
حروب النزاعات الدولية في الإسلام
عباد
الله:" القاعدة الإسلاميّة في الفتوح الأمان لكلّ مدين، ولكل من لم يقاتل،
ناهيك عن الأمان للأطفال والنساء والشيوخ وعلماء الدين، مع كفالة حرية المعتقد،
فللحروب آدابها، لخصها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في عشر خصال، جاءت في خطبته
التي ودع بها جيش أسامة بن يزيد، وفيها يقول:"يا أيها النّاس، قفوا أوصيكم
بعشر فاحفظوها عنّي: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا
طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تغفروا نخلاً ولا تحرقوا، ولا
تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلاّ لمأكلة، وسوف تمرون
بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.وسوف تقدمون على
قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطّعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء، فاذكروا
اسم الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب،
فاخفقوهم بالسّيف خفقاً، اندفعوا باسم الله"،وهذا يعني أن يقاتل المقاتلون
فقط في ميدان المعركة الإسلام عن الإنسان والجماعة والعالم ينعكس على الهدف من
الحرب وعلى طريقة سير المعارك، وطرق التعامل مع الأعداء، بحيث لا تتعارض الحرب مع
المبادئ الإسلامية (العدل) ومع أخلاقيات الإسلام وبالطبع مع شريعته.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعدفياعباد الله لازلنا نواصل
الحديث حول الابعاد الإنسانية وخطورة تجاهلها وقد بينا ماقرره الإسلام في هذا
الأمر وإليك ماجاء في
العهدة
العمرية، معاهدة فتح بيت المقدس (إيلياء).لنري مدي إنسانية الإسلام مع الأحر
بسم
الله الرحمن الرحيم
هذا
ما أعطى عبدالله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان.أعطاهم أماناً لأنفسهم
وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها بريئها وسائر ملتها، وأنه لا تسكن كنائسهم،
لا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا
يكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.وعلى
أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم
واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم
فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير
بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنّهم آمنون على أنفسهم
وعلى بيعهم وصلبهم، فإنّهم يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل
فلان، فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع
الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنّه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في
الكتاب عهد الله وذمة رسوله، وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم
من الجزية.
شهد
على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي
سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة.
ثم
سار عمر رضي الله عنه من الجابية إلى بيت المقدس، وتنفيذاً لبنود المعاهدة
وموادها، أقام رضي الله عنه مصلاّه إلى كناسة نظفها وطهّرها مع من كان معه من
النّاس، ولم يصلّ في كنيسة القيامة كي لا يقال صلّى هنا عمر، فلتحوّل إلى مسجد،
وعلى مقربة من الكنيسة بنى مسجد عمر دليل التّسامح والتّآخي والاعتراف بالآخر.لقد
عبّر عمر رضي الله عنه بوضوح حينما سئل لِم لم تصل داخل الكنيسة، قال:"لو
صليت داخل الكنيسة خفت أن يقول المسلمون من بعدي: هذا مصلى عمر، وأن يحاولوا أن
يقيموا في هذا المكان مسجداً"
الحقوق
الإنسانية لغير المسلم في دولة الإسلام
عباد
الله :" وإذا نظرنا إلى العهدة العمريّة المستمدّة من الكتاب والسنّة، والتي
وقعت على منوالها معاهدات كثيرة في بلاد الشام، ومصر.. نستخلص منهت حقوقاً إنسانية
لغير المسلم في دولة الإسلام، منها:
حفظ
النفس، فدم الذّمّي كدم المسلم، قال علي رضي الله عنه: من كان له ذمّتنا، فدمه
كدمنا، وديته كديتنا.مع حفظ الأعراض: فلا يجوز إيذاء غير المسلم لا باليد ولا
باللّسان، ولا شتمه ولا غيبته، ورد في الدّر المختار: ويجب كفّ الأذى عنه، وتحريم
غيبته كالمسلم.
وثبوت
الذّمّة: إنّ عقد الذّمّة يلزم المسلمين لزوماً أبديّاً، أي إنّه ليس لهم أن
ينقضوه بعد عقده، ولكن أهل الذّمّة لهم الخيار أن يلتزموه ما شاؤوا, وينقضوه متى
شاؤوا، ومهما ارتكب غير المسلم من كبيرة فلا ينقض بذلك عقده.
والأحوال
الشّخصيّة: يقضي بها الذّميّون بحسب قانونهم الشّخصي. ولغير المسلم الحق في
إظهار شعائره في معابده.
ولا
يجوز في الجزية أن يكلّفوا ما لا يطيقون، ومن يفتقر أو يحتج فلا يعفى من الجزية
فحسب، بل يجرى له العطاء من بيت المال.
وللإشارة
فالجزية هنا تعني بالمفهوم المعاصر بدل التجنيد الاجباري العسكري أو بدل
الجندية،كضريبة يؤديها من لايخرج للقتال وهم قادرون عليه،والدليل عدم فرضها على
الشيوخ ورجال الدين والنساء.
اللهم
أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار