recent
أخبار عاجلة

من هو السفيه ؟

 


من هو السفيه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن هو السفيه؟

 حيث ورد ذكر السفهاء في القرآن والسنة النبوية  وهل هو فاسق أو كافر؟

فأصل السفه في اللغة: نقص وخفة العقل والطيش والحركة.

قال صاحب تفسير المنار: والسَّفَهُ وَالسَّفَاهَةُ : الِاضْطِرَابُ فِي الرَّأْيِ وَالْفِكْرِ أَوِ الْأَخْلَاقِ . يُقَالُ : سَفَّهَ حِلْمَهُ وَرَأْيَهُ وَنَفْسَهُ . وَاضْطِرَابُ الْحِلْمِ - الْعَقْلِ - وَالرَّأْيِ : جَهْلٌ وَطَيْشٌ ، وَاضْطِرَابُ الْأَخْلَاقِ : فَسَادٌ فِيهَا لِعَدَمِ رُسُوخِ مَلَكَةِ الْفَضِيلَةِ. اهـ

وأما في الشريعة: فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف السفيه، وخلاصة ما ذكروه: أن السفيه هو من يسرف في إنفاق ماله، ويضيعه على خلاف مقتضى العقل أو الشرع فيما لا مصلحة له فيه، وباعثه خفة تعتري الإنسان من الفرح والغضب ، فتحمله على الإنفاق من غير ملاحظة النفع الدنيوي والديني.  


ويكون السفه في:

1- الأمور الدّنيويّة، ومن ذلك قول اللّه تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ "النساء:5}

 وقد عرّف الفقهاء هذا النّوع من السّفه فقالوا: هو عبارة عن التّصرّف في المال بخلاف مقتضى الشّرع والعقل بالتّبذير فيه والإسراف- مع قيام خفّة العقل- فالسّفيه إذن: هو من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التّبذير، ولا يمكنه إصلاحه بالتّمييز والتّصرّف فيه بالتّدبير. ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"(النساء).

فليس المراد من الآية النساء دون الذكور، إنما السفه في الآية معنى يجمع سوء التصرف في المال وعدم القدرة على حفظه، سواء أكان ذلك في الرجال أو النساء، فإذا كانت المرأة لا تحسن التصرف في المال، ولا تقدر على حفظه دخلت في الآية، أما أن يراد بالآية النساء بإطلاق فغير مُسلَّم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المراد بالآية النساء، ولم يتفق السلف على تفسير الآية بذلك.

قال الإمام ابن جرير الطبري بعد أن حكى الاختلاف بين السلف في تفسير الآية: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فلم يخصص سفيهاً دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان أو رجلاً كبيراً كان أو أنثى.

والسفيه الذي لا يجوز للولي أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره.

من هو السفيه؟

من لايدري مايفعل أويقول سفيه

من يعطل عقله ويعمل بهواه، سفيه.

ومن كلما اشتهى اشترى، سفيه.

ومن يبذر ويسرف ولا يخرج حق الله في أمواله، سفيه.

ومن يفتي بغير علم، سفيه.

ومن يتطاول على الآخرين بماله وجاهه ومنصبه، سفيه.

ومن يقود الناس على غير هدى ورؤى، سفيه.

ومن يبيع دينه بدنيا غيره، سفيه.

ومن يتبع سفهاء وسائل التواصل الاجتماعي، سفيه.

ومن يكثر كلامه فتكثر سقطاته وزلاته، سفيه.

والرويبضة الذي يتكلم في أمور العامة، سفيه.

ومن يجادل بغير علم ويتعمق في المراء، سفيه.

قائمة السفهاء حولنا تطول وتطول.. 

وإنما قلنا ما قلنا، من أن المعني بقوله: ولا تؤتوا السفهاء هو من وصفنا دون غيره، لأن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في اليتامى الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور.

وإلى هذا نحا الإمام الجصاص فقال بعد أن ذكر آثاراً عن السلف في تفسير الآية أن المراد بالسفهاء والصبيان: وهذا محمول على التي لا تقوم بحفظ المال، لأنه لا خلاف أنها إذا كانت ضابطة لأمرها حافظة لمالها دفع إليها إذا كانت بالغاً قد دخل بها زوجها.

وقال ابن حزم أما الصبيان فنعم، وأما النساء فلا، لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بأنهن سفهاء؛ بل قد ذكرهن الله تعالى مع الرجال في أعمال البر فقال: والمتصدقين والمتصدقات وفي سائر أعمال البر، فبطل تعلقهم بهذه الآية.

ونقل الإمام القرطبي عن الإمام النحاس أن تفسير السفهاء بالنساء لا يصح. وهذا هو الراجح.. 

فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن. وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل. وأتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة، هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن، وأيتام لهن؟ فقال: نعم"(البخاري). 

فعلم من هذا أن المرأة في التصرف في المال كالرجل لا تمنع من التصرف في المال إلا إذا ظهرت عليها أمارة السفه من تضييع المال وإتلافه.

إذا تقرر هذا فلا حرج إن شاء الله في إعطاء هذه المرأة أموال الزكاة لتقوم بتوزيعها على الأسر المحتاجة، بشرط أن تكون أمينة وممن يحسن التصرف، وحفظ المال، وتعلم ما هي المصارف التي تصرف الزكاة إليها،

الأمور الأخرويّة،

ومن ذلك قول اللّه تعالى:"وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً "(الجن: 4).

 وقوله سبحانه:"أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ"(البقرة: 13).

قال الرّاغب: فهذا من السّفه في الدّين.

والسّفيه بهذا المعنى هو كما وصفه الكفويّ: ظاهر الجهل، عديم العقل، خفيف اللّبّ، ضعيف الرّأي، رديء الفهم، مستخفّ القدر، سريع الذّنب، حقير النّفس، مخدوع الشّيطان، أسير الطّغيان، دائم العصيان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان ، ولا بما هو كائن أو سوف يكون. انظر: موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم.

ولا يصح إطلاق الحكم على السفيه بأنه فاسق أو كافر أو غير ذلك؛ إذ حكمه يختلف حسب نوع السفه الذي يفعله، وحسب السياق المذكور فيه في القرآن أو السنة، فقد يكون كافرا كما في قوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها {البقرة: 142}

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ السُّفَهَاءِ: هُمُ الَّذِينَ خَفَّتْ أَحْلَامُهُمْ وَاسْتَمْهَنُوهَا بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ النَّظَرِ ، يُرِيدُ الْمُنْكِرِينَ لِتَغْيِيرِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ. انتهـى .

وكما في قوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ"(البقرة: 130). 

وقال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود؛ أحدثوا طريقًا ليست من عند الله، وخالفوا ملَّة إبراهيم فيما أخذوه. كما ذكر ابن كثير في تفسيره للآية

وقد يذكر السفيه في بعض المواضع ويراد به الجاهل قليل العقل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ. رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:" أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ" جَمْعُ السَّفِيهِ وَهُوَ قَلِيلُ الْعَقْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَاهِلُ أَيْ لِيُجَادِلَ بِهِ الْجُهَّالَ. اهـ.

وقال السندي في حاشيته على ابن ماجه: قَوْله:"لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاء"أَيْ يُجَادِل بِهِ

 ضِعَاف الْعُقُول. انتهـى.

وقد يكون السفيه فاسقا كما في حديث: إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ. وفي رواية: قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

وقد يذكر السفيه ولا يراد به الفاسق أو الكافر كما يطلق الفقهاء القول على الصبيان بأنهم سفهاء في باب الحجر ونحوه، كما ذكروا في تفسير قوله تعالى:"وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً"(النساء: 5). 

ما هي السفاهة؟

يمكن القول بأن السفاهة هي عدم استخدام العقل بحكمة، وعدم استثمار المعرفة في موضعها، واستبداد في الرأي حين يكون المطلوب عدالة ومساواة في موقف ما، مع مطاوعة الشيطان في كثير من الأمور وضعف في الدين ملحوظ، وهو ما يدعو السفيه إلى مخالفة الحق أينما كان. تلكم بعض علامات السفاهة، التي إن رأيت منها واحدة في شخص ما فلا تتردد في نعته بالسفيه، أما الذي تراه وقد اجتمعت فيه كلها، فهذا يكون قد بلغ قمة السفاهة.

التعامل مع السفهاء

ما العمل أو كيف يمكن التعامل معهم؟

دون كثير مقدمات، أجد أهمية العمل على ألا يتصدر السفهاء أمور العامة بشكل مباشر على شكل وظائف ومسؤوليات عامة، أو بشكل غير مباشر عبر قيادة الناس عبر وسائل التواصل أو غيرها من وسائل الإعلام. ففي الحديث الصحيح: سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.

من ذلك أيضاً التحذير من إمارة السفهاء، كما قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة عندما قال له:"أعاذك اللهُ من إمارة السفهاءِ قال : وما إمارةُ السفهاءِ ؟ قال : أمراءٌ يكونون بعدي ، لايهتدون بهديي ، ولايستنُّون بسُنَّتي ، فمن صدَّقهم بكذبهم ، أعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ، ولست منهم ، ولا يَرِدُون عليَّ حَوضي . ومن لم يُصدِّقْهم بكذبهم ، ولم يُعِنْهم على ظُلمِهم ، فأولئك مني وأنا منهم ، وسيرِدُون عليَّ حَوْضي . يا كعبُ بنَ عُجرةَ ! الصيامُ جُنَّةٌ ، والصدقةُ تُطفِيءُ الخطيئةَ ، والصلاةُ قُربانٌ ، أو قال : برهانٌ يا كعبُ بنَ عُجرةَ ! الناسُ غاديانِ ؛ فمُبتاعٌ نفسَه فمُعتِقُها ، وبائعٌ نفسَه فمُوبِقُها"(أحمد). 

من طرق التعامل مع السفهاء أيضاً، ألا تدخل في جدال عقيم معهم، مثلما ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي، حين قال:

يخاطبُني السفيهُ بكل قُبح

                                 فأكرهُ أن أكون له مُجيبا

يزيد سفاهة وأزيدُ حـلماً

                                  كعود زاده الإحراق طيبا

وأخيراً وليس آخرا..

 الأخذ بالوصية القرآنية في قوله تعالى :"خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين". ليكن خُلُق العفو والصفح من أعمالك اليومية. لا ترد على جهالة وشر السفهاء بالمثل، لأن عدم الرد بالمثل، ربما فيه دعوة للسفيه أن يتنبه لحاله، وفي الوقت ذاته يكون لك أجر كظم الغيظ والإعراض عن الجاهلين.. والله دوماً كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 

google-playkhamsatmostaqltradent