recent
أخبار عاجلة

الأسباب المنجية من عذاب القبر

 


 الأسباب المنجية من عذاب القبر

محاسبة النفس و توحيد الله تعالى

الاستقامة على طاعة الله عزّ وجلّ

الصلاة والزكاة والصيام وفعل الخيرات

 الشهادة في سبيل الله تعالى

 الرباط في سبيل الله تعالي

التعوُّذُ باللهِ من عذاب القبر

والدعاء للميت عند الصلاة عليه وبعد دفنه

من داوم على قراءة سورة الملك كل ليلة  

من مات مُرابِطًاً في سبيل الله 

 الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد

 من الأسباب المنجية من عذاب القبر،فعل هذه الطاعات والمواظبة عليها و تجنّب تلك الأسباب التي تقتضي عذابَ القبر، ومن أنفعها 

محاسبة النفس و توحيد الله تعالى

أن يجلسَ الرجلُ عندما يريدُ النومَ لله ساعةَ يحاسِبُ نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدّدُ توبةً نصوحاً بينه وبين الله، فينامُ على تلك التوبة، ويعزِمُ على أن لا يعاوِدَ الذنبَ إذا استيقظَ، ويفعل هـذا كلَّ ليلةٍ، فإنْ ماتَ من ليلته مات على توبة، وإن استيقظَ مستقبِلاً للعملِ مسروراً بتأخير أجلِه حتّى يستقبلَ ربَّه، ويستدركَ ما فاته، وليس للعبدِ أنفعُ من هـذه النومة، ولا سيّما إذا ذلك عقّب ذكرِ الله، واستعمال السُّنَنِ التي وردتْ عن رسولِ الله صلي الله عليه وسلم  عندَ النومِ حتّى يغلبه النومُ، فمن أرادَ اللهُ به خَيْراً وفّقه لذلك، ولا قوة إلا بالله.

 أما الجواب المُفصّل فنذكر أنّ مما ينجي من عذاب القبر :

  توحيد الله تعالى: 

لقد كان توحيدُ الله سبحانه دوماً في مقدّمةِ الأعمال الصالحة، لأنّه أساسها وأصلها الذي تنبني عليه، وإذا فُقِدَ أو خُرِمَ انهارَ صرحُها، وتهاوى بنيانُها، وهو أعظمُ عاملٍ للثبات في جميع المواطن، وفي هـذا الموطنِ جاء الدليلُ من الكتاب والسنة على أهميةِ التوحيدِ في ثباتِ المؤمن في القبر ، قال الله تعالى: "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ "(إبراهيم: 27).

 والقولُ الثابتُ هو كلمةُ التوحيدِ، وهي شهادةُ ألاّ إلـه إلا الله، وأنّ محمّداً رسولُ اللهِ . فلا يثبتُ في القبرِ إلا الموحّدُ الذي عرف الله حقَّ المعرفةِ، وامنَ به إيماناً صادقاً، ولم يعرف عبادة لسواه، بل وحّده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

 الاستقامة على طاعة الله عزّ وجلّ

 قال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ "(فصلت: 30) . فلقد أجرى اللهُ الكريمُ عادته بكرمه أنّ مَنْ عاشَ على شيءٍ مات عليه، ومن ماتَ على شيءٍ بُعِثَ عليه، فمن عاش على الطاعةِ مُخْلصاً لله، ومتَّبعاً له، ومتّبِعاً لهديِ رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فإنّه يموتُ على الطاعة ، وينوّرُ الله له قلبه بتلك الطاعة، بل يصبحُ قبرُهُ روضةً من رياضِ الجنةِ جزاءً لكلِّ لحظةٍ عاشها في طاعة الله جلّ وعلا .

الصلاة والزكاة والصيام وفعل الخيرات

 قال صلي الله عليه وسلم :"إنّ الميتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ إنَّه يسمعُ خَفْقَ نعالِهِمْ حينَ يولوّن عَنْهُ، فإنْ كانَ مؤمناً كانت الصلاةُ عندَ رأسِهِ، وكانَ الصيامُ عن يمينِهِ، وكانتِ الزكاةُ عن شمالِهِ، وكان فِعْلُ الخيراتِ مِنَ الصَّدَقَةِ والصِّلَةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى الناسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فتقولُ الصلاةُ: ما قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثم يُؤْتّى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فيقولُ فعْلُ الخَيْرَاتِ من الصّدَقَةِ والصِّلَةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى الناسِ: ما قِبَلِي مَدْخَلٌ، فيقالُ له: اجلِسْ، فَيَجْلَسُ، وقد مُثِّلَتْ لهُ الشمسُ، وقد أُدنيتْ للغروبِ، فيقالُ له: أرأيتُكَ هـذا الرجلُ الذي كانَ فيكُم، ما تقولُ فيه، وماذا تشهدُ بِهِ عليه؟ فيقولُ: دعوني حتّى أُصلِّي، فيقولون: إنَّك سَتَفْعَلُ، أخبرْنا نسألُكَ عنه، أرأيتُكَ هـذا الرجلَ الذي كانَ فيكم ما تقولُ فيه، وماذا تشهدُ عليه ؟ قال: فيقول: محمَّدٌ، أشهدُ أنَّه رسولُ اللهِ، وأَنَّه جاءَ بالحقِّ مِنْ عندِ اللهِ، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقالُ له: هـذا مقعدُكَ منها، وما أعدَّ اللهُ لكَ فيها، فيزدادُ غبطةً وسروراً. ثم يُفْتَحُ له بابٌ من أبوابِ النَّارِ، فيُقالُ له: هـذا مقعدُكَ منها، وما أعدَّ الله لكَ فيها لو عصيتَهُ، فيزدادُ غبطةً وسروراً، ثم يُفْسَحُ له في قبرِهِ سبعونَ ذراعاً، وينوَّرُ له فيه، ويُعَادُ الجسدُ لِمَا بَدَأَ منه، فَتُجعْلُ نسمتُه"(الترمذي)، 

في النسيم الطيِّبِ، وهو طيرٌ يعلَّق في شَجَرِ الجنةِ، قال: فذلك قوله تعالى:"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"(إبراهيم: 27).

 لقد بيَّنتِ الأحاديثُ أنَّ لهـذه الطاعاتِ أثراً عظيماً في القبر، فهي تحيطُ بالمؤمن من جميع جوانبه، وتحميه وتدافع عنه.

  الشهادة في سبيل الله تعالى

 قال تعالى:"وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ"(آل عمران: 169 ـ 170) .

وقد جاء بيانُ ذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عندما سأله مسروقٌ عن معنى الآية الأُولى فقال: أمّا إنّا قد سألنا عن ذلك رسولَ الله صلي الله عليه وسلم فقال:"أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلقةٌ بالعرشِ، تسرحُ مِنَ الجنَّةِ حيثُ شاءتْ، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فأطّلعَ عليهم ربُّهم اطّلاعةً، فقالَ: هل تَشْتَهُوْنَ شَيْئاً ؟ فقالوا: أيْ شَيْءٍ نَشْتَهِي ونحنُ نَسْرَحُ من الجنّةِ حيثُ شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاثَ مرّاتٍ، فلمّا رأَوْا أنَّهم لن يُتْرَكُوا مِنْ أن يسألوا قالوا: يا ربِّ نريدُ أنْ تَرَدَّ أرواحنا في أجسادِنا حتى نُقْتَلَ في سبيلَك مرَّةً أُخرى، فلمّا رأى أنْ ليسَ لهم حاجةً تُرِكُوا "(صحيح ابن ماجه). 

 فالشهداءُ أرواحُهم حيةٌ عند الله حياةً برزخيةً، مودعةٌ في أجوافِ طيرٍ خُضْرٍ تتنعّم بنعم الله، وترتزقُ برزقِ الله، تسرحُ من الجنّةِ حيثُ شاءتْ، تأكلُ من ثمارِها، وتلتذّ بنعيمِها، وهي مغتبطةٌ فرحةٌ بما نالت من أجر، وحَظِيَتْ من كرامةٍ، بل تتمنّى أن تعودَ إلى الدنيا لتُقْتَلَ في سبيل الله مرةً أُخرى لِمَا رأتْ من فضلِ الشهادةِ، وعظيمِ ثوابها" .

 ولقد بيَّن رسولَ الله صلي الله عليه وسلم أنَّ مَنْ قُتِلَ في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وإعزاز دينه، أَمَن فتنةَ القبرِ، وسَلِمَ منها، فلمّا سُئِلَرسولَ الله صلي الله عليه وسلم وقيل له يا رسول الله: ما بالُ المؤمنين يُفْتَنون في قبورهم إلا الشهيدَ ؟ قال:" كَفَى ببارقةِ السيوفِ على رأسهِ فتنةً "(النسائي).

وقال رسولَ الله صلي الله عليه وسلم:"مَنْ لَقِيَ العدوَّ، فصبرَ حتَّى يُقْتَلَ أو يَغْلِبَ لم يُفْتَنْ في قبرهِ"(الطبري). 

وقال  رسولَ الله صلي الله عليه وسلم للشهيدِ عندَ اللهِ سِتُّ خصالٍ:" يُغْفَرُ له في أوّلِ دفعةٍ، ويرى مقعدَه من الجنَّةِ، ويُجَارُ من عذابِ القبرِ، ويأمنُ من الفَزَعِ الأكبرِ، ويوضَعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوَّجُ باثنتين وسبعينَ زوجةً من الحور العينِ، ويشفَّعُ في سبعينَ من أقاربه"(الترمذي وابن ماجه وأحمد).

 الرباط في سبيل الله تعالي

فعن فَضَالةَ بن عُبيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم قال:" كُلَّ الميتِ يُخْتَمُ على عَمَلِهِ إلا المرابطُ، فإنَه ينمو له عملُه إلى يوم القيامةِ، ويُؤَمَّنُ من فتّانِ القبرِ"(أبوداود). وفي رواية قال:" يُنَمّى له عملُه إلى يومِ القيامةِ، ويُؤْمَنُ من فتنةِ القبرِ"(الترمذي).

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم يقول:"رباطُ يومٍ في سبيل اللهِ أفضلُ ( وربما قال ): خيرٌ من صيامِ شهرٍ وقيامِهِ، ومَنْ ماتَ فيه وُقِيَ فتنةَ القبرِ، ونُمِّيَ له عملُه إلى يومِ القيامةِ"(الترمذي).

 فالمرابطُ في سبيل الله يأمنُ من فتنة القبر، ومن فتّاني القبر، فيَسْلَمُ منهما بثباتٍ وصبرٍ، فيضاعَفُ له الأجر، ولا ينقطعُ مدَّة الحياةِ وأبدَ الدهرِ إلى يوم القيامة والحشرِ.

  التعوُّذُ باللهِ من عذاب القبر

عن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه قال: كان رسولَ الله صلي الله عليه وسلم يقول:" اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من العجزِ والكسلِ والجُبْنِ والبُخْلِ والهَرَمِ، وأعوذُ بِكَ من عذابِ القبرِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فتنةِ المحيا والمماتِ"(البخاري). 

وعن عُروة بن الزبير عن عائشةَ رضي الله عنها، أخبرْتُه أنَّ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة:" اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من عذابِ القبرِ، وأعوذُ بِكَ من فتنةِ المسيحِ الدَّجَالِ، وأعوذُ بِكَ من فتنةِ المحيا وفتنةِ المماتِ . اللهُمّ إنِّي أعوذُ بكَ من المَأْثَمِ والمَغْرَمِ"(البخاري ومسلم)..

وقال رسولَ الله صلي الله عليه وسلم:" إذا فرغَ أحدُكم مِنَ التشهُّدِ الآخر، فليتعوَّذْ باللهِ من أربعٍ: من عذابِ جهنَّمَ، ومِنْ عذابِ القبرِ، ومِنْ فتنةِ المحيا والمماتِ، ومن شرِّ المسيحِ الدَّجَالِ "(مسلم).

الدعاء لنفسه

 ولا ينبغي أبداً أن يَغْفَلَ المسلمُ عن الدُّعاءِ، فالدعاءُ من أعظمِ أسبابِ النّجاةِ في الدنيا والآخرة، سَمَعَ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم رجلاً يقول في التشهُّدِ: اللهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لكَ الحَمْدُ، لا إلـه إلا أنتَ، وحدَكَ لا شَرِيْكَ لكَ، المنانُّ، يا بديعَ السماواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، يا حيَّ يا قيوَم إنِّي أسألك الجنةَ، وأعوذُ بِكَ من النَّارِ، فقال  صلي الله عليه وسلملأصحابه:" تدرون بما دعا؟ " . قالوا: اللهُ ورسولُه أعلم . قال:"والذي نفسي بيدهِ، لَقَدْ دَعَا اللهَ باسْمِهِ العَظِيْمِ ( وفي رواية ) الأعظمَ، الذي إذا دُعِيَ به أجابَ، وإذا سُئِلَ به أَعْطَى "(الترمذي والنسائي). 

فعلينا أن نسألَ الله تعالى بأسمائه الحُسنى، وصفاته العليا، وباسمه الأعظم أن ينجيَنا مِنْ عذابِ القبرِ، ونحنُ موقنونَ بالإجابة  . 

والدعاء للميت عند الصلاة عليه وبعد دفنه  

وصلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت ، كما قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/44) : " مقصودها الأعظم إجابة الدعاء " انتهى .

 الثابت في السنة النبوية الحرص على الاجتهاد والإخلاص في الدعاء أثناء صلاة الجنازة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :"إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ"(أبو داود ).

وعن أَبي إِبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا ، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا ، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا "(الترمذي)

وعن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال :" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال : اللهم عبدك وابن أمتك ، احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه"(الحاكم).

كما أنَّ الدعاءَ للميِّت من أسباب التثبيت، فعن عثمانَ بنِ عفّانَ رضي الله عنه قال: كان رسولَ الله صلي الله عليه وسلم إذا فرغَ من دفنِ الميّتِ، وقفَ عليه، فقال:"استغفروا لأخيكم، وسَلُوا لهُ التثبيتَ، فإنَّه الانَ يُسْأَلُ "(أبوداود والبزار).

الميِّتُ في أشَدِّ الحاجَةِ إلى دُعاءِ إخْوانِه الأحياءِ مِن المسلِمينَ، وخاصَّةً عندَ الصَّلاةِ عليه ودَفنِه؛ لِمَا يقَعُ له مِن سؤالِ الملَكَينِ وفتنةِ القبرِ.

وفي هذا الحَديثِ يقولُ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ رَضِي اللهُ عَنه: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا فَرَغ مِن دَفْنِ الميِّتِ وقَف عليه"، أي: على قبْرِه، فقال: "استَغفِروا لأخِيكم"، أي: يَطلُبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الحاضِرين معَه أنْ يَطلُبوا مِن اللهِ أنْ يَغفِرَ للميِّتِ ذُنوبَه ويَمحُوَ عنه سيِّئاتِه، "وسَلُوا له بالتَّثبِيتِ"، أي: اطلُبُوا في دعائِكم له مِن اللهِ أنْ يُثَبِّتَه في الجَوابِ على الملَكَينِ حين يَسأَلانِه عن ربِّه وعن دِينِه ورَسولِه الَّذي أُرسِلَ إليه؛ "فإنَّه الآن يُسأَلُ"، أي: حين فرَغُوا مِن دفْنِه.

وهذا السُّؤالُ يَكونُ بالكيفِيَّةِ الَّتي يُقدِّرُها اللهُ، وهذا إثْباتٌ لحَياةِ الميِّتِ في القبْرِ حياةً يَعلَمُ ماهِيَّتَها الخالِقُ سُبحانَه.

من داوم على قراءة سورة الملك كل ليلة

قراءة سورة الملك كلّ ليلة تكون مانعة لعذاب القبر ومنجّية لمَن يحافظ ويداوم على قراءتها في ليلته قبلَ نومه، كما تجادِل عن صاحبها يوم القيامة لتدخلَه إلى جنان النعيم، وتبعدُ عنه عذابَ جهنّم.

فعن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خباءه على قبر - وهو لا يحسب أنه قبر - فإذا فيه إنسان يقرأ سورة "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ" (الملك: 1). حتى ختمها، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني ضربت خبائي على قبر - وأنا لا أحسب أنه قبر - فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتى ختمها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"هي المانعة، هي المنجية، تُنجيه من عذاب القبر"(الترمذي).

وجاء في فضل قراءة سورة الملك "تبارك الذي بيده الملك" عمومًا، وقبل النوم خصوصًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً، شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ".

من مات مُرابِطًاً في سبيل الله 

والمقصود بالرباط: "هو الإقامة في الثغور، وهي الأماكن التي يخاف على أهلها من أعداء الإسلام، والمُرابط هو المقيم فيها، المعد نفسه للدفاع عن الوطن»، والجهاد لا يكون إلا بأمر من الدولة وحاكمها، وليس من قِبل أفراد إرهابيين كما يفعل داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة.

والميت يختم له على عمله إلا المرابط في سبيل الله، روى الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْر"

والرباط من أفضل الأعمال، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللّه خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»

وعن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ"(مسلم).

الرِّباطُ في سَبيلِ اللهِ والمحافظةُ على بلادِ الإسلامِ مِنْ أعظمِ الأعمالِ التي يَسْتمِرُّ ثوابُها؛ وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “كلُّ الميِّتِ يُخْتَمُ على عمَلِه”، أي: كل الأمواتِ تُطْوى صَحيفتُهم فلا يُكْتبُ لهم عملٌ بعد موتِهم، “إلَّا المُرابِط”ن أي: المدافِع عن حُدودِ المسلمين وثُغورِهم، فإنَّ ثوابَ عمَلِه يَزدادُ "ويَنْمو"، أي: يتَضاعفُ، "إلى يومِ القيامةِ"، أي: حتَّى بعدَ موتِه.

 "ويُؤمَّنُ مِنْ فتَّانِ القَبْرِ"، أي: مُنْكرٍ ونكيرٍ يؤمَّنُ فِتنةَ سؤالِهما؛ قيل: يَحتِمَلُ أن يَكونَ المرادُ أنَّ الملَكَين لا يَجيئانِ إليه ولا يَختبِرانه، بل يَكْفي موتُه مُرابِطًا في سبيلِ اللهِ شاهِدًا على صِحَّةِ إيمانِه، ويُحتمَلُ أنَّهما يَجيئانِ إليه، لكن لا يَضُرَّانِه، ولا يَحصُلُ بسببِ مَجيئِهما فتنةٌ.

ومن المرابطة في سبيل الله :"اسباغ الوضوء علي المكاره وكثرة الخطا إلي المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة

من مات يوم الجمعة أو ليلتها

وأخرج الترمذي في «جامعه»: أبواب الجنائز: باب ما جاء في من يموت يوم الجمعة: عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما من مسلم يموت يوم الجمعة - أو ليلة الجمعة - إلا وقاه الله فتنة القبر"، وضعف بعض العلماء هذا الحديث

  تجنُّبِ أسباب عذاب القبر: 

ومن أسباب النجاة من عذاب القبر أن يتجنَّبَ العبدُ كلَّ الأسبابِ التي تؤدِّي إلى عذابِ القبرِ، مثل النميمةِ، وعدم الاستتار والتنزُّه من البول، والكذب، وهجر القرآن، وعدم العمل به، وأكل الربا، والوقوع في الزنا… الخ، فكلُّ هـذه الأشياء مِنْ أسبابِ عذابِ القبر، فعلينا أن نتجنّبها للننجوَ جميعاً من عذاب القبر، وكذلك علينا أن نتجنّبَ الأسبابَ التي تؤدِّي إلى سوءِ الخاتمة، من الشكِّ، والجحودِ، وفساد المُعْتَقَدِ، والنفاقِ، وحُبِّ المعاصي، والإصرار عليها، وتعلّق القلب بغيرِ اللهِ، والانتحار، والعدول عن الاستقامة، وحُبِّ الدنيا، وطول الأمل وغير ذلك من الأسباب.

 ونسأل الله عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أنْ ينجِّيَنا جميعاً من عذاب القبر وعذابِ النارِ، وأن يجمعنا في مستقرِّ رحمته مع النبيينَ والصديقينَ والشُّهداءِ والصالحينَ، وحَسُنَ أولـئك رفيقاً. ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “الإيمان باليوم الآخر”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد أكثر معلوماته من كتاب: ” اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة”، للدكتور عبد المحسن المطيري. اقرأ المزيد في سلسلة : عذاب القبر

google-playkhamsatmostaqltradent