
من حقوق الطفل اللقيط إثبات النسب
الحمد
لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فإن الشريعة الإسلامية لم تَقصُر رعايتَها على الأطفال الذين يولدون من
آباء وأمهات معروفين، بل اعتبر الشرعُ هذا الحقَّ شاملاً لكل طفلٍ وُجِد في الحياة؛
فاللقيط - أو مجهول النسب - يستحقُّ جميع حقوق الطفل، بمافيها حق النسب، وإن هذه الحقوق لا تجب على شخص معين، وإنما
على جموع المسلمين؛ فهي فرض كفاية على المجتمع الإسلامي أو على الدولة، ونفقته على
جموع المسلمين، أو في بيت مال المسلمين، وقد رغَّب الشرع الحنيف في كفاية اللقطاء ورعايتهم
نسَبُ اللَّقِيطُ ونَفَقَتُه:
واتَّفقَ أهل الفقه أنه إذا ادَّعى نسَب
اللقيط رجلٌ مسلم، وهو يعتقد أنه ليس ابن غيره، ثبت نسَبه منه، حِفْظًا لكرامته وإعزازًا
له بين أُمته بانتسابه إلى أبٍ معروف، ومتى ثبت نسبُه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ،
مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون
له وِلايته وعليه تربيته وتثقيفه بالعلْم النافع في الحياة، أو الصَّنْعَة الكريمة
المُثمرة، حتى لا يكون عالةً على الأُمَّة، ولا مَنْبَعَ شقاء للمجتمع. ونفقتُه في
تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، ويكون الملتقط مسئولًا
عنه في كل ما يحتاجه وينفعه من عملٍ وتوْجيه. وقد ورَد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه
قال لمَن التقطَ طفلًا: “لكَ ولاؤُهُ، وعلينا نَفَقَتُهُ”. وكان يفرض له مِن النفقة
ما يُصلحه ويقوم بشأنه، ويُعطيه لولِيِّه كل شهر، ويُوصي به خيرًا. ومع هذا قرَّر الفقهاء
أن المُلتقط إذا كان سيئ التصرُّف، لا يهتدي إلى وُجوه التربية المثمرة، أو كان غير
أمين على ما يُعطي مِن نفقته، وجب نزعُه مِن يده، ويتولى الحاكم عندئذ تربيته والإشراف
عليه، كما يتولَّى رزقه ونفقتُه.
فلا حرج في تسمية اللقيط بأي اسم مشروع،
لكن لا يجوز لكافله أن ينسبه إليه، وإنما يسميه بأي اسم حسن سواء أكان نفس اسمه أو
غيره، وينسبه إلى عبد الله أو عبد الرحمن ونحو ذلك مما لا كذب فيه ولا يترتب عليه اختلاط
أنساب وضياع حقوق فنقول مثلاً، محمد بن عبد الله.
دعوي النسب :"
لذا فإن أي دعوي تقام لضم اللقيط إلي نسب المدعي تقبل لصالح اللقيط
إلا أن الفقهاء تفاوتوا في إدعاء النسب إلي مسألتين
المسألة الأولي :"
إذا ادعي نسب اللقيط رجل:"
إذا ادعي نسب اللقيط أو من في حكمه رجل واحد فخو إما يكون مسلماًأو يكون
ذمياً فإذا كان مسلماً قبلت دعواه سواء
أقام بينة علي إثبات دعواه أم لا ويلحق
بالمدعي نسب اللقيط متي كان أهلاً لصحة الإقرار بالنسب ,بأن يكون مكلفاً مختاراً
..
أما إذا كان مدعي النسب ذمياً أو من في حكمه فإن الفقهاء اختلفوا في
إثبات النسب الي ثلاثة أقوال:"
القول الأول:"لاتصح دعوي النسب إلاببينة وإلي هذا القول ذهب
المالكية والشافعية والظاهرية ولهم أدلتهم
من القرآن الكريمقوله تعالي :" فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل
لخلق الله"(الروم/30).
ومن السنة النبوية المطهرة:" قوله صلي الله عليه وسلم:" كل
مولود يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه اوينصرانه "(مسلم).
ووجه الدلالة :" أن كل مولود يولد علي فطرته التي جبل عليها في
علم الله تعالي من السعادة والشقاوة فكل منهما صائر في العاقبة التي فطر عليها في
الدنيا بالعمل المشابه لها,فمن إمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين أبوين يهوديين"(تفسير
البغوي).فيحملانه لشقائه علي اعتقاد دينهما فلايجوزأن ينقل عما ولد عليه من الفطرة
التي ولد عليه إلا بتعين كون الفراش كافر ..
القول الثاني:" ينسب نسب اللقيط إذا ادعاه ذميويحكم له من غير
بينه وهذا ماقاله الحنفية والشافعية في غير الأصح عندهم والحنابلة لأن الكافر
كالمسلم سبب في النسب,ولأن الولد لايلحقه في الدين طالما ولد في ديار الإسلام أووجد
فيها المسلمون لأنه محكوم بإسلامه فلاخوف عليه ولاتأثير في دينه..
القول الثالث :"
يري بعض فقهاء الحنابلة إذا كان مدعي النسب ذمياً فلا يقبل دعواه ولايلحقه نسب اللقيط مستندين في ذلك أنه إذا
قبلت دعوي الذمي في هذه الحالة ترتب عليه ضرر الطفل وهذا لايجوز شرعاً وجه الضررأن
الطفل إذا لحق بالذمي في النسب لحق به في الدين ولاشك أن هذا ضرر به.
الراجح في هذه المسألة :"
نري أن أصحاب الرأي الثاني الأقرب للصواب فالمدعي لوكان كافراً فإنه
يستوي لأن في نسب اللقيط منفعة له عن ما يكون مجهول النسب .ولكن ينبغي أن لايتبع
الطفل الذمي في الديانة طالما ولد في ديار الإسلام ..وإن لحقه في النسب ..
المسألة الثانية :"
إذا ادعي نسب اللقيط أكثر من رجل فيلحق بأيهم أقوي بينة..فإن تعارضت البينات بين
المدعين بلي مرجح علي الآخر فقد اختلف الفقهاء علي رأين:ط
الرأي الأول:"
سقوط الاحتجاج بهما وهذمعناه عدم الاحتجاج بهما وذلك عند المالكية
والشافعية في الأظهر عندهما وعند الحنابلة في الصحيح من مذهبهم والظاهرية وعللوا
ذلك بأنهما حجتان تعارضتا ولامرجح لأحدهما علي الأخري فتسقطا,..
واختلف هؤلاءبعدسقوط البينتين لمن ينسب اللقيطوكيفية اثباته وهل يؤخذ
بالقافة أم القرعة ؟أم يترك حتي يبلغ وينسب لأيهما شاء ؟
فيري الشافعية والحنابلة أنه يلجأ للقرعة لإثبات النسب إذلم توجد قافة
أو وجدت وأشكل عليها,أو تعارض قول قائفين فعند الشافعية يلجأ للقرعة.
الرأي الثاني :ط يعمل بهماويثبت النسب منهما إذا انعدمت المرجحات وهذا
عند الحنفيةوبعض المالكية والزيدية.
ونري إذا تساوت البيناتان بلي مرجح لأحدهما علي الأخر القول بالتساقط
واللجوء لوسيلة أخري كالقيافة لنتمكن من إثبات النسب لأن الحاق النسب بأحدهما أولي
من إلحاقه بهما أوعدم الحاقه بأحد مطلقاً حماية للولد من الضياع وحفاظاً عليه
وتكريمه وصيانة نسبه من الانهيار.
كما أن من الحقوق المقررة للطفل اللقيط شرعاً أن يجعل له اسما يدعي
به..
ويشترط في هذا الاسم أن يكون اسماً إسلامياً لايتنافي مع أحكام
التسمية في الشرع .
ولاتجوز نسبة الطفل اللقيط إلي مقام أوقبيلة أو أسرة لما في ذلك من
الكذب والإيهام والتدليس علي الناس,ولما ينتج عنه من اختلاط الأنساب.
تحريم الإسلام للتبني
وقد حرم الإسلام التبني وانتساب الابن لغير أبيه ،فإن كان اللقيط مجهول
الأب ولم يدَّع نسبه أحد، فإنه لا ينسب لأحد وإنما يدعى أخاً في الدين، كما جاء في
قوله تعالى:"ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَحِيماً "(الأحزاب/5).
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتساب لغير الأب في عدة أحاديث
منها قوله: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام "(الشيخان).
من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي بكرة، ولا حرج في أن يختار له اسم عام، كفلان ابن عبد
الله وفي صَحيحِ البُخاريِّ قَولُهُ صلى الله
عليه وسلم: "ليسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لغَيرِ أبيه، وهوَ يَعلَمُه، إلاّ كفرَ
بالله، ومَنِ ادَّعَى قَومًا ليسَ لهُ فيهمْ نسَبٌ فليَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ منَ النَّار".
والمَقصودُ بالكُفرِ هُنا كفرُ النِّعمَة، تَغليظًا وزَجرًا لفاعلِه. وهوَ زَجرٌ شَديد.
وبذلك يتبين حرمة ماتفعله بعض الأسرالتي تحتضن أحد الأطفال وتكفله بحيث
تنسب إليها أوتحاول تغير اسمه الأصلي ليتوافق بشكل أوبأخر مع اسم الأسرة بحجة عدم
جرح شعوره أو دمجه في الأسرة .
وهو محرم في الشرع ومخالف للنظام السري الإسلامي لما يترتب عليه من أثار
سلبية سيئة ولما فيه تحليل ماحرمه الله وتحريم ما أحل الله بالكذب والتزوير
والخداع وأكل أموال الناس بالباطلوالكشف علي المحارم بغير وجه حق "(انظر
المبسوط للسرخسي292/30).
فانسِبوا أدعياءَكمْ إلى آبائهم، فهوَ الكلامُ العَدْل، والحُكمُ الحقُّ
الذي قضَى بهِ الله، فلا يَجوزُ أنْ يُقالَ لشَخصٍ ابنُ فُلانٍ وهوَ ليسَ ابنًا له.
فإذا لم تَعرِفوا آباءَهمْ لتَنسِبوهمْ إليهم، فهمْ إخوانُكمْ في الدِّين، وأولياؤكمْ
ونُصَراؤكمْ فيه، فادْعُوهُمْ بالأُخوَّةِ والمُوالاة، كما يُقال: سالِمٌ مَولَى حُذَيفَة.
ولا حرَجَ عَليكمْ إذا نسَبتُمْ بَعضَهمْ إلى غَيرِ آبائهمْ خطأً بعدَ البَحثِ والتحَرِّي،
ولكنَّ الإثمَ على مَنْ تعَمَّدَ نِسبَةَ شَخصٍ إلى غَيرِ أبيه. واللهُ يَغفِرُ لمَنْ
تابَ وإنْ كانَ مُتعَمِّدًا، رَحيمٌ بعبادِهِ المؤمِنينَ التَّائبين.
وصلي
اللهم علي سيدنا محمد وعلي أله وصحبه وسلم