
حكم قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة
مذهب المالكية وادلتهم
مذهب الشافعية والحنابلة وادلتهم
مذهب الحنفية وأدلتهم
القول الراجح
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فقد اختلف في قراء الفاتحة للمأموم خلف إمامه في صلاة الجماعة علي ثلاثة أقوال :"
أولاً:" مذهب المالكية:" يتعين قراءتها خلف الإمام في الصلاة السرية، ويتعين الإنصات والاستماع في الجهرية،
فمذهب مالك وجوب قراءة المأموم للفاتحة خلف إمامه في الصلاة السرية، أما في الصلاة الجهرية فالواجب عليه الإنصات والاستماع إلى قراءة الإمام؛ لقوله تعالى:"وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"(الأعراف:204)، فصيغة الأمر تفيد الوجوب،
فيجب على المأموم في الصلاة الجهرية الاستماع إلى قراءة إمامه، وعدم الانشغال بقراءة شيء من القرآن. قال ابن العربي: "والصحيح عندي وجوب قراءتها فيما يُسِرُّ، وتحريمها فيما جهر، إذا سمع قراءة الإمام، لما عليه من فرض الإنصات له، والاستماع لقراءته؛ فإن كان عنه في مقام بعيد، فهو بمنزلة صلاة السر؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءتها عامٌّ في كل صلاة وحالة، وخُصَّ من ذلك حالة الجهر بوجوب فرض الإنصات، وبقي العموم في غير ذلك على ظاهره".
ثانياً:" مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد وجوب قراءة المأموم للفاتحة خلف الإمام.
وأدلتهم :"
قوله صلي الله عليه وسلم :" مَن صَلَّى
صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ فَهي خِداجٌ ثَلاثًا غَيْرُ تَمامٍ. فقِيلَ
لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا نَكُونُ وراءَ الإمامِ؟ فقالَ: اقْرَأْ بها في نَفْسِكَ؛
فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: قالَ اللَّهُ تَعالَى:
قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا
قالَ العَبْدُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ"، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي
عَبْدِي، وإذا قالَ: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ
عَبْدِي، وإذا قالَ:"مالِكِ يَومِ الدِّينِ"، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً
فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ:"إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ" قالَ:
هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: "اهْدِنا الصِّراطَ
المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ"
قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ"(مسلم).
الصَّلاةُ
عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، وقد عَلَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أركانَها وكَيفيَّتَها،
وهَيئَتَها، وكُلَّ ما يَتعلَّقُ بها قَولًا وفِعلًا.
وفي هذا
الحَديثِ يَروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أن النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
أخبَرَ أنَّ مَن صلَّى صَلاةً لم يَقرَأ فيها بأمِّ القُرآنِ -وهي فاتِحةُ الكِتابِ-
فهي صَلاةٌ "خِدَاجٌ"، أي: ناقِصةٌ غيرُ تامةٍ، وكرَّر ذلك ثَلاثَ مرَّاتٍ؛
تأكيدًا على أهَمِّيَّتِها، فقِراءةُ الفاتحةِ للإمامِ والمنفردِ رُكنٌ من أركانِ الصَّلاةِ،
فسَأل بَعضُ الحاضِرين أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه فقال:"إنَّا نكونُ وَراءَ
الإمامِ"؛ فكيف تكونُ القراءةُ؟ فأجابَه أبو هُرَيرَة رَضيَ اللهُ عنه: "اقرَأْ
بها في نفْسِك" سِرًّا دونَ رفعِ الصَّوتِ ودونَ إسماعِ غيرِك بها؛ ثم أخبَرَ
أنَّه سَمِع رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:"قال اللهُ تَعالَى في الحديثِ
القُدسيِّ: "قسَمتُ الصَّلاةَ" أي: سُورةَ الفاتحةِ، وسُمِّيت صلاةً؛ لأنَّ الصَّلاةَ
لا تَصِحُّ إلَّا بها، "بيْني وبيْن عَبْدي نِصفينِ"، لي نِصفُها، وله نِصفُها، فنِصفُها
الأوَّلُ: حمدٌ وثَناءٌ علَيَّ، أجزيه عليه خيرَ الجزاءِ، ونصفُها الثَّاني: تَضرُّعٌ
ودُعاءٌ، أستجيبُ له وأُعطيه ما سَألَ؛ فإذا قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"،
قال اللهُ:"حَمِدني عَبْدي"والإخبارُ بذلك دَليلُ قَبولِه تَعالَى لتَحميدِ عَبدِه
إيَّاه، والظاهرُ أنَّه يقولُ هذا لمَلائكتِه؛ تَنويهًا بشَأنِ العبدِ، وإذا قال:"الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، قال الله:"أثْنى علَيَّ عَبْدي" حيث اعتَرَف لي بعُمومِ
الإنعامِ على خَلقي، والثَّناءُ: المدحُ، وإذا قال:"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"، قال
اللهُ: مجَّدَني عَبدي، من المَجدِ، وهو الشَّرَفُ الواسعُ، وهو أبلَغُ من الحَمدِ
والثَّناءِ، فإذا قال: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"، قال اللهُ: "هذا
بيْني وبيْن عَبْدي"؛ فالنِّصفُ الأوَّلُ اعتِرافٌ بالأُلوهيَّةِ، واستِجابةٌ بالعِبادةِ،
والنِّصفُ الثَّاني: دُعاءٌ بالاستعانةِ،"ولعَبْدي ما سَأَل" من الاسِتعانةِ، فإذا
قال:"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ"، قال الله: "هذا لِعَبْدِي" أي:
هذا تضرُّعٌ ودُعاءٌ من عَبدي،"ولعَبْدي ما سَألَ" وقد أجبتُ دُعاءَه.
ثالثاً مذهب الحنفية:" لا تقرأ الفاتحة خلف الإمام لا في الصلاة السرية ولا في الجهرية، لأن قراءتها واجبة علي العموم .
فمذهب الأحناف أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام، سرية كانت الصلاة أو جهرية، جاء في فتح القدير وهو من كتب الأحناف: قال محمد: لا قراءة خلف الإمام فيما جهر وفيما لم يجهر فيه، بذلك جاءت عامة الأخبار، وهو قول أبي حنيفة . اهـ.وجاء في مجمع الأنهر وهو من كتبهم أيضا: ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام في السرية والجهرية، بل يستمع وينصت، من الإنصات بمعنى السكوت، خلافا للشافعي. ثم استدل على ذلك فقال: ولنا قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204 ]. وقوله صلى الله عليه وسلم: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة. وردُّوا الاستدلال بحديث: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن. فقالوا: يحمل على غير حال الاقتداء جمعا بين الأدلة، بل يقال القراءة ثابتة من المقتدي شرعا، فإن قراءة الإمام له قراءة، فلو قرأ لكان له قراءتان في صلاة واحدة وهو غير مشروع. اهـ من فتح القدير.فهذه بعض أدلة الأحناف في هذه المسألة، ويطول عرض ردود الآخرين عليهم.والراجح أن المأموم يقرأ في السرية، ولا يقرأ في الجهرية
وعند النَّسائيِّ عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّما جُعِل الإمامُ ليُؤتَمَّ به؛ فإذا كَبَّر فكَبِّروا، وإذا
قَرَأ فأَنصِتُوا".
الخلاصة:"
وعليه؛
فإن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد اتفاقاً.
وأما المأموم
فيجب أن يقرأ الفاتحة عند الشافعية، سواء في الصلاة الجهرية أو السرية، وبه نفتي لأنه
الموافق للأدلة، والأحوط لصحة الصلاة، وخروجاً من خلاف العلماء، وقد كان السلف يقولون:
نعبد الله عبادةً لا يعترض عليها فقيه.
ونصيحتنا
للأئمة أن يتركوا وقتاً يسيراً بعد الفراغ من قراءة الفاتحة ليتمكن المأمومون من قراءتها.
أما من أخذ بمذهب الجمهور بعدم قراءة الفاتحة خلف الإمام فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه. حتي ولو لم يقراءها في السرية خلف الإمام فصلاته صحيحة ..هذا والله اعلم .
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم