
صلوا كما رأيتموني أصلي الجزء الثاني الركن الأول"النية وحكمها"
التعريف بالنية
الحكمة من تشريع النية
كيف تكون النية للصلاة وشروطها
وقت النية في الصلاة
أولاً: أركان الصلاة:
الركن في اللغة :"جانب
الشيء الأقوى، الذي لا يقوم ولا يتم إلا به، وسميت أركان الصلاة: تشبيهًا لها
بأركان البيت الذي لا يقوم إلا بها،
والركن في الاصطلاح:"ماهية الشيء والذي يتركب منه ويكون جزءًا من أجزائه، ولا يوجد ذلك الشيء إلا به، وهوعبارة عن جزءالماهية:وهي الصورة"(انظر: حاشية الروض المربع لابن قاسم، ٢/ ١٢٢).
وأركان الصلاة مختلف فيها بين
الفقهاء منهم من عدها أربعة عشر ركنًا ومنهم
من زاد ومنهم من قل على النحو الآتي:
أولها النية:"
التعريف بالنية :
هي قصدُ العبادة التي كَلّف
الله -تعالى- بها عباده مقترنةً بفعلها، ومحلّها القلب، استناداً لقوله -صلى الله
عليه وسلم-: "التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ
مَرَّاتٍ"(مسلم).،
ويُؤكد أنَّ النيّة محلّها القلب؛ الكثير من
آيات القرآن الكريم كقول الله -تعالى-: "لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ
وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ"(البقرة/245).
وقوله:"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا"(الحج/46).
وهناك مَن ذهب إلى أنّ النيّة محلّها القلب
واللّسان معاً، كالإمام الماوردي -رحمه الله-، وقد استدلّ بقول الرسول -صلى الله
عليه وسلم :"إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أنْفُسَها،
ما لَمْ تَعْمَلْ أوْ تَتَكَلَّمْ"(البخاري).
وقد تفرّد بهذا الرأي عن الآخرين من فقهاء
المذهب.
الحكمة من تشريع النية
وقد شرع الله -تعالى- النيّة لحِكمةٍ مفادُها تمييز
أفعال العباد إن كانت عبادات خالصة لله أو عادات يومية، والحكمة من نيّة الصلاة تمييزها
إن كانت فرض عين أو كفاية أو نذر أو نفل وغيره.
شروط النية
ويشترط في
النيّة شروطاً بيانها فيما يأتي:
إن النّية متعلّقة بالناوي، ولا يجوز النيّة لفعل شخصٍ آخر.
أن تكون النيّة في شيءٍ معلومٍ دون التردّد أو الشكّ به.
أن تكون النيّة
مقارنةً للعبادةِ أو قبلها بوقتٍ قليل.
واختلفوا في
حكمها:"
وهي مختلف فيها بين الفقهاء هل النيَّة ركنٌ أو شَرْط؟
حكم النية في الصلاة اتّفق
الفقهاء جميعاً على أنّ الصلاة لا تصحّ بدون النيّة و تبطل بتركها، لأنَّ النيّة
تُميّز العبادة عن العادة، ويجب أن تكونَ خالصةً لله تعالى"( وهبة الزُّحيلِي، كتاب الفقه
الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا - دمشق: دار الفكر، صفحة 205-206، جزء 1.
بتصرّف.).
ولكن تعدَّدت آرائهم في حكمها مُستدلّين بقوله الله تعالى:"وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"(البينة/5).
وما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه حيث قال:"إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما
نَوَى"(البخاري).
الأحناف: ذهبوا إلى أنَّ النيّة شرطٌ من شروط صحّة الصلاة، والنيّة محلّها القلب، ويُسنُّ التلفّظ بها باللسان، والأولى الجمع بينهما.
الحنابلة: اتّفقوا مع الأحناف في كَوْن النيّة شرطٌ لصحةِ الصلاة.
فذهب الحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعيَّة إلى أنَّها شَرْط، وقالوا: لأنَّها قُرْبَة محضَة؛ فاشتُرِطت لها النيةُ، كالصوم.
قال ابنُ المنذِر: "أجمع
كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ الصلاةَ لا تُجزئ إلَّا بالنية"(الأوسط
3/211).
وقال ابنُ قُدامة:"ولا
نعلم خلافًا بين الأمَّة في وجوب النية للصلاة، وأنَّ الصلاة لا تنعقد إلَّا
بها"(المغني1/336).
قال ابنُ جزي:"الفصل الأول" في النيَّة، وهي واجبةٌ في الصَّلاةِ إجماعًا"(القوانين الفقهيةص: 42).
المالكية: النيّة فرضٌ من فروض الصلاة. الشافعية: إنَّ النيّة ركنٌ من أركان الصلاة، وهي واجبةٌ في أوّلِ الصلاة.
وذهب المالكيَّة والشافعيَّة على الصَّحيح من المذهب إلى أنها ركن، وقالوا: لأنها واجبةٌ في بعض الصلاة، وهو أوَّل الصلاة، فكانت ركنًا.
قال النَّوويُّ:"فالنيَّة فَرْض، لا تصحُّ
الصلاةُ إلا بها، ونقل ابن المنذِر في كتابه: الإشراف، وكتاب: الإجماع، والشيخ أبو
حامد الإسفراييني، والقاضي أبو الطيب، وصاحب الشامل، ومحمد بن يحيى، وآخرون:
إجماعَ العلماء على أنَّ الصلاة لا تصحُّ إلَّا بالنية"(المجموع 3/276).
كيف تكون
النية للصلاة؟
اتّفق الفقهاء على ثلاثة شروطٍ للنيّة وهي:
الإسلام، والتمييز، والجزم، ووضّحَ الفقهاء كيفيّة النيّة في الصلاة المفروضة على
ما يأتي:
الأحناف: تكون النيّة باستحضارها في القلب
ومعرفة الصلاة التي يُصلّيها المسلم، والأفضل تعيين الوقت الذي يَنوي فيه صلاته،
كأن ينَوي المسلم في قلبه صلاة ظهر هذا اليوم، ويلزم تعيين الوقت في النيّة لكلِّ
من فاته وقت الصلاة، والنيّة شرطٌ في صحّةِ الصلاة سواء كانت فرضاً، أو جنازة، أو
نَذر.
المالكية والحنابلة: ورد عن المالكية والحنابلة أنّه يلزم تعيين نيّة الوقت عند كلِّ صلاة، وذلك لتمييزها عن صلاة الفرض أو النّفل، ولا تصحُّ الصلاة دون تعيينها.
الشافعية: ذهب الشافعية إلى شروطٍ أخرى لصحّة نيّة الصلاة، وهي لُزوم تحديد نوعِ الصلاة من فرضٍ أو غيره، ويَلزم عند النيّة أيضاً قصْدُ فعل الصلاةٍ باستحضارِ أركانها وأفعالها، ويَلزم تعيينُ الصلاةِ التي تُصلّى كظهرٍ أو عصرٍ أو غيره، ويجب أن تكون النيّة مقترنةً مع تكبيرة الإحرام، فيُكبّر المصلّي فَورَ نيّته.
واتّفق أهلُ العلم أن النيّة لا تصحُّ بعد تكبيرة الإحرام، وتصحُّ الصلاة عند بعض الفقهاء لو نوى العبد للصلاة ثمّ قبل البدء انشغل بأمرٍ ما، بشرطَ عدم نيّته لنقض الصلاة.
وقال ابن تيمية -رحمه
الله- إنَّ النيّة محلّها القلب، والتلفّظ بها زيادة على صفة الصلاة، وقال -رحمه
الله:"النية تتبع العلم، فمن علم ما أراد فعله فقد نواه". وذهب جمهور أهل العلم أن التلفظ بالنية باللسان
حُكمها الشرعي سُنّة، ويُستحبُّ فعله لِمَا فيه من موافقةٍ للسان على القلب.
النية في صلاة
الجماعة
وتختلف صفة النيّة من صلاةٍ لأخرى، إذ يكفي في صلاة الجماعة، أن يَنوي المأموم الجماعة والاقتداء بإمامه على مذهب الشافعية والحنابلة، وذهب المالكية إلى وجوب نيّة الإمامَة في صلاة الجمعة، والجنازة، والخوف، والاستخلاف، والجَمع، ولا تصحُّ صلاةُ العبدِ إلاّ بها،
واشترط الإمام أبو حنيفة نيّة الإمام إذا دخلت النساء في إمامته. وتصحُّ الصلاة لو نواها العبد أداءً وكانت قضاءً، والنيّة واجبةٌ في جَمع التقديم عند جمهور الشافعية، ولا تلزم عند الحنابلة، مستدلّين بفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، حيث لم يأمر أصحابه بالنيّة.
النيّة لصلاة النافلة:" قسّم جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة النوافل إلى:
نوافل مقيّدة: وهي كالسّنن الرّاتبة، وصلاة الوتر، والاستسقاء، والكسوف، وعدّ الشافعية والحنابلة صلاة التراويح من النوافل المقيّدة خلافاً للمالكية.
والقسم الثاني النوافل المُطلقة:
وهي النوافل التي لا تحتاج إلى نيّةٍ لتحديدها، فالصلاة التي تكون في اللّيل هي
قيام الليل، والتي تكون أوّلُ النهار هي صلاة الضحى، والصلاة عند دخول المسجد هي
تحية المسجد. وقد ذهبوا إلى لزوم النيّة في النوافل المقيّدة، وعدم لزومها في
النوافل المُطلقة، وذهب الأحناف إلى عدم لزوم النيّة في جميع النوافل.
وقت النية في الصلاة :"
ورد عن جمهور الفقهاء أنّه يجوز
تقدُّم النيّة على تكبيرة الإحرام بوقتٍ قليل، وقد اشترط كلٌّ من الأحناف
والحنابلة عدم القطع بين النيّة والتكبير بفعل أيّ أمرٍ من الأمور، وخالفهم
الشافعية في ذلك، حيث اشترطوا مقارنة النيّة لتكبيرة الإحرام.
وذهب الأحناف إلى جواز نيّة
العبد للصلاة، ثمّ الوضوء والذهاب للمسجد والتكبير للصّلاة دون ستحضار النيّة،
لأنّه قام بأفعالٍ مرتبطة بالصلاة، أمّا لو نوى الصلاة ثمّ أكل أو شرب وغير ذلك من
الأفعال، فلا يصحّ أن يكبّر دون تجديد النيّة، ولا تصحّ النيّة بعد تكبيرة
الإحرام.
تغيير النية في الصلاة
جمهور الفقهاء على أن تغيير النية في الصلاة , ونقلها من فرض إلى آخر
, أو من فرض إلى نفل عالماً عامداً من غير عذر يبطل الصلاة التي عقدت عليها النية أولا
،
ولكن حكم الصلاة التي تم تحويل النية إليها فيه تفصيل :
فالحنفية يرون عدم تأثير تغيير النية على الصلاة ، فإذا تغيرت النية لا تتغير الصلاة الأولى وتبقي كما هي ، إلا إذا كبر المصلي محرما بصلاة أخرى فتبطل الأولى .
و المالكية : نقل النية سهوا من فرض إلى فرض آخر أو إلى نفل سهوا
, دون طول قراءة ولا ركوع , مغتفر . قال ابن فرحون من المالكية : إن المصلي إن حول
نيته من فرض إلى نفل , فإن قصد بتحويل نيته رفع الفريضة ورفضها بطلت ـ أي بطلت الفريضة
وصارت نفلا ـ, وإن لم يقصد رفضها لم تكن نيته الثانية منافية للأولى . لأن النفل مطلوب
للشارع , ومطلق الطلب موجود في الواجب , فتصير نية النفل مؤكدة لا مخصصة .
وعند الشافعية : لو قلب المصلي صلاته التي هو فيها صلاة أخرى عالماً عامداً بطلت , فإن كان له عذر صحت صلاته , وانقلبت نفلاً . وذلك كظنه دخول الوقت , فأحرم بالفرض
, ثم تبين له عدم دخول الوقت فقلب صلاته نفلا , أو قلب صلاته المنفردة نفلاً ليدرك جماعة
. لكن لو قلبها نفلاً معيناً كركعتي الضحى لم تصح . أما إذا حول نيته بلا سبب أو غرض
صحيح فالأظهر عندهم بطلان الصلاة .
وعند الحنابلة : أن بطلان الصلاة
مقيد بما إذا حول نيته من فرض إلى فرض , وتنقلب في هذه الحال نفلا . وإن انتقل من فرض
إلى نفل فلا تبطل , لكن تكره , إلا إن كان الانتقال لغرض صحيح فلا تكره , وفي رواية
: أنها لا تصح , كمن أدرك جماعة مشروعة وهو منفرد , فسلم من ركعتين ليدركها , فإنه
يسن له أن يقلبها نفلاً , وأن يسلم من ركعتين , لأن نية الفرض تضمنت نية النفل , فإذا
قطع نية الفرض بقيت نية النفل .
ومن هذا التفصيل يتبين اتفاق الفقهاء على أن تحويل نية الصلاة من نفل
إلى فرض لا أثر له في نقلها , وتظل نفلا , وذلك لأن فيه بناء القوي على الضعيف , وهو
غير صحيح . (انتهى).
والخلاصة : أنه لا يجوز تغير نية الفرض إلى فرض آخر ، ولا النفل إلى فرض باتفاق ،
ولكن يجوز تغيير نية الفرض إلى نفل ونية النفل إلى نفل آخر إذا وجد عذر باتفاق ، وإن لم يوجد عذر عند البعض .
وإذا تم تغيير نية الفرض إلى فرض آخر أو النفل إلى فرض
فتبطل الصلاة من أصلها عند البعض ، وتنقلب نفلا عند البعض .
المراجع
ينظر:البحر الرائق لابن نجيم وحاشية ابن عابدين والكافيلابن عبد البرِّوحاشية الصاوي على الشرح الصغيروروضة الطالبين – والمجموع للنووي ونهاية المحتاج للرملي والمبدع لبرهان الدين ابن مفلح وكشاف القناع)) للبهوتي و عمدة القاري للعيني والفقه علي المذاهب الأربعة الموسوغة الفقهية الكويتية..الخ.