recent
أخبار عاجلة

عظات من خطبة الوداع



عظات من خطبة الوداع 


الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين ..أما بعد

 فيأيها الناس، أفسحوا وتباعدوا عن الطرقات، ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت لأربع بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة.

نادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصده الحج لهذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفًا من الناس في مشهد عظيم، فيه معان العزة والتمكين، ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين.

قبل ثلاثٍ وعشرين سنة من ذلكم الوقت كان فردًا وحيدًا، يعرض الإسلام على الناس فيردوه، ويدعوهم فيكذبوه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله.

 ها هم اليوم مائة وأربعة وأربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم في مشهدٍ يوحي بأكمل معان النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة، تحكي بأن الزمن وإن طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده، مهما حوربت الدعوة وضيق عليها، وسامها الأعداء ألوان العداء والاضطهاد، فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين المصلحين: وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

 سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض، التي عذّب من عذّب فيها، وسحب على رمضائها مَنْ سُحِب، ساروا يمرّون على مواضع لم تزل ولن تزال عالقة في ذكراهم، سيموا فيها ألوان العذاب والقهر والعنت، سار صلى الله عليه وسلم ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما استقسم فيه بالأزلام، وعبدت فيه الأصنام، دخله طاهرًا نقيًا، تردد أركانه وجنباته لا إله إلا الله، ورجع الصدى من جبال بكة ينادي: لبيك اللهم لبيك.

أخوة الإيمان والإسلام :

تعالوا لنقف اليوم مع عظات من   خطبة  الوداع  التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"

 وقد بدأها الرسول صلي الله عليه وسلم بقوله :" الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 ثم أوصي الرسول صلي الله عليه وسلم العباد بتقوي الله وذكرهم ونفسه بالموت واليوم الآخر ..

أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

ثم بين الرسول صلي الله عليه وسلم حرمة الدماء وربطها بحرمة الأعراض سواء بسواء لأن حرمة الدم أعظم عند الله عز وجل من الكعبة المشرفة فقال :"  أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطوف بالكعبة وهو يقول: " ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرًا، رواه ابن ماجة.

وقال صلي الله عليه وسلم "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام.. عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" رواه الترمذي وحسنه.

ومال المسلم لا يكون أعظم حرمة عند الله تعالى من الكعبة، وهو الذي يعرف لله حقه ويؤدي له فرضه، ومن هنا حرًّم الله عز وجل عرضه ومال ودمه.

فعرض المسلم مصون لا يمس قد شرع الله عز وجل ذلك، حتى حرّم النظرة الفاجرة، وأمر بغض الأبصار صيانة للأعراض.

قال عز من قائل: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضرين بخمورهن على جيوبهن)

وحرًّم الله عز وجل مال المسلم أن يُعتدى عليه، فالمال شقيق الروح، والاعتداء على الأموال مقدمة للاعتداء على الأرواح.

وحرًّم الله عز وجل دم المسلم، وأكد حرمته، فقال عزمن قائل" (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاءه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا).

فجمع في عقوبة قاتل المسلم بين الخلود في جهنم، وغضب الله عليه ولعنه وهي عقوبات لم تجتمع في كبيرة من الكبائر غير قتل المسلم بغير حق عمدًا.

وجعل تعالى في آية أخرى قتل النفس بغير حق عمدًا، مساويًا لقتل الناس جميعًا، فقال تعالى: (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا) المائدة 32.

بل إن مجرد استحلال قتل المسلم بغير حق يعتبر استحلالا لدماء الناس جميعًا كما فهم سعيد بن جبير من الآية، روي ابن كثير في تفسيره عن سعيد بن جبير قال: " من استحل دم مسلم، فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم، فكأنما حرم دماء الناس جميعًا.

كما تناول الحديث عن الربا وحرمته وأن درهما واحداً من الربا أشد من ستة وثلاثين زانية كما ورد في الحديث الصحيح فأوضح في خطبة الوداع قائلاً :"

وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.

 كما  تناول الرسول صلي الله عليه العادة السيئة التي لاتزال متأصلة عند الكثير من الناس  وهي الأخذ بالثائر وعدم الصفح والعفو عند المقدرة فقال :"

 وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

ووضح الرسول صلي الله عليه للناس  من هو عدوهم الحقيقي إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وأن الشيطان هو العدو الحقيقي إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً فقال:"

أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

 وفي لفتة كريمة وواضحة تبين عظمة الإسلام استوص الرسول بالنساء خيراً كيف وقد كانت أخر وصيته علي فراش الموت الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم فقال:" أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت? اللهم فاشهد.

 وأوضح أخوة المؤمنين ووجوب التمسك بها ..

 أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

 كما لفت أنظار الجميع إلي بداية الخلق وأنه لاينبغي لإنسان أن يتكبر أو يظلم غيره فالظلم ظلمات يوم القيامة فقال :"

 أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب.

وبين الرسول صلي الله عليه وسلم أن الحقوق  واجبة علي الجميع وأولها حق الميراث الذي يهضم في هذه الأيام ويضيع بين الورثة ويترتب عليه حقدوغل وجحود ..

 أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.

ولما فرغ من خطبته نزل عليه قوله تعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].

وعندما سمعها عمر رضي الله عنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان. "( البخاري).

ولما قضى مناسكه حث المسير عائدًا إلى طيبة الطيبة

فضل يوم عرفات عند الله جل جلاله ، وأهم القرارات فيه .

فيقول الله عز وجل: ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "( البقرة/ 198 – 199).

ويقول الفضل بن العباس رضي الله عنهما : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في يوم عرفة ، فقال صلى الله عليه وسلم:"من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة".

لقد خرج الحجاج والعمار من شتى بقاع الأرض على اختلاف أجناسهم وأوطانهم ، وتغاير أشكالهم وألوانهم ، وتباين مناصبهم وجاههم متجردين من كل مظاهر الحياة وزينتها والدنيا ومتعتها لا بسين إحرامهم قاصدين بيت الله الحرام ، وأقبلوا على الله عز وجل بنفوس طاهرة ، وصدور نقية ، وقلوب تقية ، وأرواح زكية مرددين هذا الهتاف الإلهي والنداء الرباني : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

لقد خرج الحجاج والعمار عباداً ربانيين ، وأناسا محمديين ، وبشرا ملائكيين لهم سمت معروف في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، فأقوالهم ذكر وتسبيح وتحميد وتكبير ، وأعمالهم عبادة وخير وطاعة وبر ، وأحوالهم تأمل وفكر في جمال الله وقدرته ، واعتبار ونظر في جلال الله وعظمته ، سائلين الله عز وجل أن يغفر ذنوبهم وأوزارهم ، ويمحو خطاياهم وعيوبهم قائلين:" رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"(البقرة/ 286).

في يوم عرفة يوم الحج الأكبر يتجلى الله عز وجل على عباده بالتجليات والبركات والرحمات والخيرات ، وفي هذا اليوم يتضاءل الشيطان إلى أحط مراتب الذلة ، ويغتاظ الشيطان إلى أعلى درجات الغيظ لما يرى من فضل الله عز وجل على خلقه، اسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما رؤى الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة كما يرى فيه من تنزل الرحمات وتجاوز الله تبارك وتعالى عن الذنوب والعظام"( مالك عن طلحة بن عبيد الله)

ويوم عرفة هو أفضل أيام الدنيا عند الله ، ويباهي الله تبارك وتعالى فيه عباده الأطهار وملائكته الأبرار ويعتق فيه رقابهم من النار، اسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل ربنا عز وجل إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ، ويقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يرو عذابي ، فلم يرى أكثر عتيقا من النار في يوم عرفة )

وفي يوم عرفة بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام وكل من يقف على عرفات إلى يوم الدين بالمغفرة والرحمة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الناس أتاني جبريل واقرأني السلام من ربي ، وقال لي: إن الله غفر لأهل عرفات ، وضمن عنهم التبعات ) فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقال: أهذه لنا خاصة يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة".

وانظروا إلى فضل الله وكرمه وعطاءه وجوده على أهل عرفات، يقول محمد بن المنكدر رحمه الله: حججت ثلاثا وثلاثين حجة فلما كانت الحجة الأخيرة ، قلت: إلهي وسيدي إنك تعلم أني وقفت موقفي هذا ثلاثاً وثلاثين مرة، أما الحجة الأولى فقد اسقطت بها الفرض عن نفسي، وأما الثانية فقد وهبتها لأمي، وأما الثالثة فقد وهبتها لأبي، وأما الثلاثون حجة الباقية فقد وهبتها لمن وقف على عرفات ولم تتقبل منه ، فسمع هاتفاً من قبل الحق عز وجل يقول له: يا ابن المنكدر أتجود على صاحب الكرم والجود لقد غفرت لك ، ولمن وقف على عرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام.

أما الذين لم يذهبوا إلى بيت الله الحرام ولم يقفوا على عرفات فإن الله سبحانه منحهم من فضله وكرمه إذا صاموا لله عز وجل في هذا اليوم، فعن قتادة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( صوم يوم عرفة يكفر سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة ).

إن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم والنسك الأقدس فمن أدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج، ومن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( الحج عرفة ).

إن يوم عرفة هو أعظم يوم في تاريخ الإسلام وحياة المسلمين ، ففي هذا اليوم المبارك أكمل الله الدين ، وأتم النعمة على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم وعباده المسلمين ، وقطع مطامع المشركين ، وصدق الله إذ يقول: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) المائدة/ 3.

ومن هنا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (والله إني أعلم اليوم والمكان الذي نزلت فيه هذه الآية، لقد نزلت يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على عرفات).

إن يوم عرفة هو مكان التجمع للمسلمين جميعاً حكاما ومحكومين وهو مركز التقاء بالأمم والشعوب الإسلامية رؤساء ومرؤوسين ليكونوا أمة واحدة امتثالاً لقول الله : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/ 92.

وهو المؤتمر العالمي السنوي الذي يحدد فيه المسلمون مصيرهم ويناقشوا من على منبر عرفة قضاياهم الدينية وشؤونهم الدنيوية ، وأهم هذه القضايا هي أن يوحدوا صفهم ، ويجمعوا شملهم ، وينبذوا الخلافات التي بينهم امتثالاً لقول الله : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) آل عمران/ 103.

وأن يعتصموا بالله الذي خلقهم ورزقهم ، وأنعم عليهم بنعمة الإسلام ، وثمرة الاعتصام بالله ، والسير على نهجه ، والتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الفوز والهداية ، وصدق الله إذ يقول: ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

وأن ينهضوا لاستغلال أراضيهم وإحياءها بأنواع الزراعة التي يحتاجها كل من يعيش على وجه الأرض واستخراج معادنها وكنوزها وتصنيعها على أحسن وجه امتثالاً لقوله تعالى: ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) الملك.

وأن يستعدوا كل الاستعداد للمحافظة على مقدساتهم ، والدفاع عن أوطانهم ، واسترداد مغتصباتهم وممتلكاتهم من أعداءهم ، وهذا لن يكون إلا بالقوة والعدة امتثالاً لقوله تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال/ 60.

هذا هو عرفات وهذا هو فضل الله تبارك وتعالى فيه ، وهذه هي بعض القرارات الهامة في حياة المسلمين ليحيوا حياة طيبة.

فهل آن للمسلمين أن يفيقوا من نومهم ، ويستيقظوا من رقادهم ، وينبهوا من غفلتهم ، ويكونوا إخوة في الدين على قلب رجل واحد في كل الأمور؟.

هل آن للمسلمين أن يرتقوا بشعوبهم وينهضوا بأممهم في الدنيا والدين؟.

هل آن للمسلمين أن يظهروا فخرهم وعزتهم ، ويبينوا شجاعتهم وقوتهم لأعداءهم حتى لا تضيع حقوقهم ، وتداس كرامتهم ، وتذهب هيبتهم ، وتسلب أموالهم وثرواتهم ، وتغتصب مقدساتهم وأوطانهم وأعراضهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذ يقول: ( ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا ).

ويوم أن يقف المسلمون على قدمين ثابتتين منفذين لمنهج الله وهدي رسول الله والعزيز القهار والمنتقم الجبار لتعلوا كلمتك ( كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ) عالية في كل مكان كما قال الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ، والأمة كلها ترجو من حضرتك أن تنصر المسلمين إكراما للأطفال الرضع والضعفاء والعجائز الرتع والشيوخ الركع على أعدائك وأعداء ملائكتك وأنبيائك ورسلك وكتبك والمقدسات والآمنين في أوطانهم وديارهم وجميع المسلمين المظلومين ، وأن تجعل مصر والدول العربية والإسلامية أمنا وآمانا وسلما وسلاما وعملا وإنتاجا وقوة واقتصادا وسعادة ورخاء وتقدما ورفعة وفوزا ونجاة في الدارين .

 وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 

google-playkhamsatmostaqltradent