
العقوبات الخمس لمن لم يأمن جاره بوائقه
العقوبة الأولي :" نقص الإيمان
العقوبة الثانية:" الحرمان من دخول الجنة
العقوبة الثالثة:"مضاعفة العذاب والعقاب
العقوبة الرابعة :" اللعنة من الله ورسوله والناس أجمعين
العقوبة الخامسة:"لاخير فيه ولايقبل الله منه صرفاً ولاعدلاً
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله
وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ
وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا
فَخُورًا"(النساء/36).
اهتم
الإسلام بالجار وجعل له خصوصية حيث قرن المولي عزوجل الإحسان إلي الجيران بعبادته سبحانه وتعالي
وصلة الأقارب ودرجها وجعلها في سلك واحد ..لما للجار من أهمية في المجتمع يترتب
عليها الأمن والأمان والسلامة والسلام حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
:" ما زالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ"(البخاري). جاءت تَعاليمُ
الإسلامِ تَدْعو إلى ما فيه خَيرُ العِبادِ، والعَمَلِ على تآلُفِهم وتَرابُطِهم، ومِن
ذلك: الأمرُ بالإحسانِ إلى الجارِ.
وفي هذ
الحديثِ أخْبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلام كرَّر
عليه الوصيَّةَ بالجارِ، وهو القَرِيب مِن الدَّارِ، قَريبًا كان أو أجنبيًّا، مُسلمًا
كان أو كافرًا، وذلك بالإحسانِ إليه، ورِعايةِ ذِمَّته، والقِيام بحُقوقِه، ومُوَاساتِه
في حاجتِه، والصَّبرِ على أذاه، ولكثرةِ ما أَوْصَى جِبْرِيلُ عليه السَّلام بالجارِ،
ظنَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ تعالَى سيُشرِكُ الجارَ في مِيراثِ
جارِه، بحيثُ يكونُ الجوارُ أحدَ أسبابِ الإرثِ! أي كأنه سيشاطره ماله إذا توفي؛ يرث
مع أولاده وبناته وإخوته في ماله، وهذا يدل على أن حق الجار حق عظيم، يجب أن ننتبه
إليه، وفي ظل هذه البنود الأحد عشر، أعتقد أن الأمر صعب على كثيرٍ مِنَّا، لأن كل البيوت
تتبادل روائح الطعام.وهذا الحديثُ يتوافَقُ مع قَولِ اللهِ تعالَى:"وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"(النساء: 36).
ولذلك
عندما نطلع ونراجع أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم نجد أنه وضع خمس عقوبات
قاسية للذي لايأمن جاره بوائقه .
العقوبة الأولي :" نقص الإيمان
فالذي لايأمن جاره بوائقه ينقص إيمانه بل قد ينتفي عنه الإيمان بالكلية اذا اشتد الإيذاء للجار يقول صلي الله عليه وسلم:" واللهِ لا يؤمِنُ واللهِ لا يؤمِنُ واللهِ لا يؤمِنُ قالوا وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ قال جارٌ لا يؤمنُ جارُهُ بوائقَهُ قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُهُ قال شرُّهُ"(البخاري).
يُوصينا
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دائمًا بالإحسانِ إلى الجارِ ومُعاملتِه مُعاملةً
طيِّبةً، والبُعدِ عن إيذائِه.
وفي هذا
الحَديثِ يُقسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «واللهِ لا يُؤمِنُ، واللهِ لا
يُؤمِنُ، واللهِ لا يُؤمِنُ»، أي: إيمانًا كاملًا، وكرَّرها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم ثلاثًا للتحذيرِ الشَّديدِ، فسأله الحاضِرون: ومَن الَّذي لا يُؤمِنُ؟ فقال
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:"الَّذي لا يَأمَنُ جارُه بَوايِقَه"، والبوايقُ
والبوائقُ: جمعُ بائقةٍ، وهي الدَّاهيةُ والبَلِيَّةُ، والفَتْكُ والشُّرُور، والظُّلمُ
والجَورُ والتَّعدِّي، والمُرادُ: أنَّ المُؤمِنَ لا يَبلُغُ الإيمانَ الكاملَ حتَّى
يَمنَعَ أذاهُ وضَرَرَهُ عن جارِه.
وفي الحَديثِ: التَّشديدُ في حِفظِ الجارِ مِن الأذَى والضَّررِ.وأنَّ أمانَ الجارِ مِن كَمالِ الإيمانِ، وبُلوغِ أعلى دَرَجاتِه.
وقال صلي
الله عليه وسلم في حديث أخر:" ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ
وهو يعلمُ"(البيهقي).
اهتَمَّ
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجارِ اهتِمامًا بالغًا، وجعَلَ له مِن الحُقوقِ
ما ليس لغيرِه، ومِن ذلك ما جاء في هذا الحَديثِ، حيث يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ: "ليس المؤمنُ"، أي: ليس المؤمنُ الكاملُ الإيمانِ، "بالذي
يَشبَعُ"، مِن الطَّعامِ والشَّرابِ والمَلذَّاتِ، "وجارُه جائعٌ إلى جَنبَيه"،
لا يجِدُ ما يأكُلُه، وهو عالِمٌ بحالِ اضطِرارِه وقادرٌ على مُساعَدتِه، وفي ذِكرِ
الجَنبِ إشعارٌ بكَمالِ غَفلتِه عن تَعهُّدِ جارِه، وإخلالِه بما تَوجَّه عليه في الشَّريعةِ
مِن حَقِّ الجِوارِ.
وفي الحديثِ:
دَليلٌ على عِظَمِ حَقِّ الجارِ على جارِه.
وفيه: الحَثُّ
على التَّعاونِ بينَ المُسلمينَ .
وعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتقِ المحارم تكُن أعبد
الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكُن مؤمنًا، وأحب للناس
ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"().
العقوبة
الثانية:" الحرمان من دخول الجنة
وتلك
عقوبة قاسية أن يعمل الإنسان ويفعل أفعالاً تؤدي به الي دخول الجنة والجنة عرضها
السموات والأرض ولايكون المسلم له فيها مكانقال صلي الله عليه وسلم :" لا يدخلُ
الجنَّةَ مَن لا يأمَنُ جارُه بوائقَهُ"(مسلم). جاءت تَعاليمُ
الإسلامِ تَدعو إلى ما فيه خَيرُ العِبادِ، والعَمَلِ على تآلُفِهم وتَرابُطِهم، ومِن
ذلك: الأمرُ بالإحسانِ إلى الجارِ، والجارُ هو القريبُ من الدَّارِ، سَواءٌ كان من
الأقاربِ أو الغُرباءِ الأباعدِ، وسَواءٌ كان مُسلِمًا أو كافرًا.
وهذا الحديثُ
من أشدِّ الأحاديثِ في عاقبةِ المُسيءِ إلى جيرانِه، فقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم:"لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جارُه بَوائقَه"والبوائقُ: الظُّلمُ
والجَورُ والتَّعدِّي، والمُرادُ: أنَّ المُسلِمَ يَمنَعُ أذاه وضَررَه عن جارِه، فالإيذاءُ
للجارِ سَبَبٌ في مَنعِه من دُخولِ الجَنَّةِ، وهذا تَهديدٌ شَديدٌ ووَعيدٌ عَظيمٌ،
وفي الصَّحيحَينِ عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
قال:"ما زال يُوصِيني جِبريلُ بالجَارِ، حتَّى ظَنَنتُ أنَّه سيُوَرِّثُه".
وقولُه:"لا يَدخُلُ الجنَّةَ"، معناه أنَّه إذا كان مُسلِمًا وماتَ على التَّوحيدِ، فإنَّه
لا يَدخُل الجَنَّة مع الدَّاخلين الأوَّلين، ولكنَّه يُمنَعُ من دُخولِها أوَّلًا
حتى يُحاسَبَ، ثمَّ يَدخُلُ الجَنَّةَ؛ لأنَّه شَهِدَ بالتَّوحيدِ، إلَّا أن يَعفُوَ
اللهُ عنه.
وفي الحديثِ:
الزَّجرُ الشَّديدُ عن إيذاءِ الجيرانِ.
وفيه: أنَّ سوءَ المُعاملةِ سَبيلٌ إلى الهَلاكِ.
العقوبة الثالثة:مضاعفة العذاب والعقاب لمن يؤذي جاره عشرة أضعاف: عن الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا ؟ قَالُوا : حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ ، قَالَ : فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ ؟ قَالُوا : حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ ، قَالَ : لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ"(صحيح الترغيب).
إن من حق الجار على الجار ألا يخونه في أهله وأن يكفَّ بصره عن نسائه ومحارمه
وأغضُ طَرفي إن
بَدَت لي جارتي*** حتى يُواري جارتي مأواها.
فالكرام
الأجواد لا يظهر بينهم يتم أولاد الجيران ولا بؤسهم عن عبداللّه بن عباس رضي الله عنهما
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع
" وعن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذَر إذا
طبخت مرقة فَأكثر ماءها وتعاهد جيرانك "(مسلم).
العقوبة
الرابعة :" اللعنة من الله ورسوله والناس أجمعين
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ إذْهَبْ فَإصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا
فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ،
فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ،
فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ وَفَعَلْ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ
لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ"(أبوداود وغيره).
حقوقُ الجارِ
حُقوقٌ عظيمةٌ في الإسْلامِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كثيرًا ما يُؤكِّد
على عِظَم حقِّ الجارِ وأهمِّيَّتِه.
وفي هذا
الحَديثِ يَحكِي الصَّحابيُّ الجَليلُ أبو هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه:
"جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَشْكو جارَه"، أي: إنَّه
يُؤذيهِ ويَظلِمُه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:"اذْهَبْ فاصبِرْ"،
أي: ارجِعْ إلى دارِكَ واصبِرْ على جارِكَ؛ لَعلَّه يَنتهي عن إيذائِكَ، فرجَعَ الرَّجلُ
لكِنَّه لم يلْبَثْ أنْ عادَ مرَّةً أُخرى يَشكو من إيذاءِ جارِه له، حتَّى عادَ الرَّجلُ
في ذلك مرَّتَينِ أو ثَلاثًا، وفي كلِّ مرَّةٍ يأمُرُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّم بالرُّجوعِ والصَّبرِ على جارِه، حتَّى جاءَه مرَّةً أُخرى يَشكو ظُلْمَ جارِهِ
وإيذاءَه الَّذي لا يَنتَهي، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "اطْرَحْ"،
أي: ألْقِ وارْمِ، "مَتاعَكَ"، أي: أَثاثَ منزِلِكَ ومُقتنَياتِكَ،
"في الطَّريقِ"، أي: في الشَّارِعِ أمامَ المارَّةِ، فأخْرَجَ الرَّجل مَتاعَهُ
وأشْياءَه في الطَّريقِ، "فجَعَل النَّاسُ يسألونَه" أي: عن سَببِ ما بِه؟
"فيُخبِرُهم خَبرَه"، أي: يُخبرُهم أنَّ جارَه يُؤذِيهِ وقد أمَرَه النَّبيُّ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بطَرْحِ متاعِهِ في الطَّريقِ، "فجَعَل النَّاسُ يَلْعَنونه"،
أي: يلْعَنون هذا الجارَ المُؤذي ويدْعون عليهِ ويقولُون: "فعَلَ اللهُ بهِ، وفعل،
وفعل"، أي: عاقبَهُ اللهُ ولعَنَه على فِعْلتِه هذه.
فلمَّا
رَأى الجارُ المؤذي ذلك؛ مِن دُعاءِ النَّاسِ عليهِ ولَعَناتِهم جاءَ إلى جارِه المَظلومِ
فقال له: "ارجِعْ" أي: إلى بيتِك، "لا تَرَى منِّي شيئًا تَكرَهُه"،
أي: طلَب مِن جارِه أنْ يَرجِعَ إلى دارِه ووعَدَه بأنَّه لن يَرى منه شيئًا يَكرهُ
أبدًا، ولن يؤذِيَه مرَّةً أُخرى.
وفي الحَديثِ:
عِظَمُ حقِّ الجارِ، والتَّحذيرُ من إيذائِه.
العقوبة الخامسة:"لاخير فيه ولايقبل الله منه صرفاً ولاعدلاً
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خيرُ الأصحابِ عِندَ الله خيرُهُم لصاحِبه ، وخيرُ الجيرانِ عِند الله خيرُهُم لجاره". قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ"(صحيح الترغيب).
المسلِمُ
الحقُّ يُراعي جارَه، ويُؤدِّي له حُقوقَه، وقد جعَل الشَّرعُ على إحسانِ الجِوارِ
أجرًا وفَضلًا، وعلى الإساءةِ إثْمًا وَوِزْرًا.
وفي هذا
الحَديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: "قِيل للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: يا رسولَ الله، إنَّ فلانةَ"، هذا كِنايةٌ عن اسمِ امرأةٍ مَعروفةٍ،
"تقومُ اللَّيلَ"، أي: تَتهجَّدُ وتَتنفَّلُ في اللَّيلِ، "وتَصومُ
النَّهارَ"، أي: تَطوُّعًا وقُربةً للهِ، "وتَفعَلُ، وتَصَّدَّقُ"،
هذا كلُّه كِنايةٌ عن فِعلِها الطَّاعاتِ والعباداتِ، وإكثارِها مِن النَّوافلِ،
"وتُؤذِي جِيرانَها بلِسانِها؟"، أي: تَعتدي عليهم بالقولِ السَّيِّئِ، وجاء
التَّقييدُ باللِّسانِ للتَّقليل مِن الإساءةِ والإيذاءِ الذي يَقَعُ منها؛ لأنَّ الإيذاءَ
بالفِعلِ أَفحشُ وأغْلَظُ، وكذلك فإنَّ أكثرَ ما يقَعُ للجارِ مِن إيذاءٍ إنَّما يكونُ
باللِّسانِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا خيرَ فيها، هي مِن
أهلِ النَّارِ!"، أي: إنَّ كثرةَ العباداتِ والطَّاعاتِ لا تُغني عن صاحبِها إذا
ما تداخَلَ معها إيذاءُ الآخرينَ، وبالأخصِّ الجيرانُ، حتَّى لو وقَعَ هذا الإيذاءُ
بالقولِ دُونَ الفعلِ، "قالوا"، أي: صحابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
"وفلانةُ تُصلِّي المكتوبةَ"، أي: تَقتصِرُ على الفَريضةِ على عَكسِ المرأةِ
الأُولَى التي تُكثِرُ مِن النَّوافلِ، "وتَصَّدَّقُ بأَثْوارٍ"، أي: القِطَعِ
مِن الأَقِطِ، وهو اللَّبنُ المُجفَّفُ، "ولا تُؤذِي أحدًا، فقال رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هي مِن أهلِ الجنَّةِ"، وذلك ببَركةِ إحسانِها إلى
جِيرانِها، ولم يَقَعْ منها ما فيه مَعصيةٌ؛ لأنَّ مَدارَ أمْرِ الدِّينِ على اكتِسابِ
الفرائضِ واجتِنابِ المعاصي.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم