recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة درس من الهجرة أسس بناء الدولة بين العهد النبوي والتطورات العصرية

 


درس من الهجرة أسس  بناء الدولة بين العهد النبوي والتطورات العصرية

التخطيط واختيارالكفاءات 

الرفيق قبل الطريق

الخبرة دون النظر للديانة

 الغلبة لمن يملك المعلومات

دور المرأة في البناء 

بناء المسجد والمؤاخاة

الأسواق والاهتمام بالناحية الاقتصادية

تحميل الخطبة ورد


تحميل الخطبة PDF

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين، ومن اهتدى بهديه وسار على دربه إلى يوم الدين أما بعد:

فياعباد الله:"من المعلوم أن أي بيت يبنى لا بد له من أساس حتى يرتفع البنيان ويعلو فلايتأثر بالتغيرات التي تطرأ عليه،وهكذا كانت الهجرة النبوية أساسًا لبناء الدولة الإسلامية،هذه الهجرة التي قادها وأسس بناءها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى،ومن أهم عوامل إنجاح الهجرة بعد معونة الله عز وجل هو الاختيار الصحيح للأفراد الذين سيقومون بحماية مشروع الهجرة، وهو مانسميه "باختيارالكفاءات" وهو مدار حديثنا اليوم..وأولها:"اختيارالداعية والفقيه"

التخطيط واختيارالكفاءات 

 عباد الله :"عندما خطط الرسول صلي الله عليه وسلم للهجرة وضع نصب عينيه اختيارالكفاءة من الأفراد ليكون أساساً للبناء وجزءً لا يتجزء منه،كاختيارمصعب بن عمير أول داعية في الإسلام فقبل أن يهاجر الرسول صلي الله عليه وسلم أراد أن يهيء مناخاً ملائماً لأولئك الذين سيهاجرون إلي يثرب وهؤلاء الذين يستقبلونهم بالبشر والترحاب..

فأرسل الرسول صلي الله عليه وسلم إلي يثرب مصعب بن عمير ليصلي بالناس ويدعوهم إلي الخير وكان مخططاً لمصعب أن يختار خير رفيق وهو الفقيه معاذ بن جبل أعلم الناس بالحلال والحرام وكانا الإثنان  فتيان صغيران  قد أسلما قبل الهجرة،حيث كان مصعب فتي قريش وواحداً ممن أختارالإسلام وترك الثراء والترف رغم أنه كان فاكهة المجالس في مكة..

 أما معاذ بن جبل كان واحداً من وفد السبعين أنصارياً الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية..

ولنا هنا وقفة في اختيار الكفاءات  الداعية والفقيه ينبغي اختيارهم علي أساس سليم  فلا ينبغي  لأحد أن يٌنصِب نفسه للفتوى، إذا لم يكن أهلاً لها كفء لمنصبها ومهنتها متمكناً في عمله، فقيهاً في دينه، فإنه والحالة هذه"يحرم الحلال، ويحل الحرام، ويسقط الواجبات، ويلزم الناس بما لم يلزمهم به الله ،ويقر المبتدعات، ويبدع المشروعات، ويكفر أهل الإيمان، ويبرر كفر أهل الكفر، وهكذا، وهذا كله مرجعه إلى غياب الكفاءات المؤهلة لعمل الفتوى بالعلم والفقه وغير ذلك من المؤهلات والشروط. لذلك يحذر الحسن البصري من الكفاءات الزائفة التي تدعي الأهلية للعمل فيقول:"العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم يفسد أكثر مما يصلح"

عباد الله:" ولقد رأينا تشديد النبي صلى الله عليه وسلم على من ينصب نفسه لهذا العمل وهو غير كفء له أو غير حائز لمؤهلاته، حينما أنكر على من تسرع في الفتوى في عهده فأفتى بها رجلاً به جراحة، أصابته جنابة أن يغتسل، دون رعاية لما ألم به من جراح، فكان ذلك سبباً في موته. فقال صلي الله عليه وسلم :"قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم"(أبوداود). وهنا نلحظ كيف اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم فتواهم التي غاب عنها الكفاءة والأهلية قتلاً له،ودعا عليهم بقوله "قتلهم الله" ومعنى هذا أن تولي الأدعياء الوظائف مَفسدة تجلب الدمار على الأفراد والجماعات، ولهذا يقول ابن حزم:"لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاءفيها،وهم من غير أهلها،فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون،ويفسدون،ويظنون أنهم يصلحون"

"الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"(الكهف/104).

عباد الله:" ويلحق بالفتوى مهنة "الداعية" فالكفاءة والأهلية المؤسسة على العلم مطلوبة له وإلا أضر بعمله ومهنته، ومن ثم كان قوله تعالى:"قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي"(يوسف /108). فكل ممتهن للدعوة يجب أن يكون عمله ودعوته على بصيرة ودراية، ومعنى هذا أن يكون على بينة من دعوته،ومعرفة مستبصرة بما يدعو إليه فيعلم إلام يدعو؟ ومن يدعو؟ وكيف يدعو؟ وإلا لم يكن كفء لعمله الدعوي.

الرفيق قبل الطريق

 عباد الله :" الرفيق قبل الطريق وربما يتطلب الأمر في اختيار الكفاءة ليضعه في دوره المناسب على أسس رصينة من الكفاءة والأمانة والقوة والشجاعة والإقدام، فأولهم الصديق رضي الله عنه، رفيق النبي وصاحبه في الهجرة أختاره الله لصحبته من بين كل الصحابة،

 قالت عائشة رضي الله عنها: "كان لا يخطئ رسول الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بُكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة والخروج ، أتانا رسول الله بالهاجرة-نصف النهار -فلما دخل تأخر أبو بكر عن سريره،فقال رسول الله له:"أخرِجْ عني مَنْ عندك فقال يا رسول الله وما ذاك فقال إنه قد أذن لي بالخروج والهجرة"، قالت: فقال أبو بكر:"الصحبة يا رسول الله؟ قال: الصحبة"قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"(السيرةالنبويةلابن كثير:2/233، 234).

فاختيار أبا بكر لأنه أقرب شخص للنبي وأحبه له يحمل قلباً رحيماً وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في منشطه ومكرهه..اختار الرفيق قبل الطريق واختار الصاحب لأن الصاحب ساحب يدل صاحبه علي الخير والهداية والرشاد أو غيره"ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"(التوبة/40).وهكذاتختار الكفاءات..

الخبرة دون النظر للديانة

عباد الله :"الخبرة دون النظر للديانة" وربما تقدم الكفاءة  من أجل الخبرة دون النظر للديانة وهي الكفاءة المهنية في العمل ويُقصد بها العديد من المعارف والخبرات والمهارات المهنية التي تظهر على شكل سلوكات وتصرفات وأنشطة مهنية في العمل؛ وذلك من أجل مجابهة ومجاراة التحديات التي تظهر أثناء العمل المهني، وإنجاز المهام المهنية التي لا تقع تحت عاتقه. لذلك وقع اختيار الرسول صلي الله عليه وسلم علي : عبد الله بن أريقط وهو رجل مشرك ، لكن النبي انتفع منه واستأجره ليدله على الطريق، لماذا؟ لأنه كان خبيراً بطرق الصحراء، لم يقل إنه مشرك، إنما استأجره لأن مصلحة الدعوة متحققة في هذا وللمفسدة المنتفية في دفع الأذى عن المؤمنين والمهاجرين، فضلاً عن الاحترام الواضح من النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الاختصاص،وفعلاً سلك بهما طريقاً غير معهودة ليخفي أمرهما عمن يلحق بهمامن كفار قريش.

عباد الله :"وكان مما أبتلي به بعض المجتمعات الآن تواري الكفاءات في المهن والأعمال،كثير من الكفاءات وهي في قمة عطائها وتألقها أُبعدت..وكفاءات جُمِّدت.. وكفاءات أُهملت.. وكفاءات أُصيبت بالإحباط نتيجة التهميش والتجاهل، وذلك بسبب غطرسة المسؤول أو عنجهيته أو تسلط في السلطة أو الجهل في القرارات الإدارية التي تكون بعيدة عن مصلحة العمل من قبل هذا المسؤول، والعكس صحيح كم من مغمورين جهلاء فاشلين خونة..قد نصبت بسبب الرشوة والمحسوبية والقرابة والأهل والعشيرة ..وهو يدعي الوطنية ويكثر الحديث عن حب الوطن :" فلا يغرنك حديث القوم بالوطن،فالقوم في السر غير القوم في العلن"

 القوة والأمانة 

عباد الله :"واختيار القوي الأمين من شروط اختيار الكفاءة القوة والأمانة  وهو ما وقع عليه اختيار علي بن أبي طالب ، والرسول صلي الله عليه وسلم لم يولِّ أحداً من أقاربه أى منصب، إلا بمعيار الكفاءة ليس لأنه من أهله وعشيرته فلم يستعمل منهم سوى الأكفاء فى كل شىء؛ حيث أمر على بن أبى طالب بالنوم فى مكانه أثناء الهجرة ليؤدى الأمانات إلى أهلها"والرسول لم يعامل أهله وعشيرته من منطق أنهم أهل الثقة، ولم يعينهم فى المناصب القيادية، بل كانت رؤيته أن يولى على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لهذا العمل،وكان لا يعطى الولاية لأى شخص يطلبها أبداً،دخل عليه قوم فسألوه الولاية،فقال:"إنَّا وَاللَّهِ لا نُوَلِّي علَى هذا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عليه. "(مسلم).

 الغلبة لمن يملك المعلومات 

عباد الله:" فمن الاختيارات التي أدت إلي نجاح الهجرة وكانت علي الكفاءة اختيار من لهم  القدرة علي التخابر والتمويه فاختيار رجل المخابرات الأول :"عبد الله بن أبي بكر الذي كان  يبات عندهما فينزل من عندهما قبيل الفجرفيصبح في قريش كأنه بائت،وقد اختير لهذه المهمة وهي أنه إن سمع أمراً به يعيه فيأتيهما بخبره ليلاً،وسبب اختياره أنه ذو أمانة وثقة وهو شاب:"مستطيع،لَقِنٌ،فاهمٌ لما سمعه،ثقة ذو فطنة وذكاء..وهذا ماينبغي أن يكون عليه رجل المخابرات..

عباد الله :" التمويه والتخفي ومما كان له دور بالغ في الهجرة وتم اختياره علي الكفاءة والخبرة عامر بن فهيرة وهو مولى أبي بكر كان يرعى الغنم عند غار ثور ليمسح آثار الأقدام بعد أن يذهب عبدالله بن أبي بكر أو أسماء إليهما حتى لا يتعرف إليها المشركون، وكان يحلب للرسول ولأبي بكر اللبن، ويأتيهما بالأخبار.

دور المرأة في البناء 

عباد الله:" ولنا أن نعرف أن للنساء دوراً عظيماً في نصرة الدعوة  ، فكانت أسماء بنت أبي بكر  حاملة التموين من مكة إلى الغار وسط جنون المشركين بحثاً عن محمد صلى الله عليه وسلم ليقتلوه.

عباد الله:"ويلاحظ أن هذه الشخصيات مع قلة عددها والتي تم اختيارها علي معيار الكفاءة..إلا أنها تترابط كلها برباط العمل الواحد،تجمعهم صفة الأمانة المتحققة في كل واحد منهم لتحقيق الهدف المنشود وهو وصول الرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسلام، لذلك قال عمر بن الخطاب :"إن الأمم لا تبنى بالكثرة الغثائية وإنما تبنى بسواعد الكفاءات الموهوبة والمخلصة من أبنائها الذين صدقوا ربهم وأوطانهم ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً. 

وكان دائماً عمر يقول :"أتمنى ملء مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم  رجالاً أكفاء مثل  أبى عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبى حذيفة فأستعمل هؤلاء الكفاءات  في سبيل الله ..اللهم ولي علينا خيارنا ولا تولي علينا شرارنا يارب العالمين ..      

عباد الله أقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم..

الحمد لله رب العالمين  والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله ..لازلنا نواصل الحديث حول دروس الهجرة وبناء الدولة "التخطيط واختيار الكفاءات"

بناء المسجد والمؤاخاة

عباد الله من أسس بناء الدولة الاسلامية في المدينة بناء المسجد والإخاء بين المهاجرين والأنصار الذي نتج عنه البحث عن السوق لأهميته فالمهاجرون أناس وافدون على المدينة لا بيت لهم ولا مال ولا أرض،ولا بد أن ينصهروا في مجتمع المدينة،فلاتقوم دولة وأفرادها غير متجانسين مترابطين متحدين  فآخى الرسول بين المهاجرين والأنصارعلى الحق والمواساة،فسارع الأنصاري إلى البذل والعطاء والإيثار،فقابل ذلك  المهاجري بالعفة والإيثار والدعاء عن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ،فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ .فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ،.."(البخاري).

الأسواق والاهتمام بالناحية الاقتصادية

عباد الله:"ولما كان للسوق أهمية لاتقل عن المسجد لارتباطه بالمعيشة والاقتصاد فقد أنشأ الرسول لأهل المدينة سوق كبيرة بالمدينة وهو سوق المناخة  روي عن عطاء بن يسار قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل للمدينة سوقاً أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال: "هذا سوقكم،فلا يضيق،ولا يؤخذ فيه خراج"(السمهودي في كتابه وفاء الوفا 1: 539 ط.).

لذلك اهتم صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم بأمر الأسواق لأهميتها الاقتصادية ولاحتياج الناس لها في معيشتهم فقد ولّى عمرُبن الخطاب  الشفاء بنت عبدالله أمر السوق لتنظم شؤنه وضبط تعاملاته, وولي أيضاً السائبَ بن يزيد،وعبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم،وقد ثبت أن الفاروق رضي الله عنه كان شديد العناية بالاحتساب في مجال السوق، فقد كان يطوف في الأسواق حاملاً درّته معه،يؤدّب بها من رآه مستحقاً لذلك، ونقل الحافظ الذهبي عن قتادة :"كان عمر رضي الله عنه يلبس وهو خليفة جُبّة من صوف مرقوعاً بعضها بأدم،ويطوف في الأسواق،على عاتقه دُرّة يؤدّب الناس بها" وكان يقول:"لا يبعْ في سوقِنا إلا من تفقَّه في الدينِ"(الترمذي). وفي رواية :" وإلاأكل الربا شاء أم أبي "اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..

عباد الله :"

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة

google-playkhamsatmostaqltradent