
العاقل
من أعدّ لساعة الموت عدتها
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فياعباد الله:"
لاشك أن الحياة محفوفة بالمخاطر ، يعني إنسان بكل قوته ، وجبروته ،
وهيمنته ، وحجمه المالي بثانية واحدة تتجمد قطرة دم في أحد أوعية
دماغه يصاب بالشلل ، بمكان آخر يصاب بالعمى ، بمكان آخر يصاب بفقد
الذاكرة ، يعني لو أن الدم تجمد في أي مكان احتشاء ، جلطة ، حادث سير
أصبح مشلولاً ، ركب طائرة وقد مات جميع ركابها ، يعني الحياة كلها
مخاطر ، ما في إنسان يضمن أن يعيش ساعة ، وقد يأتي الموت بأسرع
من لمح البصر ، قد يكون
رجلاً فإذا به خبر ، لصقت على الجدران نعوته .
لذلك من أقوال سيدنا عمر : واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا
وسيتخطى غيرنا إلينا ،
فلنتخذ حذرنا .
كل واحد يقرأ في اليوم عشرات النعوات ، لكن لابدّ في أحد الأيام من أن
يقرأ الناس نعوتنا ، كل يوم يخرج من بيته قائماً على قدميه ، لكن في مرة
واحدة لابدّ منها يخرج في نعش ولا يعود ، يدخل إلى المسجد كل يوم ،
لكن في مرة واحدة يدخل إلى المسجد في نعش لا ليصلي بل ليُصلى عليه ،
هنا البطولة أن تعد لهذه الساعة التي لابدّ منها عدتها .
الحياة محفوفة بالمخاطر فعلى الإنسان أن يغتنم صحته وقوته قبل فوات
الأوان :
لذلك الحياة محفوفة بالمخاطر ، أحياناً فقر مفاجئ ، والحديث الشريف : "
بادِرُوا بالأعمال سبعا :" بادروا أي سارعوا ـ فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا
؟ ـ دقق ـ هل تُنْظَرون إلا
فَقْرا مُنْسيا "(الترمذي والنسائي) .
فقر مفاجئ ، الأسعار عشرة أضعاف ، رأسمالك لا يسمح لك أن تستعيد
هذه البضاعة بعد ارتفاع سعرها
، كساد مفاجئ ، جفاف .
" هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا " غنى يحمل صاحبه على
أن يعصي
الله ، بلاء هذا .
" أو مَرَضاً مُفسِداً " يفسد على الإنسان حياته ، يجعل حياته جحيماً لا
يطاق ، والله أسمع كثيراً فجأة فشل كلوي ، يحتاج إلى زرع كلية ، دخل
في متاهة تنظيف الكلية ، ثلاث مرات بالأسبوع وكل مرة مبلغ ضخم ،
وثمان ساعات على السرير ، وآلام ، الإنسان إما أن يصاب بالفقر فينسيه
كل شيء وكاد الفقر أن يكون كفراً ، أو غنىً يحمل الغني على معصية الله
والكبر .
" أو مَرَضا مُفسِدا ، أو هَرَما مُفنِدا " تقدمت به السن ، يعيد القصة مئة
مرة
، ظلّه ثقيل ، يكره الناس ومن حوله وجوده ، يتهربون منه .
" أو موتا مُجْهِزا ، والدجالَ " الذي يأتي إلى بلاد ليقيم فيها الحرية
والديمقراطية
، فإذا به يسفك الدماء وينهب الثروات .
" والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ ، والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ "(الترمذي
والنسائي).
دققوا في هذا الحديث : " بادِرُوا بالأعمال سبعا : فماذا ينتظر أحدكم من
الدنيا ؟ هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ، أو مَرَضا مُفسِدا ،
أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ ،
والساعةَ ؟ والساعةُ
أدْهَى وأمرُّ "(الترمذي والنسائي).
إذاً هناك أخطار لا تعد ولا تحصى ، أخطار بالصحة ، أخطار بالعمل ،
أخطار بالدخل ، أخطار بالرزق ، أخطار أسرية ، أخطار عامة ، اجتياح ،
فقد الأمن ، هناك مصائب لا تعد ولا تحصى ، هذه المصائب تقلب حياة
الإنسان إلى جحيم ، إلى شقاء ، بأسباب تافهة يقود مركبته أخذته سنة من
النوم ، تدمرت حياته كلها ، فجأة ورم خبيث ، في ريعان شبابه .
أعرف إنساناً أخذ أعلى شهادة من فرنسا بالجيولوجيا ، وتسلم منصباً
رفيعاً جداً ، وله مكانة كبيرة ، وبيت فخم ، وزوجة ، وكل شيء ، فقد
بصره ، راعوه شهر ، يأتي موظف يعرض عليه المعاملات ، ويعطي رأيه
ويوقع ، لكن بعدها سُرح ، زاره صديق لي قال له : يا فلان ! أتمنى أن
أجلس على الرصيف أتكفف الناس ، وأن يرد الله لي بصري فجأة فقد
بصره .
لذلك من
أدعية النبي عليه الصلاة والسلام :
" اللهم إنا نعوذ بك من فجأة نقمتك ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ، لك
العتبى حتى ترضى
"(أبو داود).
من أطاع
الله شعر براحة لا توصف لأنه بظل الله ورعايته :
إذاً في أخطار كثيرة تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، فمن الذي يحمي
المؤمن ؟ من يحفظه ؟ من يربيه ؟ من يرشده ؟ من يرعاه ؟ من يؤيده ؟
من ينصره ؟ من يدافع عنه ؟ من ينبهه ؟
إنه الله .
" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى
الظُّلُمَاتِ "(البقرة:257).
الإنسان إذا أطاع الله شعر براحة كبيرة ، إذا أطاع الله شعر بالأنس ، شعر
بحماية الله ، هو في ظل الله ، هو في رعايته ، معنى قوله تعالى : " فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنَا
"(الطور:48). أي برعايتنا ، وبحفظنا ، وبتوفيقنا ، وبتأييدنا ، وبنصرنا .