
توعية الداعية من القصص الواهية
قصة يد المغسلة تلتصق بفرج الميتة
رأي العلماء فيها مكذوبة باطلة لاتصح
لماذا لايفتي ومالك في المدينة؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فلازلنا نواصل الحديث حول توعية الداعية وتحذيره من سرد الأحاديث الموضوعة والقصص الواهية المكذوبة والتي تنتشر بين العامة والقصاص ..
ومعنا اليوم قصة يد المغسلة تلتصق بفرج الميتة،وهي قصة مكذوبة لاتصح.هذة القصة ،رغم شهرتها الواسعة، واهية و موضوعة و لا أصل لها عند أهل العلم
وهذه القصة اشتهرت وانتشرت على ألْسِنَة
القصاص والخطباء والوعاظ مما ساعد على انتشارها انتشارًا واسعًا بين الناس بسبب أحد
الخطباء المشهورين عفا الله عنا وعنه الذي أورد هذه القصة في خطبة له بعنوان
"الإمام مالك بن أنس" في كتاب "الخطب المنبرية" الجزء الثاني عشر.
و القصة كما هي مشهورة و مذكورة في الكتاب
:
إن امرأة من نساء المدينة المنورة ماتت، ولما ماتت جيء لها بالمغسِّلة لتغسلها، ولما وضع الجثمان ليغسل، وجاءت المغسلة تصب الماء على جسد الميتة، وبينما هي تصب الماء على فرجها إذ ذكرتها بسوء وقالت: كثيرا ما زنى هذا الفرج. فماذا حدث؟
هل يترك الأمر هكذا وإن كان المقذوف بالزنا ميتا؟! فماذا حدث؟ لقد التصقت يد المغسلة بجسم الميتة، التصقت كأن مغناطيسًا شديد الجذب جذبها، بحيث أصبحت لا تقوى على تحريك يدها، وأغلقت الباب حتى لا يراها أحد على هذه الحال، وأهل الميتة في خارج الحجرة، ينتظرون تكفين الجثة؛ حضر الكفن؟ فتقول المغسلة مهلا. حضر الكفن؟ فتقول: مهلا. ودخلت إحداهن فوجدت الموقف هكذا، وظل الموقف على ما هو عليه، وأخذوا رأي العلماء في يد المغسلة والميتة..
قال أحد العلماء: "نقطع يد المغسِّلة لتدفن الميتة..
فإن دفن الميت أمر واجب"، وقال بعضهم: "بل نقطع قطعة من جسد الميتة لنخلِّص
المغسلة فإن الحي أولى من الميت".
واحتدم الخلاف، ووقف علماء المدينة حائرين أيقطعون يد المغسلة، أم يقطعون قطعة من جسد الميتة وأخيراً اهتدوا إلى أن يسألوا الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، قالوا: كيف نختلف وبيننا الإمام مالك؟
ذهبوا إلى الإمام
مالك وسألوه، وإذا بالإمام مالك يأتي على جناح السرعة، وسألها من وراء حجاب، وقال لها
ماذا قلت في حق الميتة؟ قالت: يا إمام لقد رميتها بالزنا. قال الإمام مالك: تدخل بعض
النسوة على المغسلة وتجلدها ثمانين جلدة.. مصداقا لقول الله جلّ في علاه:"والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة
أبدا وأولئك هم الفاسقون"(النور:4).
ودخلت النساء وجلدن المرأة المغسلة القاذفة،
وبعد تمام الجلدة الثمانين رفعت يدها عن جسد الميتة، من هنا قيل لا يفتى ومالك في المدينة"
وهناك لفظ اخر
قال الحافظ ابن حجر : " قرأت بخط الحافظ قطب الدين الحلبي ما نصه : وسيدي أبي عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد وجدت بخط عمي بكر بن محمد بن سعيد بن يعقوب بن إسحاق بن حجر العسقلاني إملاء قال : ثنا إبراهيم بن عقبة ، حدثني المسيب بن عبد الكريم الخثعمي ، حدثتني أمة العزيز امرأة أيوب بن صالح صاحب مالك قالت : غسلنا امرأة بالمدينة فضربت امرأة يدها على عجيزتها فقالت : " ما علمتك إلا زانية أو مأبونة " . فالتزقت يدها بعجيزتها ، فأخبروا مالكاً ، فقال : " هذه المرأة تطلب حدّها ، فاجتمع الناس ، فأمر مالك أن تُضرب الحدّ فضربت تسعة وسبعين سوطا ، ولم تنتزع اليد ، فلما ضربت تمام الثمانين انتزعت اليد ، وصلي على المرأة ودفنت "(لسان الميزان " (6/304 – 305).
وهذه القصة أوردها أيضاً ابن حجر الهيتمي الشافعي
في تحفة المحتاج بصيغة ( حكي ) التي تدل على التضعيف، وقال عنها ( غريبة ) ، وذكر الذهبي
في السير عن ابن وهب قال : حججت سنة ثمان وأربعين ومائة وصائح يصيح: لا يفتي الناس
إلا مالك بن أنس، وابن الماجشون . اهـ .
وقال الخطيب الشربيني في " مغنى المحتاج
" (1/358) : غريبة
و ذكر "الحافظ ابن حجر" أن هذة
القصة واهية . فسند القصة به علل كثيرة منها راوي يدعي " يعقوب بن إسحاق العسقلاني
"و قد قال الإمام الذهبي في حقه أنه كذاب و علي هذا فالقصة ...موضوعة !!! و سند
القصه بها عده رواه إشتهروا بالتدليس و الكذب علي الرسول صلى الله عليه وسلم
والخلاصة:
قال الشيخ مشهور حسن في " قصص لا تثبت
" (2/78 – 79) : هذه القصة مكذوبة مفترة على الإمام مالك ، ففيها يعقوب بن إسحاق
العسقلاني ، ترجمه الذهبي في " الميزان " (4/449) فقال عنه : " كذاب
" ، وقال الحافظ ابن حجر في اللسان " (6/304) قبل أن يذكرها عنه :
" وقد وجدت له حكاية تشبه أن تكون من وضعه " وسردها .ا.هـ.
وساقها الخطيب الشربيني بصيغة التمريض
" حُكي " ، وقوله قبلها " غريبة " دالٌ على ضعفها عنده .
أما
لماذا لايفتي ومالك في المدينة؟
فالإمام مالك بن أنس بن عامر الأصبحي أبو
عبد الله الفقيه المحدث إمام دار الهجرة، ولد بالمدينة سنة 95 أهم تلامذته: يحيى بن
يحيى الليثي - ابن القاسم - عبد الله بن وهب توفي في المدينة سنة 179 هـ. عن ست وثمانين
سنة، هو ثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وهو صاحب المذهب المالكي في الفقه
الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه، ويطلق عليه "إمام
دار الهجرة"وهي المدينة المنورة، وقد أثنى عليه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام
الشافعي بقوله: "إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين".
ويُعدُّ كتابه "الموطأ" من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى
قال فيه الإمام الشافعي:"ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك".
يقول البخاري: أصح الأسانيد: مالك عن نافع
عن ابن عمر.
ويقول الذهبي: اتفق لمالك مناقب ما علمتُها
لغيره:
أحدها: طول العمر (مات وعمره 85 عاماً)
وعلو الرواية.
وثانيها: الذهن الثاقب والفهم الواسع.
وثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حُجة صحيح
الرواية.
ورابعها: تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه
السنن.
وخامسها: تقدمه في الفقه وصحة قواعده.
توفي رحمه الله سنة 179هـ ،"(انظر
لترجمته تذكرة الحفاظ 1/207- 213).
رحم الله مالك وعلماء الأمة العاملين جميعاً وحشرنا
معهم يوم الدين يارب العالمين