recent
أخبار عاجلة

خير الناس للناس من اطعم الطعام الدرس السادس والعشرون

 

خير الناس للناس من اطعم الطعام

الدرس السادس  والعشرون

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله  حديثنا اليوم عن خير الناس للناس  رجل كريم يطعم الطعام  لقوله صلي الله عليه وسلم :"خيارُكم مَن أطعمَ الطَّعامَ"( أحمد) . وفي رواية قال   صلي الله عليه وسلم :"خيـرُكم مَنْ أطعمَ الطَّعامَ وردَّ السَّلامَ"(أحمد).

   وفي رواية :"أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ"(البخاري) .

 وعن أنس رضي الله عنه قالل: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني عملاً يدخلني الجنة؟ قال: أطعم الطعام وأفش السلام وأطب الكلام وصل بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام"

فإطعام الطعام من خير الأعمال، وهو من أسباب دخول الجنة، وربط أواصر اللحمة والتعاضد بين أبناء المجتمع المسلم الواحد، وهو من أجمع خصال الخير والبر وأوعاها وأكثرها رجاءً في الدنيا والآخرة.

وخير الناس بينه لنا رسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندما سئل  أيُّ أعمالِ الإسلامِ خيرٌ مِن غيرِها، وأفضلُ مِن سِواها بعْدَ الإيمانِ وأداءِ الأركانِ، وذلك إجابةً لأحدِ السَّائلين، وقد ذكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمْرينِ:"

الأوَّلُ: الإكثارُ مِن إطعامِ الناسِ الطَّعامَ، وأراد به قدْرًا زائدًا على الواجبِ في الزَّكاةِ، ويَدخُلُ فيه الصَّدقةُ والهَديَّةُ والضِّيافةُ والوليمةُ، وإطعامُ الفقراءِ ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى؛ لأنَّ إطعامَ الطَّعامِ به قِوامُ الأبدانِ، وتَزدادُ فَضيلةُ إطعامِ الطَّعامِ وبَذْلِه في الوقتِ الَّذي تَزدادُ الحاجةُ له، وذلك في أوقات المَجاعةِ وغَلاءِ الأسعارِ.

وخير الناس يطعم الطعام علي أي حالة سواء كان علي حبه أو في أمس الحاجة إليه كما قال تعالي :" أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ"(البلد:14-16)، فلاحظ: هنا يوم شديد، والناس بحاجةٍ شديدةٍ، ويُعطي هؤلاء الذين هم أشدّ حاجةً: كاليتيم، والصَّغير الذي ليس عنده إلا الفقر والتُّراب، فإن كان قريبًا فالأجر أعظم، فهذا اليتيم ليس له أبٌ يعوله، فهو بحاجةٍ إلى الإحسان، وأولى من المسكين، فقدَّمه على المسكين؛ لأنَّ المسكين يكون كبيرًا، ويتصرف ويذهب هنا وهناك، أمَّا الصغير فإلى أين يذهب؟! هو لا يجد إلا البُكاء، فقدَّمه على المسكين.

وهنا: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ يعني: لو أنَّ إنسانًا أطعم الطعامَ الذي يفضل عن حاجته، فهل يكون ذلك مذمومًا؟

الجواب: لا، فإنَّ هذا الطعام لا يصحّ إلقاؤه في المهملات، بل يُعطي ما بقي منه لمن يأكله، لكن لا يصحّ أن تكون صدقات المسلم مما يكون من هذا القبيل: سواء في الطَّعام، أو في اللباس، أو في الأثاث، أو نحو ذلك، يعني: لا يُعطي إلا ما كان زاهدًا فيه مما رثَّ من الثياب، أو مما يفضل من الطَّعام، أو مما ربما يزهد فيه ويرغب عنه؛ لكثرة الاستعمال والملابسة من الأثاث، لكن هو يُعطي هذا، وله بذلك أجرٌ، ولكن تكون له صدقات أخرى مما يُحبّ، ومن أشرف ماله وأحبّه إليه:" لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"(آل عمران:92).، فلا يبلغ المراتب العالية في الإيمان حتى يُنفق مما يُحبّ.

وخير الناس حاله من حال  السَّلف الصالح  لما سمعوا مثل هذه الآية؛ فهذا أبو طلحة  يقول: "أحبّ مالي إليَّ بيرحاء"، فيجعلها صدقةً لله"، وآخر؛ وهو زيد بن حارثة يأتي بفرسٍ أصيلٍ، ويجعله في سبيل الله، وهو أحبّ ما يملك" وآخر يأتي بجاريةٍ هي أحبّ الأشياء إليه، فيجعلها حرةً، وهكذا.

فكانوا يبحثون عن الأحبِّ إلى نفوسهم، ونحن حينما نأتي لنتصدّق نبحث عن الفئات القليلة،"وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ"(النحل /62). ونحو ذلك، وهذا من تقصيرنا، وضعف نفوسنا، وبُخلنا على أنفسنا، فنحن نبخل على أنفسنا، ولا نبخل على هذا المعطَى، فالواقع أننا نبخل على أنفسنا، ونُريد جنةً عرضها السَّماوات والأرض، ونبحث عن الفئة الأقل، فهذا لا يكون لأهل اليقين، فيحتاج العبدُ أن يدعو الله  أن يُعينه على نفسه.

والله  قد أثنى على أهل الإيمان، قال:"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ"(الإنسان:8)، وهذه أعلى صور إطعام الطَّعام: على حُبِّ الطَّعام، يعني: بحيث يكون الإنسانُ بحاجةٍ، أو يكون ذلك مما تطلبه نفسُه، بخلاف ما لو كان ممن يزهد فيه، أو هو في حال تُخمةٍ وشبعٍ، أو يكون ذلك فضلة عنده، فهذا أقلّ.فهؤلاء الذين يُطعمون الطَّعام على حبِّه، ماذا قال الله   عنهم؟ وماذا قالوا هم أيضًا؟

"إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا  ،   إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا  فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا"(الإنسان/9-11).

وخير الناس الذي يطعم الطعام خاف علي نفسه أن يكون من هؤلاء  أهل النار فمما ذكر الله من أوصافهم التي أدخلتهم النار: "مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ  قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ  وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ  وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ"(المدثر:42-46)، أربع أوصافٍ، ومنها: أنهم ما كانوا يُطعمون المسكين.

قال سعيد بن جُبير : كان المسلمون يَرَون أنهم لا يُؤجَرون على الشيء القليل الذي أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فَيَسْتَقِلُّون أن يُعطوه التمرة والكسرة والجَوْزة ونحو ذلك ، فيردّونه ويقولون : ما هذا بشيء . إنما نُؤجَر على ما نُعْطِي ونحن نُحِبّه .فَنَزَل قوله تعالى :"فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ".. فرَغّبهم في القليل مِن الخير أن يَعملوه ، فإنه يُوشِك أن يَكْثر .

وخير الناس علم أن إطعام الطعام لا يقتصر على الأنام ! بل يتعدّاه إلى الحيوان ، وسائر المخلوقات ..

كما قال صلي الله عليه وسلم"غفَر الله لِرَجُلٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ، فَقَالَ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي ، فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"(البخاري ومسلم).

وفي رواية:""بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ"(البخاري).

ويقول الله عَزّ وَجَلّ لِعَبْده يوم القيامة:"يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي . قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي . يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي . قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي"(مسلم).

وخير الناس علم جيداً أنَّ أفضل الأعمال بعد الإيمان وأداء الأركان والفرائض هو أن يُطعم الطَّعام، والمقصود بذلك أن يبذله لمستحقّيه؛ من ضيفٍ، وقبل ذلك أن يُطعم أهله، فله بذلك أجرٌ، وهكذا أيضًا يُطعم جاره، ويُطعم ابن السَّبيل، ويُطعم الفقراء، إلى غير ذلك، فهذا من أفضل الأعمال.

فالوليمة التي تكون مشروعةً داخلة فيه، وكذلك أيضًا ما يكون من قبيل الإكرام، ونحو هذا من الإحسان، فكلّ هذا يدخل في ذلك، لكن بقيد ألا يكون ذلك على سبيل السّرف، أو يكون ذلك على سبيل الفخر والرياء، أو طلب المحمدة والسّمعة، فإنَّ هذا لا يجوز، ويكون وزرًا عليه.وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم

google-playkhamsatmostaqltradent