
كن في الدنيا
كأنك غريب أو عابر سبيل

قال تعالى:"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"
(آل عمران).
وقال تعالي:"وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا"
(القصص/77).
ويقول صلي الله عليه وسلم:" لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللَّهِ جناحَ بعوضةٍ ما
سقى
كافرًا منها شربةَ ماءٍ"(الترمذي).
الدُّنيا هيِّنةٌ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ وضَئيلةٌ، ولا تَعدِلُ عند اللهِ تعالى مِثقالَ ذرَّةٍ
ولا تُساوِي شَيئًا، وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لو
كانتِ الدُّنيا تَعدِلُ عند اللهِ"، أي: تُساوي أو تزِنُ عند اللهِ عزَّ وجلَّ، "جَناحَ
بَعوضةٍ"، أي: جَناحَ ذُبابةٍ؛ مثلًا للقِلَّة والصِّغَرِ والحَقارةِ والدَّناءةِ، "ما
سقَى كافِرًا منها شَرْبةَ ماءٍ"، أي: جزاءً له وعِقابًا على كُفرِه؛ فالمقصودُ:
أنَّ الدُّنيا عند اللهِ هيِّنةٌ دَنيئةٌ وحَقيرةٌ، ولا تُساوي عند اللهِ أيَّ شيءٍ، ولا
تُساوي حتَّى جَناحَ ذُبابةٍ، ولو كانتْ تُساوي عند اللهِ أيَّ شيءٍ ما رزَق
الكافِرَ فيها شيئًا، ولا حتَّى سقاه شَربةً مِن ماءٍ؛ لأنَّه لا يَستَحِقُّ شَربةَ
الماءِ هذه، فهو قد كفَر بمَن يَرزُقُه ويُطعِمُه ويَسْقيه، ولأنَّها لا تُساوي عند
اللهِ أيَّ شيءٍ فقدْ رزَق العِبادَ كلَّهم؛ مؤمِنَهم وكافِرَهم، وأطعمَهم وسقاهم،
وأخَّر حِسابَهم يومَ القيامةِ. وقيل: إنَّ الدُّنيا لِحقارتِها عند اللهِ لم يُعطِها
لأوليائِه، وقد ورَد أنَّه سبحانه "يَحْمي عبدَه المؤمِنَ عن الدُّنيا كما يَحْمِي
أحدُكم المريضَ عن الماءِ".
"كن
في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"(البخاري).
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابن
عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء،
وخذ
من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"(أحمد والترمذي).
ويقول صلي الله عليه وسولم "مالي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب
استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها"(أحمد والترمذي)
وقال صلى الله عليه وسلم: " أبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر
أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان
قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم " (متفق عليه)،
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم
فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء "(مسلم)،
وهذا تحذير آخر من نبي الرحمة والهدى لأمته من الركون إلى الدنيا أو
الاستئناس بها، والانخراط في سلك اللاهين المحبين لها ولزخرفها
وزينتها، والحذر كل الحذر من الانجراف وراء مغريات الحياة الزائفة.
فكم ضاع بسبب حب الدنيا والاغترار بها من حقوق، وكم قطعت أرحام ،
وكم قامت حروب قضت على الأخضر واليابس، وكم وكم مع أن الله تعالى
ينادي:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم
بِاللَّهِ الْغَرُورُ "(فاطر:5)،
ولأن الدنيا أصبحت هي الشغل الشاغل الذي ملأ قلوب كثير من الناس اليوم،
فقد انتشرت بينهم أمراض القلوب من حسد، وحقد وكذب، وبغضاء،
وشحناء، وغيرها من الأمراض التي سادت بين أولئك الناس.
لقد أنسى كثيراً من الناس حب الدنيا والتشاغل بها طاعة الله عز وجل
والخوف منه، ألا يعقل أولئك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما لي
وللدنيا؟ ما أنا إلا كراكب، استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وتركها؟ "
(الترمذي، وهو حسن صحيح)،
وقال صلى الله عليه وسلم: " ليس الغنى من كثرة العرض ولكن الغنى غنى
النفس" (متفق عليه)،
إنما الدنيا لأربعة نفر
روى الترمذي عن أَبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ:"ثَلاَثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ
مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلاَ
فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلاَّ
فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا".
وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ:"إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا
وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا
بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ
يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ
رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ
رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ
لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ
فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ"... ( الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
هذا التقسيم لأحوال الناس في الدنيا من أبدع التقسيمات التي لا يخرج عنها
البشر أبدًا.. قسم هو أفضل المنازل، وقسم آخر أخبث المنازل، والثاني
والرابع تبع لهما.
والذي رفع الرجل الأول وحط الرجل الثالث هو «العلم»، فالأول غني ثري،
هداه علمه لمراعاة الله تعالى في ماله، والثالث كان جهله قائدًا له إلى
هلكة ماله في الباطل، والثاني نجا بالعلم، والرابع هلك بالجهل، وفي هذا
إشارة إلى فضل العلم على المال.
ولا يشترط للمرء الغني أن يكون عالمًا، بل يمكن أن يتعلق بعالم إن كان لا
يعلم، فالمال لا يمدح وحده دون علم، قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا
حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل
آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"(النسائي).
ففي الحديث قيد فضل الغني بإنفاقه المال في "الحق" وهذا يستلزم علمًا
وبصيرة بما يرضي الله تعالى في الإنفاق في الحق، فبالعلم وحده يفرق
المرء بين الحق والباطل.
قال أبو مسلم الخولاني:"مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء،
إذا بدت للناس اهتدوا
بها، وإذا خفيت عليهم تحيروا".
ولما حضرت أبي الإمام البخاري الوفاة، وقد كان تاجرًا، قال له: يا بني
تركت لك ألف ألف، ما أعلم فيها شبهة.. فقال هذا لأنه كان مصاحبًا
للعلماء، فانتفع بهم في التمييز بين الحلال الحرام، لذلك لما ترجم البخاري
لوالده، قال: (رأى حماد بن زيد، وصافح ابن المبارك بكلتا
يديه).
وقد قالوا عن حماد بن زيد: لو قيل له القيامة غدًا، ما قدر أن يزيد في
عمله شيئًا.
وكفى بالعلم شرفًا، علو الذكر في الدنيا والآخرة، وطيب الثناء عبر
القرون، فالتاريخ لم يذكر لنا أسماء الأغنياء في زمان مالك أو الشافعي أو
البخاري أو الترمذي.. وإنما ذكر لنا الأفذاذ، الذين نترضى عنهم صباح
مساء.
وخص في الرجل الأول "صلة الرحم" لعظم قدرها، فخصص بعد عموم..
قال - صلى الله عليه وسلم-:"أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم
الكاشح"(صحيح).
أما الرجل الثاني فهو"صادق النية" كما وصفه - صلى الله عليه وسلم -،
والنية عبادة مستقلة لا تفتقر لغيرها من العبادات، أما سائر العبادات
فتفتقر إلى النية، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:"إنما الأعمال بالنيات،
وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى
الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته
إلى ما هاجر إليه"(البخاري ومسلم). أي: لا عمل إلا بنية.
فقوله - صلى الله عليه وسلم -:"فهجرته إلى الله ورسوله" تكرار للتوكيد
ولإعلاء شأن حسن القصد.
وقوله: "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها"تخصيص بعد
تعميم، لأن المرأة من الدنيا، لكنه خص ذكر المرأة لعظم الفتنة بها، وقد
قال - صلى الله عليه وسلم -:"ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال
من النساء"( مسلم).
"ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها"لا يستشكل في هذا قصة
زواج أم سليم، وخبرها أنه لما مات زوج أم سليم رضي الله عنها، جاءها
أبو طلحة الأنصاري خاطبًا فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلك
يرد، ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك. فقال: ما
ذاك دهرك! (ما هذه عادتك)، قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء "الذهب"
والبيضاء (الفضة)، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك
الإسلام، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، قال: فمن لي بذلك؟ قالت:
لك بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانطلق أبو طلحة يريد النبي
-صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في
أصحابه، فلما رآه قال: "جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه"، فأخبر
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك.
قال ثابت البناني، راوي القصة عن أنس: فما بلغنا أن مهرًا كان أعظم منه
أنها رضيت الإسلام مهرًا.
قال العلماء: إذا تزاحمت نيتان فأولاهما أسبقهما، وإنما سبقت نية أبو
طلحة للإسلام نيته للزواج، بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه".
وقوله :"فهجرته إلى ما هاجر إليه"ولم يخصص أو يعين إمعانا في التحقير
والازدراء، كما قال تعالى:"قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ"(يوسف:75). أي افعلوا به ما يستحقه، وهذا أبلغ
في العقوبة.
وكقوله تعالى:"وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا
وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ
وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"(النساء/109). ولا شك أن
من وقع أجره على الله: أن الله يرزقه الرزق الحسن كما لا
يخفى.
قال أبو حيان: "وهذه مبالغة في ثبوت الأجر ولزومه، ووصول الثواب إليه
فضلًا من الله وتكريمًا،
وعبر عن ذلك بالوقوع مبالغة".(البحر المحيط).
وقلما قام غني بحق المال، فلا يقوم بحق المال إلا أفذاذ الرجال، ولذلك
تنازع العلماء أيهم أفضل، الفقير الصابر أم الغني الشاكر، والكثير منهم
على أن الغني الشاكر أفضل، لأن صبر الفقير اضطراري، وشكر الغني
اختياري وهو قليل.
وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالسوق والناس عن جانبيه فمر بجدي
أسك (صغير الأذن) ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: " أيكم يحب أن
يكون هذا له بدرهم؟ " قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم
قال: " أتحبون أنه لكم؟ " قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً، إنه أسك
فكيف وهو ميت؟! فقال: " فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم "
(مسلم).
هذه هي حقيقة الدنيا التي تهافت الناس عليها وتنافسوا وتصارعوا من
أجلها، وأشربت نفوسهم حبها
والركون إليها.
أصبح الكثير من الناس لا يحب ولا يكره إلا من أجل الدنيا، مع أن الأصل
أن يكون الولاء البراء لله
وفي الله، وهذا الانشغال بالدنيا
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم تفاهة الدنيا وحقارتها فقال صلى الله
عليه وسلم: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً
ومتعلماً "(الترمذي)،
فهذه هي حقيقة الدنيا التي يطلبها ويخطب ودها كثير من الناس كما
وصفها النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي مبغوضة، ساقطة لا تساوي ولا
تعدل عند الله جناح بعوضة، وكم يساوي جناح البعوضة في موازين
الناس؟ قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ
بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ
فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "(الحديد:20)،
يحذر المولى عز وجل عباده من الانجراف في مزالق الحياة الغادرة، أو
اتخاذها وطناً وسكناً ، ويبين أنها غادرة ماكرة ما لجأ إليها أحد أو رجاها
من دون الله إلا خذلته، وتخلت عنه؛ فهي حقيرة عند الله عز وجل كحقارة
الميتة عند الناس،
لقد أنسى كثيرا من الناس حب الدنيا والتشاغل بها طاعة الله عز وجل
والخوف منه، ألا يعقل أولئك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما لي
وللدنيا؟ ما أنا إلا كراكب، استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وتركها؟"
(الترمذي)،
وقال صلى الله عليه وسلم: " ليس الغنى من كثرة العرض ولكن الغنى غنى
النفس" (متفق عليه)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " لتؤدنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد
للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء " (مسلم)،
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته " ثم
قرأ: وكذلك أخذ ربك القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "(هود:102) (متفق عليه)
فلنتق الله عباد الله، ولنعلم أننا ما خلقنا وما وجدنا على هذه البسيطة إلا
لعبادة الواحد الديان الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن كل
شيء، وعلينا أن نتسابق ونتسارع إلى جنة الخلد وملك لا يبلى، جنة
عرضها كعرض السموات والأرض، أعدها الله للمتقين الذين آمنوا بالله
ورسله، قال صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ
المنزل، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة "(الترمذي)، فأين
المشمرون؟ وأين المشترون؟ وأين المتقون؟.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا
عيش إلا عيش الآخرة " (متفق عليه)،
وقال صلى الله عليه وسلم:" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"(مسلم).،
ودونك يا من أحببت الدنيا وزينتها، وركنت إليها، وقاتلت من أجلها،
واهتممت بالمناصب والشياخة، والكراسي والرياسة، أقول: دونك هذا
الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في
النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟
فيقول لا الله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة،
فيصبغ في الجنة، فيقال له: يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة
قط؟ فيقول: لا الله ما مر
بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط "(مسلم).
فيا بشرى من اشترى الآخرة بالدنيا، ويا حسرة من اشترى الدنيا بالآخرة..
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم