
خير الناس للناس
"الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ"
الدرس السابع عشر
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فحديثنا اليوم عن خير الناس للناس
"الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ،"
وخير عباد الله في أمة محمد صلى الله عليه
وسلم الفقراء والمساكين والضعفاء، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ:"كُنَّا
مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ
فَقَالَ:"أَلَا أُخْبرُكُمْ بشَرِّ عِبادِ اللهِ؟ الْفَظُّ"، أي الغليظ
الخَشِنُ الكلام، الذي يتعامل مع عباد الله بفظاظة. (الْمُسْتَكْبرُ)،الذي يتكبر على
عباد الله ويحتقرهم ويزدريهم.
"أَلَا أُخْبرُكُمْ بخَيْرِ عِبادِ
اللهِ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ، ذُو الطِّمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ
لَأَبرَّ اللهُ قَسَمَهُ"(صَحِيح التَّرْغِيبِ).
خير الناس "الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ"
أي: يستضعفه الناس ويحتقرونه، لأن نَفْسُهُ ضَعِيفَةٌ؛ لِتَوَاضُعِهِ وَضَعْفِ حَالِهِ
فِي الدُّنْيَا، وَالْمُسْتَضْعَفُ الْمُحْتَقَرُ لِخُمُولِهِ فِي الدُّنْيَا.(فتح الباري)، المحتقر الذي ليس له ذكر في الناس، وغير
معروف، هذا من خير عباد الله.
وهذا هو ذو الطمرين؛ يعني ليس من الأثرياء
بل هو فقير لا يملك من الملابس إلا الثياب الخلقة البالية.
"لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ هذا الضعيف المستضعف لأَبَرَّهُ" أي: لو أقسم عليه: لتفعلَنَّ يا رب
لي كذا وكذا، ويذكر ما
أحبُّ؛ لأَبرَّ قسمه. أي: فعل الله له ما يكون بفعله قد أبرَّ قسمه.
خيرالناس للناس من عباد الله الضعفاء والفقراء والمساكين، والخاملين الذي ليس لهم
ذكرٌ -في الناس، ولا ذكر- لامعٌ في مجتمعاتهم؛ من أجلِ مظاهرهم في الدنيا، فقد
يكونون عظماءَ المنزلة عند الله -سبحانه و- تعالى، ومن
أحباب الله تعالى.
وقد يكون الضعفُ فقرًا لعدم المال، وقد
يكون الضعف لعدم الرجال، ليس له عشيرة ولا قبيلة وقد
يكون لعدم القوةِ والأيد، لا قوة عنده، فإذا خلق الله تعالى خلقًا ضعيفًا لهذه الأشياء
أو بعضها؛ ليمتحن به عبادَه، فمن يرحمه الإنسان أو يقهره فإنه يكون من أهل الجنة، كما
أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم"
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ
رضي الله عنه قَالَ:"مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ" -وعِلْية القوم
عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه-:"مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟"فَقَالُوا:
هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ وحقيق وجدير إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ
يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ -لأن
أصحاب رسول الله حكموا عليه بالظاهر"ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ"،
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم-:"مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟" قَالُوا:"هَذَا
حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ"توسط
في وساطة أو شيء-"وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ" فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"(البخاري).
قال الزين العراقي رحمه الله:
لا تحسب الفخرَ في لُبس وتدْريعِ
ووصفٍ حَسَنٍ وزيٍّ غير مشروعِ
فربَّ أشعثَ ذي طمرين مدفوعِ
إن قال قولاً تراه غيرَ مسموعِ
لكنه عند ربِّ العرش ذي قَسَمٍ
بَرٍّ إذا رامَ أمراً غيرَ ممنوعِ
عباد الله فلا تغرنكم المظاهر! فالأمور
بالسرائر!
يقول صلي الله عليه وسلم :"ابغوني
الضُّعفاءَ ، فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ"(أبوداود).
خير الناس الضعفاء طلب الرسول صلي الله عليه وسلم التقرب منهم فقال "ابْغُوني"، أي: اطْلُبوا لي "الضُّعفاءَ"، أي: الفُقراءَ ومَنْ لا يُبالي النَّاسُ بِهم لِرَثاثةِ حالِهم وهيئتِهم، وطَلَبُه لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما يَكونُ بالتَّقرُّبِ إليهِم وتَفقُّدِ حالِهم، وحِفْظِ حقوقِهم والإحسانِ إليهم قولًاً وفعلًاً؛ "فإنما تُرْزَقون"،
أي: يَرْزُقُكم اللهُ عزَّ وجلَّ، "وتُنْصَرونَ"، أي: على
عدوِّكُمْ في المعارِكِ ونحوِها "بضُعفائِكُم"، أي: بسَببِ كَونِهم بينَ
أظْهُرِكم ورِعايتِكم لهم، وبَرَكةِ دُعائِهِم، والنُّصرةُ بالضُّعفاءِ تكونُ مع أخْذِ
الأُمَّةِ بأسبابِ النَّصرِ الأخرى أيضًا؛ من إقامةِ دِينِ اللهِ جلَّ وعلا، والعدلِ،
والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، وعدمِ التفرُّقِ أحزابًا وشِيعًا، وغيرِ ذلك
من أسبابِ النَّصرِ.
وقوله صلى الله عليه وسلم:"هَل تُنْصَرون وتُرْزَقُون
إِلاَّ بِضُعَفَائِكُم؟"بيانُ فَضْلِ ضُعفاءِ المسلِمينَ. والتَّحْذيرُ مِنَ التَّكبُّرِ على الفُقراءِ والضُّعفاءِ،والحثُّ على
جَبْرِ خواطِرِهم، وعلى حُبِّهم.
فخير الناس الضعفاء سبب للنصر، وسبب للرزق
في الأمة، فإذا حَنَّ عليهم الإنسان وعَطَف عليهم وآتاهم مما آتاه الله عز وجل ؛ كان
ذلك سبباً للنصر على الأعداء، وكان سبباً للرزق؛ لأنَّ الله تعالى أخبر أنَّه إِذَا
أنفق الإنسان لرَبِّه نفقة فإِنَّ الله تعالى يُخلِفُها عليه. قال الله تعالى :"وما
أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"يُخلفه:"أي يأتي بخَلَفِه وبدله"
لذلك أوصي بهم النبي صلي الله عليه وسلم وجعل الأجر العظيم
والثواب الجزيل في السعي عليهم وقضاء حوائجهم فقال:"الساعي على الأرملة والمسكين
كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر"(متفق عليه).
عباد الله خير الناس للناس عبد ضعيف مستضعف فقير إلي الله لو أقسم علي الله لأبر الله
قسمه ..
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم