
ما حكم مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ ؟
الحج فريضة علي كل مسلم ومسلمة مرةواحدة في العمر
الاستطاعة "بدنية ومالية وتأشيرةحج
هل تارك الحج كافر؟
هل يحج عن تارك الحج العاصي ؟
ما حكم من يمتلك القدرة البدنية والاستطاعة
المالية ولا يؤدي الفريضة على اعتبار أن يأتي الوقت المناسب؟
فالحج فريضة
على كل مسلم مكلف مستطيع من الرجال والنساء مرة واحدة في العمر؛ لقول الله جل وعلا:"
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"(آل
عمران:97). ومن تركه وهو قادر فهو على خطر، وقد روي عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ
إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ
نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"(الترمذي والبيهقي
وغيرهما).
و رواه
عَنْ عَدِيٍّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَمٍ، عَنْ عُمَرَ،
مِثْلَهُ .لا يصح إلا موقوفا على عمر رضي الله عنه ورواه الدارمي في "سننه"
(1826) من طريق شَرِيكٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ مرفوعا .
وهذا من باب الوعيد، هذا من باب التحذير
والوعيد وإلا فليس بكافر، من تركه ليس بكافر لكنه عاصي إذا ترك الحج وهو يستطيع، تركه
تساهلًا فهو عاصٍ، وقد صح من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :عنِ الْحَكَمِ ، عَنْ
عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ :
" مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ
، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا "(رواه ابن أبي شيبة (3/ 306).ويروى عن عمر
أيضاً أنه قال: ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين " وهي موقوفة رواها سعيد بن منصور
والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل
من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين" . لفظ سعيد
ولفظ البيهقي أن عمر قال:"ليمت يهودياً أو نصرانياً يقولها ثلاث مرات رجل مات
ولم يحج ووجد لذلك سعة وخليت سبيله. قلت: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط
علم أن لهذا الحديث أصلاً ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع.
وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض فهي من باب الحسن لغيره، وأجمع العلماء
على المعنى، والأصل في ذلك قوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"(آل عمران:97).فمن استطاع السبيل إلى البيت لزمه
الحج، ومن لم يستطع فلا حرج عليه، فكل إنسان أعلم بنفسه .
والمقصود من هذا كله التحذير والترهيب من
التساهل وإلا فالذي ترك الحج وهو مستطيع قد عصى ولكنه ليس بكافر، بل هو مسلم يصلى عليه
ويدفن في مقابر المسلمين، وإذا لم يكن لديك محرم فليس عليك حج حتى يتيسر المحرم أخ
أو أب أو عم أو خال وإذا كانت المرأة لا تجد محرماً فلا شيء عليها،
وقال بعض العلماء:" مَن استطاع السبيل
إلى الحج، بأن كان صحيح الجسم، وكان قادرًا على نفقات الحج، ولكنه تكاسل عن أداء فريضة
الحج حتى مات؛ فقد ارتكب إثمًا مبينًا؛ لأنه ترك عامدًا ركنًا من أركان الإسلام، وضيَّع
فريضة أساسية من فرائضه..
ومن المقرر المعلوم: أن ترك المأمور أشد
في الإثم من فعل المحظور، وقد قال الله تعالى:"وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ
عَنِ الْعَالَمِينَ"(آل عمران:97) فوضع عبارة "ومن كفر" موضع عبارة
"ومن لم يحج" للترهيب من ترك الحج.
ويقول بعض العلماء: إن الإنسان إذا مات
ولم يحج؛ يقتطع من ماله ما يحج به عنه؛ لأنه قصَّر في هذا الأمر، والحج عبادة مالية
وبدنية، كما قالوا بالنسبة للزكاة تُخرج الزكاة من ماله، والزكاة دين عليه، والله تعالى
يقول في توزيع التركة:"مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ"(النساء:11)،
ولم يحدد هذا الدين: أمن حقوق الله أم حقوق العباد، فهناك دين من حقوق الله، ودين من
حقوق العباد..
والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي
سألته عن أمها أن أمها نذرت أن تحج وماتت، فهل أحج عنها؟ قال: أرأيت إن كان على أمك
دين أكنت قاضية؟ اقضوا فالله أحق بالوفاء؛ فمن هنا قالوا يُقتطع جزء ما، يكفي أن يُحج
عنه، من التركة قبل أن توزع، والبعض قال لا يفعل هذا إلا إذا أوصى، فيخرج بسبب الوصية،
على كل حال أولى الناس أن يحج عمن لم يحج هم أولاده، أبناؤه أو بناته
الاستطاعة "بدنية ومالية وتأشيرةحج"
ونقول ما معنى قوله تعالى:"ولله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " وما هي الإستطاعة وكيف تكون ؟ حفظ
ونقول :" إن من لطف الله عز وجل بعباده
وحكمته في تشريعه أنه يأتي بألفاظ لا يحددها لأن الحكمة تقتضي تركها بغير تحديد ذلك
لاختلاف الاستطاعة من إنسان إلى آخر ، وقد قال البعض : تقييد الإستطاعة بأنه من ملك
الزاد والراحلةونضيف إلي ذلك والتأشيرة لذلك فالإستطاعة
تبقى على إطلاقها فكل إنسان يعرف نفسه إن كان مستطيعاً أو لا فكل مسلم استطاعته
ليس كاستطاعة الآخر ، فمن الذي يستطيع أن يقول أن الإستطاعة كذا وكذا، لا إنما هذا
كقوله عليه الصلاة والسلام :"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى
جنب" فمن الذي يحكم لك أو عليك لأنك لمرض ألمّ بك لا تستطيع أن تصلي قائما أو
تستطيع أن تصلي قائما لا أحد سوى أنت بعد الله عز وجل فأنت الذي تحكم بالاستطاعة أو
بنفيها ، كذلك الاستطاعة المشروعة في آية الحج "وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا " ،
هل تارك الحج كافر؟؟
عامة أهل
العلم لا يرون كفر تارك الحج مادام مقراً بفرضيته، ولم ينكره وإن مات وهو تارك له مع قدرته عليه مات عاصياً عند
عامة العلماء، ولا يكون بذلك كافراً، وأما قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"(آل عمران/97).
ونحوه من النصوص فمحمول على التغليظ، قال
ابن كثير: وقوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ـ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَيْ وَمَنْ جَحَدَ فَرِيضَةَ
الْحَجِّ فَقَدْ كَفَرَ وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ.
وقال القاسمي: وقوله: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ـ إما مستأنف لوعيد من كفر به تعالى، لا تعلق له
بما قبله، وإما أنه متعلق به ومنتظم معه، وهو أظهر وأبلغ.
والكفر، على هذا، إما بمعنى جحد فريضة الحج،
أو بمعنى ترك ما تقدم الأمر به، ثم ذكر ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم:" من
ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً،
وذلك أن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلًا ـ قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي
إسناده مقال، وقد روى الحافظ أبو بكر الإسماعيليّ عن عمر بن الخطاب قال: من أطاق الحج
فلم يحج، فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا ـ قال ابن كثير: إسناده صحيح إلى عمر ـ
رضي الله عنه ـ وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصريّ قال: قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجلا إلى هذه الأمصار، فينظروا إلى كل من كان عنده
جدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين.
قال السيوطيّ في الإكليل: وقد استدل بظاهر
الآية ابن حبيب على أن من ترك الحج، وإن لم ينكره، كفر، ثم قال: وأخرج ابن أبي حاتم
عن ابن عمر: من كان يجد وهو موسر صحيح ولم يحج، كان سيماه بين عينيه كافر، ثم تلا هذه
الآية. انتهى.
فعلم بما مر أن القول بكفر تارك الحج هو
قول ابن حبيب، واستظهر ابن رجب في جامع العلوم والحكم أنه رأي عمر رضي الله عنه، قال
ابن رجب: وكذلك رُوي عن عمر فيمن تمكَّن مِنَ الحجِّ ولم يحجَّ أنَّهم ليسوا بمسلمين،
والظَّاهرُ أنّه كان يعتقد كفرَهم، ولهذا أراد أنْ يضربَ عليهمُ الجزيةَ يقول:"لم
يدخُلوا في الإسلامِ بعدُ، فهم مستمرُّون على كتابيتهم. انتهى.
وحكاه القرطبي في تفسيره عن الحسن، قال
القرطبي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى "وَمَنْ كَفَرَ بِفَرْضِ
الْحَجِّ وَلَمْ يَرَهُ وَاجِبًا، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ
مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ. انتهى.
لكن عامة أهل العلم على ما ذكرنا من كونه
إن مات مات عاصياً، وهل يأثم بتعمد التأخير أو لا؟ لهم في ذلك قولان مبنيان على أن
الحج هل يجب على الفور أم على التراخي؟ والصواب وجوبه على الفور وأن من أخره لغير عذر
فهو عاص لله تعالى، ومن مات والحال هذه فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر.
هل يحج عن تارك الحج العاصي ؟
" اختلف العلماء في هذا ، فمنهم من
قال : إنه يحج عنه وأن ذلك ينفعه ، ويكون كمن حج لنفسه ،
ومنهم من قال : لا يحج عنه ، وأنه لو حج عنه ألف
مرة لم تقبل . يعني لم تبرأ بها ذمته ، وهذا القول هو الحق ، لأن هذا الرجل ترك عبادة
واجبة عليه مفروضة على الفور بدون عذر ، فكيف يذهب عنها ، ثم نلزمه إياها بعد الموت
، ثم التركة الآن تعلق بها حق الورثة ، كيف نحرمهم من ثمن هذه الحجة وهي لا تجزئ عن
صاحبها ، وهذا هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" ، وبه أقول
: إن من ترك الحج تهاوناً مع قدرته عليه لا يجزئ عنه الحج
أبداً ، لو حج عنه الناس ألف مرة ، أما الزكاة فمن العلماء من قال : إذا مات
وأديت الزكاة عنه برأت الذمة ، ولكن القاعدة التي ذكرتها تقتضي ألا تبرأ ذمته من الزكاة
، لكني أرى أن تخرج الزكاة من التركة ، لأنه تعلق بها حق الفقراء والمستحقين للزكاة
، بخلاف الحج ، فلا يؤخذ من التركة ، لأنه لا يتعلق به حق إنسان ، والزكاة يتعلق بها
حق الإنسان ، فتخرج الزكاة لمستحقيها ، ولكنها لا تجزئ عن صاحبها ، سوف يعذب بها عذاب
من لم يزك ، نسأل الله العافية ، كذلك الصوم إذا علم أن هذا الرجل ترك الصيام وتهاون
في قضائه ، فإنه لا يقضى عنه ، لأنه تهاون وترك هذه العبادة ، التي هي ركن من أركان
الإسلام بدون عذر ، فلو قضي عنه لم ينفعه ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ
مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". فهذا فيمن لم يفرط ، وأما
من ترك القضاء جهراً وجهاراً بدون عذر شرعي فما الفائدة أن نقضي عنه " انتهى
.