
صلوا كمارأيتموني أصلي الركن السادس
الرفع من الركوع والاعتدال قائمًا مع الطمأنينة
الصَّلاة عِبادةٌ توقيفيَّةٌ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أركانَها، وكيفيَّاتِها، وآدابَها، ومِن ذلك أنْ يُؤْتَى بكلِّ رُكْنٍ فيها على الوجْهِ الأكمَلِ له.
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المُسيء صلاته، وفيه: "ثمّ ارفعْ حتى تعدلَ قائمًا" (متفق عليه).
وفي رواية :"ثم ارفع حتي تستوي قائماً"(متفق عليه).
ويقول ابوحميد في صفة صلاة
النبي صلي الله عليه وسلم :" أنَّهُ كانَ جَالِسًا مع نَفَرٍ مِن أصْحَابِ
النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرْنَا صَلَاةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ، فَقَالَ أبو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أنَا كُنْتُ أحْفَظَكُمْ
لِصَلَاةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ
جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وإذَا رَكَعَ أمْكَنَ يَدَيْهِ مِن
رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حتَّى
يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وضَعَ يَدَيْهِ غيرَ مُفْتَرِشٍ
ولَا قَابِضِهِمَا، واسْتَقْبَلَ بأَطْرَافِ أصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ،
فَإِذَا جَلَسَ في الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ علَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، ونَصَبَ
اليُمْنَى، وإذَا جَلَسَ في الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى،
ونَصَبَ الأُخْرَى وقَعَدَ علَى مَقْعَدَتِهِ"(البخاري ).
وفي رواية :"وإذا رفع رأسه
استوي قائماً حتي يعود كل فقار إلي مكانه"(البخاري ومسلم).
وقالت عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم :"فكان إذار فع رأسه من الركوع لم يسجد حتي يستوي قائماً"(مسلم).
وعن أبي هريرة قال قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم :" لاينظر الله إلي صلاة رجل لايقيم صلبه بين ركوعه
وسجوده"(أحمد قال المنذري إسناده جيد),
وفي رواية:"لا ينظرُ اللهُ
يومَ القيامةِ إلى العبدِ لا يُقِيمُ صُلبَه بين ركوعِه وسجودِه"(العراقي
صحيح) .
و عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو قتادة، قال أبو حميد: أنا أَعلمُكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالوا: فَلِمَ؟ فوالله ما كنتَ بأكثرنا له تبعا ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فاعْرِض، قال: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ ، ثم يُكبِّر حتى يَقِرَّ كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم يقرأ، ثم يكبِّر فيرفع يديه حتى يُحاذي بهما مَنْكبيه، ثم يركع ويضع رَاحَتَيْهِ على رُكبتيه، ثم يعتدل فلا يَصُبُّ رأسه ولا يُقْنِعُ ، ثم يرفع رأسه، فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يُحاذي بهما منكبيه معتدلا، ثم يقول: الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيُجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويَثْني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ويسجد ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه ويَثْني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد مُتَوَرِّكًا على شقه الأيسر، قالوا: صدقت هكذا كان يصلي -صلى الله عليه وسلم-.
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَرقُبونَ حرَكاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسكَناتِه؛ حرصًا منهم رَضيَ اللهُ عنهم على اتِّباعِ هَديِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ شَيءٍ، ونَقلِه لِمَن بعْدَهم.
وفي هذا الحديثِ يَنقُلُ أبو حُمَيدٍ السَّاعديُّ رَضيَ اللهُ عنه صِفةَ صَلاةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيقولُ لجَماعةٍ مِن أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهُم يَتذاكَرون سُنَّةَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنا كنتُ أحفَظَكم لصَلاةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقيل له -كما في روايةِ أبي داودَ-: فلِمَ؟ فواللهِ ما كنتَ بأكثَرِنا له تَبَعًا، ولا أقدَمَنا له صُحبةً! قال: رقَبْتُ ذلك منه حتَّى حفِظْتُ صَلاتَه، يَقصدُ: إنَّه وإن لم يكُنْ أكثرَ صُحبةً لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّه عوَّضَ ذلك بمُراقبةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى حَفِظ صلاتَه، ثمَّ أخَذ يُحدِّثُ بصِفةِ صَلاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُخبِرُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في وقتِ تكبيرِه للإحرامِ يرفَعُ يدَيْهِ حِذاءَ مَنْكِبَيه، والمَنْكِبُ: هو رأسُ الكَتفِ المُشرِفُ منه، وفي أثناءِ الرُّكوعِ يُمكِّنُ يدَيْه مِن رُكبتَيْه، ثمَّ يَهصِرُ ظَهرَه، يعني: يُميلُه في استواءٍ مِن رَقبتِه مِن غيرِ تقويسٍ، فإذا رفَع رأسَه مِن الرُّكوعِ استوى حتَّى يَعودَ كلُّ فَقَارٍ مكانَه، والفَقَارُ جمعُ: فَقارةٍ، وهي عظامُ الظَّهرِ، والمقصودُ: أنَّه يعتدلُ مِن الرُّكوعِ حتَّى يطمئِنَّ واقفًا، وإذا سجَد وضَع يدَيْه على الأرضِ غيرَ مُفترِشٍ ساعِدَيْه، وهو أن يَمُدَّهما كالسَّبُعِ وغيرِه، وغيرَ حاملٍ بطنَه على شَيءٍ مِن فخِذَيْه، ولا قابضِهما، يعني: ولا قابضٍ يدَيْه، وهو أنْ يضُمَّهما إليه فيَضَعَهما تحتَ بطنِه، ويُوَجِّهُ أصابِعَ رِجْلَيهِ نحوَ القِبلةِ. ثمَّ يذكُرُ صفةَ قُعودِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ السَّجدتَينِ، وهي أنْ يَنصِبَ رِجْلَه اليُمنى ويَثْنيَ اليُسرى ويَقعُدَ عليها، وهي الجلسةُ المُسمَّاةُ بالافتِراشِ، أمَّا في جُلوسِه للتَّشهُّدِ الأخيرِ فإنَّه يُقدِّمُ رِجلَه اليُسرى ويَنصِبُ اليُمنى، ويَقعُدُ على مَقعَدتِه، وهي الجلسةُ المُسمَّاةُ بالتَّوَرُّكِ.وفي الحديثِ: الحثُّ على مُدارَسةِ العِلمِ ومُراجَعتِه، والتَّثبُّتِ منه عندَ أهلِه. وفيه: مشروعيَّةُ وصْفِ الرجُلِ نفْسَه بكَوْنِه أعلَمَ مِن غَيرِه أذا أَمِن الإعجابَ، وأراد بيانَ ذلك عندَ غَيرِه مِمَّن سَمِعه.وفيه: بيانُ صِفَةِ صَلاةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واطمئنانِه واعتدالِه فيها.
وعن عليُّ بنُ شَيبانَ رضِيَ اللهُ عنه-:"خرَجنا حتى قدِمنا على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فبايَعناهُ وصلَّينا خلفَهُ ، فلَمحَ بمؤخَّرِ عينِهِ رجلًا ، لا يقيمُ صلاتَهُ ، - يعني صلبَهُ - في الرُّكوعِ والسُّجودِ ، فلمَّا قضى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الصَّلاةَ ، قالَ : يا معشرَ المسلِمينَ لا صلاةَ لمن لا يقيمُ صلبَهُ في الرُّكوعِ والسُّجودِ"(صحيح ابن ماجه).
وفي هذا الحديثِ يقولُ عليُّ
بنُ شَيبانَ رضِيَ اللهُ عنه- وكان أحدَ الوفْدِ الَّذين وَفَدُوا على رسولِ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن اليَمامةِ- : "خرَجْنا حتَّى قدِمْنا على رسولِ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فبايَعْناه"، أي: عاهَدْناه وأعْطَينا له
المواثيقَ والعُهودَ بالإسلامِ، "وصلَّيْنا خلْفَه، فلمَحَ بمُؤَخَّرِ
عَينِه"، أي: رأى بطرَفِ عينَيْه، "رجُلًا لا يُقِيمُ صلاتَه- يعني:
صُلْبَه- في الرُّكوعِ والسُّجودِ"، أي: لا يُسَوِّي ظهْرَه عندَ الرُّكوعِ
والسُّجودِ، ومِن الأُمورِ الخاصَّةِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: رُؤْيَتُه
للمُصلِّينَ مِن خلْفِه كأنَّه يراهم أمامَه، كما في الصَّحيحَينِ أنَّ النبيَّ
صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "أتِمُّوا الرُّكوعَ والسُّجودَ، فوالَّذي
نفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لَأَراكم مِن بعْدِ ظَهْري إذا ما ركَعْتُم، وإذا ما
سجَدْتُم".
قال: "فلمَّا قضى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلاةَ"، أي: فلمَّا أَنْهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلاتَه، قال:"يا معشَرَ المُسلمينَ، إنَّه لا صلاةَ"، أي لا تجوزُ، ولا تصحُّ، ولا تَكفِي، "لِمَن لا يُقِيمُ صُلْبَه في الرُّكوع والسُّجودِ"، أي: لِمَن لا يُسَوِّي ظهْرَه في الرُّكوعِ والسُّجودِ؛
فيَنبغي الحرصُ على إقامةِ ظهْرِه ما استطاعَ في صلاتِه؛ لتَسْلَمَ له صلاتُه؛ لأنَّ عدَمَ إقامةِ الظَّهْرِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ نقْصٌ في الصَّلاةِ، وسَرِقةٌ منها، والمرادُ: إتمامُ الرُّكوعِ والسجودِ في طُمأنينةٍ لا يُستعجَلُ فيهما؛
فقد ورَدَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ أسوَأَ النَّاسِ سَرِقةً الَّذي يسرِقُ مِن صلاتِه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يسرِقُ مِن صلاتِه؟ قال: "لا يُتِمُّ رُكوعَها وسُجودَها"(أحمدَ).
وقدْ بيَّن النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كيفيَّةَ إقامةِ الصُّلبِ بفعْلِه، حيثُ كان-كما في سُننِ ابنِ
ماجَهْ-"إذا ركَعَ سوَّى ظهْرَه، حتَّى لو صُبَّ عليه الماءُ
لَاسْتَقَرَّ"..