
خير
الناس للناس أنفعهم للناس
الدرس الثاني عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
علي أشرف المرسلين وبعد فحديثنا اليوم عن خير الناس للناس وهو أنفعهم للناس كما
قال صلي الله عليه وسلم:"خيـرُ النَّاسِ
أنفعُهُم للنَّاسِ"(أبن أبي الدنيا وابن عساكروابن حبان والطبراني)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَحَبُّ الْعبادِ إلى اللهِ،
أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"(الطبري).
وخير الناس . وأحبُّ الناس إلى الله أنفعهم
للناس، بجهده بماله، أنفعهم للناس بدعائه وكفِّ شره عنهم،
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ
النَّاسِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟، فَقَالَ:"أَحَبُّ
النَّاسِ إلى اللهِ، أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَقْضِي
عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي
حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ-
شَهْرًا"(صَحِيح
التَّرْغِيبِ).
وفي رواية أخري عن ابن عمررضي الله
عنهما قال :" أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ
إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ،أوْ
يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا،ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ
أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، و مَنْ
كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ
أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في
حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ،"
و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ"(الطبراني في "المعجم الأوسط"وأبو
الشيخ باختلاف يسير صححه الألباني).
وفي هذا الحديثِ يقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ"
أي: أكثَرُ مَن يَنتفِعُ الناسُ بهم، وهذا لا يَقتصِرُ على النَّفعِ المادِّيِّ فَقَطْ، ولكنَّه يمتَدُّ ليشمَلَ
النَّفعَ بالعِلمِ، والنَّفعَ بالرَّأْيِ، والنَّفعَ بالنَّصيحَةِ، والنَّفعَ بالمَشورةِ، والنَّفعَ بالجاهِ، والنَّفعَ
بالسُّلطانِ، ونحوَ ذلك، فكُلُّ هذه من صُوَرِ النَّفعِ التي تجعَلُ صاحِبَها يشرُفُ بحُبِّ اللهِ له،
"وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ يُدخِلُه على مُسلِمٍ"،
أي: أنَّ أحَبَّ الأعمالِ: هي السَّعادَةُ التي تُدخِلُها على قَلبِ المُسلِمِ، وهذا يَختلِفُ باختِلافِ
الأحوالِ والأفرادِ، فقد يتحقَّقُ السُّرورُ في قلْبِ المُسلِمِ بسُؤالِ أخيه عنه، وقد يتحقَّقُ
بزيارةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بهدِيَّةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بأيِّ شَيءٍ سِوى ذلك، الأصْلُ أنْ
تُدخِلَ السُّرورَ عليه بأيِّ طريقةٍ استطَعْتَ، "أو يَكشِفُ عنه كُربَةً"، والكُربَةُ: هي الشِّدَّةُ
العظيمةُ التي تُوقِعُ صاحِبَها في الهَمِّ والغَمِّ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَكشِفَ عن أخيه كُرُبَه،
ويَرفَعَ عنه غَمَّه، فقد وُفِّقَ بذلك إلى أفضَلِ الأعمالِ، "أو يَقضي عنه دَينًا"، أي: تَقْضي
عن صاحِبِ الدَّينِ دَينَه؛ وذلك فيمن يَعجَزُ عن الوفاءِ بدَينِه، "أو تطرُدُ عنه جُوعًا"، أي:
بإطعامِه
أو إعطائِه ما يقومُ مَقامَ الإطعامِ،
خير الناس لايغضب لعلمه أن "مَن كَفَّ غَضَبَه سَتَرَ اللهُ عَورَتَه" "ومَن كَظَمَ غيظَه، ولو
شاءَ أنْ يُمضِيَه أمضاهُ مَلَأَ اللهُ قلْبَه رَجاءً يومَ القيامَةِ"، وهذا فضْلُ مَن كَظَمَ غيظَه للهِ،
مع استطاعَتِه أنْ يُمضِيَ غيظَه، ولكِنَّه كَظَمَه ومَنَعَه للهِ؛ ولأنَّ هذا الأمرَ عزيزٌ على
النَّفسِ، فكان فضْلُه عظيمًا، فضبط النفس أمر مطلوب خصوصاً في وقتنا الحاضر،
"ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله
قلبه رجاءاً يوم القيامة"، فالأمر جدير بالإلتفات إليه،والاستفزازحاصل، وضبط النفس
مطلوب ومندوب إليه ومحظوظ عليه فأنت تلاقي نماذج منه سواءاً في الشارع أو في
السوق أو في الإعلام وحتى في بيتك فالله المستعان على هذا الأمر.
"ومَن مَشى معَ أخيه في حاجَةٍ حتى
تتهيَّأَ له"، أي: حتى تُقْضى له،"أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَه يوم تَزولُ الأقدامُ"،
أي: ثبَّت اللهُ قَدَمَه يومَ القيامَةِ على الصِّراطِ.
خير الناس حسن الخلق لعلمه أنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال :"وإنَّ
سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العَمَلَ، كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ" فإيَّاك أنْ
يَفوتَك حُسْنُ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ الأعمالَ الصالِحَةَ، فَسادًا
عَظيمًا، كما يفسُدُ العَسَلُ إذا وُضِعَ عليه الخَلُّ.
خير الناس إلى الله أنفعهم للناس ، :"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"
فحرص علي سرور يدخله على مسلم، فعمل بعمل رسول الله صلي الله عليه وسلم :"ما
رأي الا مبتسماً.." فهوبابتسامته هذه يدخل السرور على قلب أخيه المسلم، وكذلك بفعله
وعمله كسب الأجر والثواب من الله.
لعلمه أن هذه الدنيا لا تخلو من الهموم
والغموم والأنكاد، فهو بفعله هذا وبابتسامته هذه نفع أخاه المسلم، ففرج عنه هذه الهموم
ولو بعضها،
خير الناس من ينتفع به الناس من كشف الكربه عن الناس: فيجدأخاه
به كربة من كرب الدنيا؛ إما لمصاب أصابه، أو
توفي قريب له .. والحياة ليست صفواً بلا كدر، بل هي كدر وهم وحزن، فيسارع بتفريج كربته ومساعدته عند احتياجه ومواساته وهو
نعم الأخ للأخ الذي يسنده ويقوم معه ضد الدنيا
بأسرها.
إن أخاك الحق من كـــان معك *** ومن يضر
نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت *** فيك شمله
يجمعك
خير الناس للناس حرص علي كل ما فيه نفع
للناس واحسان إليهم ومنها "أن يطرد عنه جوعا" قال تعالى:"فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ"(الضحى/ 9-10)، وقال صلى الله عليه وسلم:"والله لايؤمن،
والله لايؤمن، والله لايؤمن، قيل : من يارسول الله ؟ قال : من بات شبعاناً وجاره جائع".
خير الناس من يمشي في قضاء حوائج الناس
لعلمه بالأجر والثواب العظيم :"ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في
هذا المسجد شهراً" وهذا هو السعي في نفع الأخوة المشهور عند الناس، مهما كانت
هذه الحاجة، ومهما كان هذا الأمر، بإطلاقه صغيراً أو كبيراً؛ والحكمة من أن هذا الفعل
هو أفضل من الاعتكاف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم شهراً: هي أن هذا الفعل وهو
المشي في حاجة الأخ هو فعل متعد النفع؛ فأنت تنفع غيرك وتكسب معه الأجر لنفسك، وفيه
من المصالح الشيء الكثير، فربما يكون بمشيك معه في حاجته نفع للمسلمين، وربما يكون
فيه دفع للأذى عنهم، أما الاعتكاف فمع معرفتنا بفضله والأجر الوارد فيه إلا أنه عمل
نفعه قاصر على النفس وعلى الإنسان وحده الاعتكاف
في مسجد النبي شهراً كاملاً، كم ثوابه؟ عظيم عند الله، أعظم منه وأحب إلى النبي صلى
الله عليه وسلم أن تمشي مع أخيك المسلم تقضي حاجتَه
ثم ثنى بأمر ذكره في نصف الحديث ألا وهو: "ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ
له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" وهذا يدل على أهمية هذا الأمر ولذلك كرره الرسول
صلى الله عليه وسلم وهنا زاد "حتى يثبتها له" فهذا يحتاج إلى صبر ومصابرة وهمة
عالية لذلك كان الجزاء
من جنس العمل "أثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام"،
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله:"أقربكم أو أدناكم مني منزلاً يوم القيامة
أحاسنكم أخلاقاً"
ثم عقب وختم بالحديث عن سوء الخلق فقال:"وإن
سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل"
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله
رب العالمين