
خيـرُ النَّاسِ مَن طالَ عمرُه وحَسُنَ عملُه
الدرس الثالث عشر
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله أما بعد فحديثنا اليوم عن خير الناس
للناس عن طويل العمر حسن العمل لقوله صلي الله عليه وسلم :"خيـرُ النَّاسِ مَن طالَ
عمرُه وحَسُنَ عملُه"(الترمذي).
فخير الناس كلما طال عمره في طاعة الله ازداد قرباً من الله؛
لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره، فإنه يقربه إلى ربه عز وجل وخير الناس من وفق لهذين الأمرين: طول العمر وحسن
العمل. فطول العمر ليس خيرًا للإنسان إلا إذا حسن عمله في طاعة الله؛ لأنه أحيانًا
يكون طول العمر شرًا للإنسان وضررًا عليه، كما في الحديث الآخر، أي الناس خير، قال:"
من طال عمره، وحسن عمله "، قال: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله
"(أبو
داود والترمذي).
وقال تعالي:" وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا
نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا
نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"(آل عمران/178).
فهؤلاء الكفار يملى الله لهم، أي يمدهم بالرزق والعافية
وطول العمر والبنين والزوجات، لا لخير لهم ولكنه شر لهم، والعياذ بالله لأنهم سوف يزدادون
بذلك إثمًا.
قال الطيبي -رحمه الله -: إن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر، فينبغي أن يتجر فيما
يربح فيه، وكلما كان رأس المال كثيرا كان الربح أكثر، فمن مضى لطيبه فاز وأفلح، ومن
أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسرانا مبينا"
وخير الناس كلما طال عمره في طاعة الله
زاد قرباً إلى الله وزاد رفعة في الآخرة؛ لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره فهو يقربه
إلى ربه - عز وجل - فخير الناس من وفق لهذين الأمرين.
أما طول العمر فإنه من الله، وليس للإنسان
فيه تصرف؛ لأن الأعمار بيد الله - عز وجل -، وأما حسن العمل؛ فإن بإمكان الإنسان أن
يحسن عمله؛ لأن الله تعالى جعل له عقلاً، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وبين المحجة، وأقام
الحجة قال تعالي:" وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ"(البلد/10).
بين له طريق الخير وطريق الشر فكل إنسان
يستطيع أن يعمل عملاً صالحاً، على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً؛ فإن النبي صلى
الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر، وذلك مثل صلة الرحم؛ قال
النبي عليه الصلاة والسلام:"من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل
رحمه"، وصلة الرحـم من أسباب طول العمر، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن
عمله؛ فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يجعله ممن طال عمره. وحسن عمله من
أجل أن يكون من خير الناس.
ومن ثم كره بعض العلماء أن يدعى للإنسان
بطول البقاء، قال: لا تقل: أطال الله بقاءك إلا مقيداً؛ قل أطال الله بقاءك على طاعته؛
لأن طول البقاء قد يكون شراً للإنسان. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره وحسن
عمله، وحسنت خاتمته وعافيته، إنه جواد كريم
إن من نعم الله جلَّ جلاله على عبده وتوفيقه أيها
الأحبة له أن يُطيل عمره ويُحسن عمله، فيُكثر من التزود مما ينفعه يوم لا ينفع مال
ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن خذلان العبد وخسارته أن يمدَّ الله في عمره،
ويرزقه العافية في جسده ومع هذا يمضي حياته في المعصية.
والجري وراء اللذات الفانية، بلا مبالاة
ولا اتعاظ بما يحصل حوله، نسأل الله العافية.
يا من أطال الله عمرك وأمدّ بقائك فجاوزت
الشهور و السنين ولا تدري متى الرحيل، إن كنت ممن وُّفقت للخيرات فاشكر الله على الفضل
الكبير و احمده على الخير الكثير وسله سبحانه الإخلاص والثبات حتى الممات، وإن كنت
من أهل التقصير والتفريط، وضاع وقتك فيما لا ينفع! فبادر بالتوبة قبل فوات الأوان فأبوابها
ولله الحمد مفتوحة للتائبين، واغتنم ما بقي من حياتك في طاعة ربك وإرضاء خالقك، وسل
الله جلَّ وعلا حسن الختام فهو سبحانه لطيف كريم علَّام. فالله أسأل بأسمائه الحسنى
وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره وحسُن عمله، وحسُنَت عاقبته وخاتمته،
فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
- الإمام الشافعي عاش قرابة خمسين عامًا،
ولم يزد عليها، اسمه على كل لسان، ملأ علمه الأفاق، ترك أثراً لا يمحى، وكم من معمر
عاش مائة وثلاثين عامًا ولا يعرف بين الناس له ذكر، وليس له عمل، إذاً قيمة الإنسان
في الغنى، غنى العمل الصالح.
الإمام القرطبي مات من قرون وتلاشت
قرطبة عاصمة الخلافة الإسلامية في الأندلس ولايذكرها أحد ولكن القرطبي يذكر بكتبه
ومؤلفاته تفسير أحكام القرآن والتذكرة في أحوال الموتي والأخرة وغيرهم ..
- يطيل عمرك وأنت في الدنيا، بكثرة العمل
الصالح، يطول عمرك، وأنت حي، بكثرة العمل الصالح، ويطول العمر وأنت ميت، هكذا قال صلى
اللّه عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع
به، أو ولد صالح يدعو له"(مسلم ).
أي عمل طيـب وفق الشرع نفع المسلمين، لك
أجره وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كتاب الله عز وجل ينطق بالحق، قال: "إِنَّا
نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا "(يس/12).
قال بعض الصالحين: طوبى لمن مات، وماتت
معه ذنوبه، والويل لمن يموت وذنوبه باقية بعده.
طول العمر مع العمل الصالح يرفع العبد
المسلم درجات ومنازل في الجنة طولُ العُمرِ مع حُسْنِ العَملِ مِن أسبابِ الفلاحِ والتَّفاضُلِ
بين النَّاسِ، والله سُبحانَه وتعالى يُعْطي المُجتهِدَ على قَدْرِ اجتهادِه.عن
طلحة بن عبيد الله :"أنَّ رَجُلَينِ قَدِما على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ، وكان إسلامُهما جَميعًا، وكان أحَدُهما أشَدَّ اجتِهادًا مِن صاحِبِه، فغَزا
المُجتَهِدُ منهما، فاستُشهِدَ، ثم مَكَثَ الآخَرُ بَعدَه سَنةً، ثم تُوُفِّيَ، قال
طَلحةُ: فرأيتُ فيما يَرى النَّائِمُ كأنِّي عِندَ بابِ الجَنَّةِ إذا أنا بهما وقد
خرَجَ خارِجٌ مِنَ الجَنَّةِ، فأذِنَ للذي تُوُفِّيَ الآخِرَ منهما، ثم خَرَجَ فأذِنَ
للذي استُشهِدَ، ثم رَجَعا إليَّ فقالا لي: ارجِعْ؛ فإنَّه لم يَأْنِ لكَ بَعدُ. فأصبَحَ
طَلحةُ يُحدِّثُ به الناسَ، فعَجِبوا لذلك، فبلَغَ ذلك رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ، فقال: مِن أيِّ ذلك تَعجَبونَ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، هذا كان أشَدَّ اجتِهادًا،
ثم استُشهِدَ في سَبيلِ اللهِ، ودخَلَ هذا الجَنَّةَ قَبلَه. فقال: أليس قد مَكَثَ
هذا بَعدَه سَنةً؟ قالوا: بلى. وأدرَكَ رَمَضانَ فصامَه؟ قالوا: بلى. وصلَّى كذا وكذا
سَجدةً في السَّنةِ؟ قالوا: بلى. قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فلَمَا
بَينَهما أبعَدُ ما بَينَ السَّماءِ والأرضِ"(ابن ماجه صحيح).
فخير الناس من طال عمره وحسن عمله