
احذرالسبع أكلات الموبقات أكل واحدة منها تدخلك النار
أكل أموال الناس بالباطل."وَلَاتَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ"
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
وبعد فنقف اليوم مع سبع أكلات ووجبات حذر منها القرآن وندد بها وتوعد أكلها أنه يأكل النار لامحالة مالم يتب ويرجع إلي الله ويرد المظالم
إلي أهلها وثاني هذه الوجبات والأكلات .. أكل أموال الناس بالباطل.
سبب نزول الآية
قال تعالي:"وَلَاتَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا
فَرِيقًا
مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"(البقرة/188).
قوله تعالى :"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قيل نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عايش الكندي ادعى عليه ربيعة بن عبدان الحضرمي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا أنه غلبني عليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي :"ألك بينة" قال لا قال:" فلك يمينه" فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض " فأنزل الله هذه الآية:" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"
أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل أي من غير الوجه الذي أباحه الله وأصل الباطل الشيء الذاهب والأكل بالباطل أنواع قد يكون بطريق الغصب والنهب وقد يكون بطريق اللهو كالقمار وأجرة المغني ، ونحوهما وقد يكون بطريق الرشوة والخيانة "وتدلوا بها إلى الحكام" أي تلقوا أمور تلك الأموال بينكم وبين أربابها إلى الحكام وأصل الإدلاء إرسال الدلو وإلقاؤه في البئر يقال أدلى دلوه إذا أرسله ودلاه يدلوه إذا أخرجه ، قال ابن عباس : هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه بينة فيجحد المال ويخاصم فيه إلى الحاكم وهو يعرف أن الحق عليه وإنه أثم بمنعه..
قال مجاهد في هذه الآية لا تخاصم وأنت ظالم قال الكلبي :"هو أن يقيم شهادة الزور وقوله:"وتدلوا "في محل الجزم بتكرير حرف النهي معناه ولا تدلوا بها إلى الحكام وقيل معناه ولا تأكلوا بالباطل وتنسبونه إلى الحكام,
قال قتادة : لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حراماً وكان شريح القاضي يقول:" إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالماً ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما يحضرني من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراماً"
وعن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي
ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما
أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له
قطعة من النار"(البخاري ومسلم) .
هذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء
في نفس الأمر ، فلا يحل في نفس الأمر حراما هو حرام ، ولا يحرم حلالا هو حلال ، وإنما
هو يلزم في الظاهر ، فإن طابق في نفس الأمر فذاك ، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال
وزره ولهذا قال تعالى:"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام
لتأكلوا فريقا"أي : طائفة"من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" أي
: تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجون في كلامكم .
قال قتادة : اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي
لا يحل لك حراما ، ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود
، والقاضي بشر يخطئ ويصيب ، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع
الله بينهما يوم القيامة ، فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق
في الدنيا .
وقال أبو حنيفة : حكم الحاكم بطلاق الزوجة
إذا شهد عنده شاهدا زور في نفس الأمر ، ولكنهما عدلان عنده يحلها للأزواج حتى للشاهدين
ويحرمها على زوجها الذي حكم بطلاقها منه ، وقالوا : هذا كلعان المرأة ، إنه يبينها
من زوجها ويحرمها عليه ، وإن كانت كاذبة في نفس الأمر ، ولو علم الحاكم بكذبها لحدها
ولما حرمها وهذا أولى .
مسألة : قال القرطبي : أجمع أهل السنة على
أن من أكل مالاً حراماً ولو ما يصدق عليه اسم المال أنه يفسق ، وقال بشر بن المعتمر في
طائفة من المعتزلة : لا يفسق إلا بأكل مائتي درهم فما زاد ، ولا يفسق بما دون ذلك ،
وقال الجبائي :"يفسق بأكل درهم فما فوقه إلا بما دونه" .
قوله تعالى :"لتأكلوا فريقاً طائفة
"من أموال الناس بالإثم"بالظلم وقال ابن عباس : باليمين الكاذبة يقطع بها
مال أخيه"وأنتم تعلمون" أنكم مبطلون"
أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم, لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ويحترم ماله كما يحترم ماله؛ ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة.
من أكل بباطل جاع بحق:"
من استغل وسيلة بباطل أراه الله قبحها بحق.
و لك أن تستعرض حياة كل من استغل شيئا مما
خلقه الله فى إشاعة انحراف أو فساد أو جعله وسيلة لباطل لابد ان يريه الله باطلاً فيه،
ولنا ان نعرف ان من أكل بباطل جاع بحق أى أن الله يبتليه بمرض يجعله لا يأكل من الحلال
الطيب، فنجد إنساناً يمتلك أموالاً طائلة ويستطيع
ان يأكل من كل مافى الكون من مطعم ومشرب لكن الأطباء يحرمون عليه الأكل من أطعمة متعددة
لأن فيها وبالاً على صحته.
فبسبب ظلم الناس تكون النعمة امامه وملك
يديه لكنه لا يستطيع ان يأكل منها بحق، وفى نفس الوقت يتمتع بالنعمة أولاده وخدمه وكل
من يعولهم، ومن هنا فالذى ظلم الناس بقوته وعضلاته لابد ان يأتى عليه يوم يصبح ضعيفا.
قد ذكر الحق سبحانه وتعالى الحكام فى الآية لأن الحاكم هو الذي يقنن ويعطي مشروعية للمال ولو كان باطلا.
ولما كان أكلها نوعين:
نوعا بحق, ونوعا بباطل, وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل, قيده تعالى بذلك، ويدخل
في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية, أو نحو ذلك، ويدخل
فيه أيضا, أخذها على وجه المعاوضة, بمعاوضة محرمة, كعقود الربا, والقمار كلها, فإنها
من أكل المال بالباطل, لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في
البيع والشراء والإجارة, ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك
أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات
التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات,
والأوقاف، والوصايا, لمن ليس له حق منها, أو فوق حقه. فكل هذا ونحوه, من أكل المال
بالباطل, فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم
الشرع, وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة, غلبت حجة المحق, وحكم له الحاكم بذلك، فإن
حكم الحاكم, لا يبيح محرما, ولا يحلل حراما, إنما يحكم على نحو مما يسمع, وإلا فحقائق
الأمور باقية، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة, ولا شبهة, ولا استراحة. فمن أدلى إلى
الحاكم بحجة باطلة, وحكم له بذلك, فإنه لا يحل له, ويكون آكلا لمال غيره, بالباطل والإثم,
وهو عالم بذلك. فيكون أبلغ في عقوبته, وأشد في نكاله. وعلى هذا فالوكيل إذا علم أن
موكله مبطل في دعواه, لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى:"وَلَا تَكُنْ
لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا"
صور لأكل أموال الناس بالباطل:
أكل المال بالسرقة أو بالخيانة أو بالغش أو بالرشوة أوبالنصب أو بغير هذا فقد وضع تسلم المال واكتساب المال وضعه في غير موضعه، فإن وضع الكسب الحلال هو ما يكون في موضعه الذي أباحه الله، فإذا جاء في غير موضعه وجاء في غير طريقه صار ظلمًا، فأخذ المال بالبيع الشرعي بالهبة الشرعية بالإرث الشرعي كسب حلال؛ لأنه جاء في محله في موضعه، أخذ ذلك بالسرقة بالخيانة بالرشوة بالمعاملة الفاسدة بالنهب والسلب والقوة والغصب هذا جاء في غير موضعه وصار ظلمًا وحرامًا يقود إلى النار، نعوذ بالله، ويجر إلى النار، والظالم قد تعرض لغضب الله وعقابه، فهو قد يكون مرتاح البال والمظلوم مكدر البال تعبان الحال يرفع يديه إلى ربه يدعو على ظالمه، فكيف بحال هذا؟ والرسول صلي الله عليه وسلم يقول:"اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
ولأكل أموال الناس بالباطل صورٌ كثيرة، ومظاهرُ عديدة، جاء الإسلام بتحريمها وحماية الناس منها، لما يترتب عليه من مخاطرَ جسيمة، وعواقبَ وخيمة في الدنيا والآخرة.. ومن ذلك:
الغصْبُ والسرقة:"
وهذا داء يعاني منه مجتمعنا اليوم، تغتصَبُ أموال الناس وتُسْرَق تحت
تهديد الخناجر والسيوف، وترتكبُ فيه أبشع الجرائم من قتل وجَرْح
وتشويه.
ولذلك شدد فيه الإسلام ووضع له حدا من الحدود، فقال الله تعالى:"
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَة فاقطعُوا أيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(المائدة :38).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:"لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبلَ فتقطع يده".
ومن ذلك غصْبُ الأرض والاستيلاءُ عليها؛ فعندما ينعدم الخوف من الله،
تصير القوة والحيلة وبالا على صاحبها، يستخدمها في الظلم والعدوان،
ويوظفها في الاستيلاء على أموال الآخرين وهضم حقوقهم.. وقد توعد
النبي صلى الله عليه وسلم من غصبَ أراضا وانتزعها من صاحبه بأشد
الوعيد، فعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من
أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خُسِفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين"
(البخاري).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "..لعن الله من غير منار الأرض"
(مسلم).
أي غير حدودها، فانتزع قطعة من
أرض جاره وأضافها إلى نصيبه.
الرشوة:"
وهي كلّ ما يدفعه المرء لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين
ليتوصَّل به إلى ما لا يَحل له. ولها صور كثيرة؛ من أعظمها ما يُعطى
لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو لظلم أحدٍ من الناس. ومن صُورها دفع
المال في مقابل قضاء مصلحةٍ يجب على المسؤول عنها قضاؤها بدون
هذا المقابل. ومن صورها أيضاً من رشى ليُعْطى ما ليس له، أو ليدفع حقاً
قد لزمه، أو رشى ليُفضَّل أو يقدَّم على غيره من المستحقين.
وقد حرّم الإسلام الرشوة أخذا وعطاء، وحذر منها، فقال الله تعالى:" وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ
النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"(البقرة: 188).
وعن عبد الله بن عمرو، قال:"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي
والمرتشي"(أحمد والترمذي وأبو داود). وفي رواية لأحمد وابن ماجة عن
عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعنة الله على
الراشي والمرتشي".
فالرشوة كسب خبيث، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، وإعانة على الظلم والعدوان،
وهدْرٌ لكرامة الإنسان، وهي دعوة قبيحة لنشر الرذائل والفساد، وإطلاق العنان لرغبات
النفوس، وانتشار الاختلاس والتزوير، واستغلال السلطة والتحايل على النظام، فتتعطل حينئذ
مصالح المجتمع، ويسود فيه الشر والظلم، وينتشر فيه البُؤس والفقر والشقاء.. لذا حرّم
الإسلام الرشوة حتى ولو ألبسها صاحبها ثوب الهدية؛ ففي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي
رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسْدِ يقال له ابن
اللتبية على الصدقة، فلما قدِمَ قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي. قال: فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول:
هذا لكم، وهذا أهدي لي. أفلا قعدَ في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيُهدَى إليه
أم لا. والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله
على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيْعَرُ». ثم رفع يديه حتى رأينا
عفرتي إبطيه، ثم قال: "اللهم هل بلغت". مرتين.
وعن بُرَيْدة بنِ الحُصَيْب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فرَزَقنَاهُ رِزْقا، فمَا أخَذ بَعْدَ ذلِكَ فهُوَ غُلولٌ "(
أبو داود).
الغش في البيع والشراء:"
فمن التجار من يكذب على الناس، ويتحايل
عليهم، ويحلف في بيعه بالحلف الكاذب ليُغريَ غيرَه بسلعته، وهذا ظلم وأكل لأموال الناس
بالباطل، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة؛ المنان
الذي لا يعطي شيئا إلا مَنّه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزارَه"(مسلم ).
ومن ذلك التطفيفُ في الكيل والميزان؛ وهذا أمر يتهاون فيه كثير من الناس،
فإذا كانوا بائعين أخسَرُوا ونقصوا في الكيل والوزن، وإذا كانوا مشترين استوفوْا وزادوا
في الكيل والوزن، والله سبحانه وتعالى يقول:" وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ
إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"(المطففين: 1 - 6).
ومن ذلك كتمُ عيوب السلعة وإخفاؤها عند بيعها؛ فكثير من الباعة اليوم
ممن لا يخافون الله لا يبينون عيوب السلعة التي يبيعونها، بل يجتهدون في إخفائها بشتى
أنواع الحيَل.. وهذا من الحرام الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة،
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"المسلم
أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باعَ من أخيه بيْعا فيه عيْبٌ إلا بيّنه له"(ابن ماجة
والحاكم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على صُبْرَة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: "ما هذا يا صاحبَ الطعام؟». قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني"(مسلم).
أكل مال اليتيم:"
فمن كان عنده مال ليتيم فأكله أو جحده فهو آكل لأموال الناس بالباطل، وقد توعد الله تعالى عليه بأشد الوعيد، فقال سبحانه:"إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا"(النساء: 10).
فواجب على من تولى رعاية يتيم عنده مال أن يدفع إليه ماله كاملا عندما يأنس منه الرشد وحُسْن التصرف، فقد قال تعالى:"وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا"(النساء: 6).
ويقول جل وعلا:"وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ
بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا
كَبِيرًا"(النساء: 2).
أكل مال الأجير والمستخدَم:"
وذلك بعدم إعطاء العُمّال والأجَرَاء
والموظفين حقوقهم بعد استيفائهم لأعمالهم.. سواء كان ذلك بجَحْدِ حق الأجير وإنكاره
من طرف المسؤول أو صاحب العمل، أو ببخسه في حقه فلا يعطيه إياه كاملا. أو يزيد عليه
أعمالا إضافية من غير مقابل، أو يماطل فيه فلا يدفعه إليه إلا بعد جهد وعناء... فويل
لهؤلاء الظلمة من عذاب يوم أليم، ومن خصومة ربّ العالمين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل
أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره"( البخاري).
عدم الوفاء بالدين:"
فمن الناس مَن يأخذ الديْن وفي نيته ألاّ يرُدّه، أو يُماطل في رَدّه
لصاحبه.. وحقوق العباد عند الله عظيمة، فلا مناص من أدائها وردّها إلى أصحابها قبل
أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار ولا بالدرهم، ولكن بالحسنات والسيئات. والله سبحانه
وتعالى يقول:"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا".
وكثير من الناس يتساهلون في الاستدانة من غير حاجة ولا ضرورة، وإنما رغبة
في التوسع، ومجاراة الآخرين... والتساهل في الاستدانة يقود إلى المماطلة في التسديد،
أو يؤدي إلى إضاعة أموال الآخرين وإتلافها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا
من عاقبة هذا العمل:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذ يريد
إتلافها أتلفه الله"(البخاري).
سؤال الناس من غير حاجة:"
كمن يطوف على التجار مُدّعيا
أنه مستحق للزكاة وهو يكذب في ذلك، أو من يسأل الناس في المساجد والطرقات وهو غير صادق،
فهذا أكل لأموال الناس بالباطل. فليتذكرْ هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في
الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما
يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعَة لحم".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقلّ أو ليستكثر"(مسلم).
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يطيع أمره ويجتنب نهيه ويقف عند حدوده،
وأن يجنبنا أسباب مقته وغضبه وعقابه. آمين.