recent
أخبار عاجلة

هل يشترط اللغة العربية لخطبة الجمعة

 


هل يشتِرط اللُّغةِ العَربيَّةِ لخُطبة الجمعة


الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد

اتفق الفقهاء على أن الأَوْلى أن تكون الخطبة باللغة العربية ، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك،

 على ثلاثة أقوال :

القول الأول :

يُشترَطُ أنْ تَكونَ الخُطبةُ باللُّغةِ العربيَّةِ  ، للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية .

وهو مذهبُ الجمهور: وبهذا قال المالِكيَّة، والشافعيَّة على الأصحِّ ، وهو المذهب والمشهور عند الحنابلة، وبه قال أبو يُوسُفَ ومحمَّدُ بنُ الحسنِ من الحَنَفيَّة. انظر: "الفواكه الدواني" (1/306)، "كشاف القناع" (2/34) .

الأدلَّة:

أولًا: من السُّنَّة

 قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:"صلُّوا كما رأيتُمونِي أُصلِّي" ، وقد كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ بالعربيَّة .

ثانيًا: أنَّه ذِكرٌ مفروضٌ فشُرِطَ فيه العربيَّةُ، كالتشهُّدِ وتَكبيرةِ الإحرامِ .


القول الثاني :

يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ، إلا إذا كان السامعون جميعاً لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم .

وهذا هو الصحيح عند الشافعية ، وبه قال بعض الحنابلة .

انظر: "المجموع" للنووي (4/522) .


القول الثالث :

يستحب أن تكون بالعربية ولا يشترط ، ويمكن للخطيب أن يخطب بلغته دون العربية :

وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية . انظر: "رد المحتار" (1/543) ، و"الموسوعة الفقهية" (19/180) .

الأَدِلَّة:

أولًا: من الكتاب

قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ"(إبراهيم: 4).

وَجْهُ الدَّلالَةِ:

 أنَّ اللهَ سبحانه إنَّما أَرسلَ الرُّسلَ عليهم السَّلام بألسنةِ قومِهم؛ ليُفهموهم مرادَ اللهِ سبحانه بلُغاتِهم".

ثانيًا: أنَّه لم يثبت ما يدلُّ على أنَّه يشترط في الخطبةِ أن تكونَ باللغة العربية، وإنَّما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطبُ باللغةِ العربيةِ في الجمعةِ وغيرِها؛ لأنَّها لغتُه ولغةُ قومِه، فوعَظ مَن يخطبُ فيهم، وأرشدهم وذكَّرهم بلغتِهم التي يفهمونها".

ثالثًا: أنَّ الخُطبتينِ ليستَا ممَّا يُتعبَّدُ بألفاظِهما.

رابعًا: أنَّ المقصودَ الوعظُ، وهو حاصلٌ بكلِّ اللُّغاتِ".

وهذا القول الثالث هو الصحيح ، واختاره جماعة من علمائنا المعاصرين ، لعدم ورود دليل صريح يوجب كون الخطبة باللغة العربية ، ولأن المقصود من الخطبة هو حصول الوعظ والنفع والفائدة ، وذلك لا يكون إلا بلغة الحضور .

جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي  ما يلي :

" الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطاً لصحتها ، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية ، لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن ، مما يسهل تعلمها ، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها ، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها " انتهى.


وقال بعض العلماء

"لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يُشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية ، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها ؛ لأنها لغته ولغة قومه ، فَوَعَظَ مَنْ يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها ، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبا باللغة العربية ، وهو يعلم أن لغتهم غير اللغة العربية ، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها .

وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية ، ثم يترجمها إلى لغة بلاده ؛ ليفهموا ما نصحهم وذكَّرهم به ، فيستفيدوا من خطبته .

وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية ، وبذلك يتم الإرشاد والتعليم والوعظ والتذكير ويتحقق المقصود من الخطبة .

غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أَوْلى ، جمعا بين الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطَبِه وكتبه ، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجا من الخلاف في ذلك " انتهى.

ويقول بعض العلماء:" ولعل الأظهر والأقرب والعلم عند الله تعالى أن يفصَّل في المسألة فيقال :

إن كان معظم من في المسجد من الأعاجم الذين لا يفهمون اللغة العربية فلا بأس من إلقائها بغير العربية ، أو إلقائها بالعربية ومن ثم ترجمتها .

وأما إن كان الغالب على الحضور هم ممن يفهمون اللغة العربية ، ويدركون معانيها في الجملة ، فالأولى والأظهر الإبقاء على اللغة العربية وعدم مخالفة هدى النبي صلى الله عليه وسلم ، لاسيما وقد كان السلف يخطبون في مساجد يوجد بها أعاجم ، ولم ينقل أنهم كانوا يترجمون ذلك ؛ لأن العزة كانت للإسلام والكثرة والسيادة للغة العربية .

وأما ما يدل على الجواز عند الحاجة فإن لذلك أصلاً في الشريعة ، وهو قوله تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ".

ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بوساطة المترجمين " انتهى.

وقال بعضهم :"  الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره ، فإذا كان هؤلاء القوم ليسوا بعرب ، ولا يعرفون اللغة العربية ، فإنه يخطب بلسانهم ؛ لأن هذا هو وسيلة البيان لهم ، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد ، ووعظهم ، وإرشادهم ، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية ، ثم تفسر بلغة القوم .

ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى :"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"(إبراهيم/4).

فبين الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطبون ، فعلى هذا له أن يخطب باللسان غير العربي ، إلا إذا تلا آية فإنه لا بد أن تكون باللسان العربي الذي جاء به القرآن ، ثم بعد ذلك يفسر لهؤلاء القوم بلغتهم " انتهى."فتاوى نور على الدرب"(فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة).

وينبغي أن لا تغير هيئة صلاة الجمعة إلى ما ذكر في السؤال ، حيث تقام فيها خطبتان ، خطبة قبل الأذان بلغة القوم ، وأخرى بعد الأذان باللغة العربية ، بل إما أن يخطب بلغة القوم ، وإما أن يخطب بالعربية ويترجمها في الحال وهو على المنبر باللغة الأخرى .

فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ترجمة خطبة الجمعة إلى بعض اللغات الأجنبية ، وذلك بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام ، حتى يستفيد منها من لا يعرف اللغة العربية . فأجاب :

" لا نرى الموافقة على ما ذكر ، ولا يسوغ أن يخطب يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها .

وإذا كان المقصود إبلاغ الخطبة لمن لا يفهم اللغة العربية فيمكن أن تترجم الخطبة وغيرها من ضمن برامج الإذاعة في غير وقت صلاة الجمعة " انتهى."مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/20) .

ونحن نحث جميع المسلمين على تعلم اللغة العربية ، إذ هي لغة القرآن الكريم ، وبها تفهم الشريعة ، وتدرك معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله :

" قد بينا غير مرة ، أن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم ؛ لأن فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه ، كل ذلك موقوف على فهْم هذه اللغة ، ولا تصح إلا بها ، وخطبة الجمعة من أقلها تأكيداً وثبوتاً ، وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة .

وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون إلى تعلم اللغة العربية ؛ لأجل فهم القرآن والسنة ، والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق وحدة الأمة بدونها ، وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد يفتحونها ، وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم في زمن قصير بتأثير روح الإسلام ، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام ، ولو كانوا يرون إقرار من يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لبادروا هم إلى تعليم لغات تلك الأمم ، وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها ، وبقي الروماني رومانيّاً ، والفارسي فارسيّاً وهلم جرا . " انتهى."مجلة المنار" (6/496) .

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 

google-playkhamsatmostaqltradent