
خير الناس للناس
خيرهم لجاره
الدرس السادس عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أما بعد
فياجماعة الإسلام
فحديثنا اليوم عن خير الناس للناس "
خيرُهم لجارِه"، أي: بالإحسانِ إليه، وكفِّ الأذَى عنه، ورفْعِ ما به مِن كُربٍ،
وإهدائِه مِن الطَّعامِ، وكافَّةِ صُورِ الإحسانِ والتَّعاونِ مِن الجارِ لجارِه.
فخير الناس أحسن المعاملةِ مع الأصحابِ
والجيرانِ،
وخيرَ النَّاسِ لجيرانِه مِن أفضلِ النَّاسِ عندَ
اللهِ سبحانه وتعالى؛ فهو بمنفَعتِه لأصحابِه وجيرانِه يَدخُلُ في أبوابٍ كثيرةٍ مِن
الخيرِ حثَّنا الإسلامُ على فِعلِها.
وقوله صلى الله عليه وسلم:"وخير الجيران
عند الله تعالى خيرهم لجاره".
فالدين يعلمك أن تعمل العمل ولا تنتظر المكافأة
عليه من الناس؛ لأنك إذا انتظرت المكافأة من الناس فإنهم سيتعبون منك، فاعمل لله تبارك
وتعالى، ولا تنتظر أجراً ولا مدحاً ولا شكراً من الناس؛ لكن انتظر الأجر من الله عز
وجل.
والمعاملة مع الناس متعبة ومع الله مريحة
جداً، فالمسلم يتعامل مع الله، فيحب في الله لأجل أن يحبه الله عز وجل.
ويكرم جاره لكي يكون أفضل عند الله تبارك
وتعالى، فلا يكرمه لأجل أن يبادله بالإكرام.
والجار إذا تغاضى عن جاره ونظر للأجر والثواب
عند الله عز وجل وأن الأجر على قدر العمل والمشقة فإنه سيستريح من الجار ومن الناس
لأنه انتظر من الله عز وجل خيره وبره ورحمته سبحانه.
والمؤمنون يتفاوتون في درجات الجنة، فبعضهم
أعلى درجة من البعض الآخر، لأنهم كانوا أحسن خلقاً ويكرمون الجيران وكانوا خير الأصحاب.
وخير الناس للناس خير الجيران علم أن الاهتمام بالجار من أساسيات أخلاق المسلم،
وأنه كلما انتشر خيره للجار
كلما ازداد له الأجر، وثبتت لكه البركة،
كما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم- :"خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ
وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ ".
فكانت الخيرية لمن كان سباقاً للإحسان إلى جاره، وذلك لأن الجار لما كان مأمورا
بالإحسان إلى جاره كان المتمسك به مستوجباً للثواب، فمن كان أكثرهم حظاً من ذلك
كان أعظمهم ثواباً عليه فكان عند الله خيرهم في
الضيافة.
وخير الناس اعتبر بصحابة رسول الله صلي
الله عليه وسلم فكان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في ذلك، فقد جاء الحديث أن
رجلاً أراد أن يصلح جدرا حائطه فاعترضته نخلة كانت لجاره، ولا يتم إصلاح الجدار إلا
بإزالتها، فذهب إلى جاره يستأذنه بإزالتها فرفض، ثم عرض عليه أن يبيع له هذه النخلة
فرفض، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم
للرجل: "أعطها له ولك نخلة في الجنة، فقال: لا أريد، فسمع أبو الدحداح رضي الله
تبارك وتعالى عنه ذلك، فقال: أنا أشتريها منه يا رسول الله، فذهب إلى الرجل وساومه
على أن يعطيه حائطه ثمن هذه النخلة، وكان في هذا الحائط ستمائة نخلة، فوافق الرجل.
فذهب أبو الدحداح إلى امرأته وأولاده وقد
كانوا في الحائط فناداهم بأن يخرجوا من الحائط"، أي: فإنه قد باعه بنخلة في الجنة،
فأخذ زوجته وأولاده وترك الحائط لهذا الإنسان وصارت له نخلة في الجنة، والنخلة في الجنة
شيء عظيم جداً، ولكن هذا الجار بخل، ولذلك ساء خلقه ولم يستجب لأمر النبي صلى الله
عليه وسلم لكن أبا الدحداح رضي الله عنه عرف وعد النبي صلى الله عليه وسلم وما في الجنة
من أشياء عظيمة، فلما مات أبو الدحداح ومشى النبي صلى الله عليه وسلم في جنازته فقال:
"كم من عذق رداح لـ أبي الدحداح"، والعذق هو العرجون.
أي: كم من نخيل كثير لهذا الرجل العظيم
أبي الدحداح مقابل ما فعله، وكان هيناً عليه أن يفعل ذلك؛ لأنه رباه النبي صلى الله
عليه وسلم على حب الله عز وجل، وعلى حب رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إكرام المسلمين؛
فرضي الله تبارك وتعالى عنه.
إذاً: خير الجيران عند الله تعالى خيرهم
لجاره، والإنسان يكرم جاره ولا ينتظر منه جزاءً ولا شكوراً، لكي ينال الفضل من الله
تبارك وتعالى.
وخير الناس لايفرق بين جار مسلم وغيره ذمي أو مشرك فالجار هو مَن جاورك، سواءٌ
كان مسلماً أو غير مسلم، والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم، فهناك الجار المسلم
ذو الرحم، وهناك الجار المسلم، والجار المشرك ذو الرحم، والجار غير المسلم الذي
ليس برحم، وهؤلاء جميعاً يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها
بحسب حاله ورتبته.
وقد اهتم ديننا الإسلامي بالجار، وبالغ في الوصاية به، وفي التسامح معه، بل أعطاه
حقوقاً تشبه حقوق الأقرباء، يقول صلى الله عليه وسلم –: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي
بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"(متفق عليه).
خير الناس للناس رجل أمن بالله واليوم الآخربالإحسان إلى جاره، لقوله صلى الله عليه
وسلم- قَالَ :"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ"(مسلم).
وخير الجيران لجاره علم أن الذي لا يأمن جيرانه شره ناقص الإيمان فأحسن لجاره
لقوله صلى الله عليه وسلم – ق " وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ " . قِيلَ
وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ
"أي غوائله وشروره"(البخار ومسلم).
وخير الناس عندما يقرأ بعض النصوص التي تبين حق الجار وتوضح ما يجب له يزداد
يقيناً وثقة بهذا الدين حيث يتجلى له كماله وشموليته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وأن
ليس للبشرية غنى عنه، ومنها قوله تعالى:"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا
فَخُورًا" (النساء/36).
ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله عز وجل
بالإحسان للجار سواء كان ذا قرابة أم لا قيل
للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعلُ،
وتصدقُ، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا خير فيها،
هي من أهل النار”. قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحداً؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هي من أهل الجنة "(البخاري).
خير الناس ضبط نفسه وعرف حقوق جيرانه فيتعاهدهم بالطعام إذا كانوا محتاجين كما
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ".
ومن الآداب والضوابط التي جعلها الإسلام للعلاقة بين الجيران : كف الأذى عنه:
كما قال صلى الله عليه وسلم – قَالَ "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ،
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا
أَوْ لِيَصْمُتْ"(البخاري) .
ومن الآداب والضوابط التي جعلها الإسلام للعلاقة بين الجيران : ستره وصيانة عرضه
لقوله صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ :"مَا تَقُولُونَ فِى الزِّنَا " قَالُوا حَرَّمَهُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
لأَصْحَابِهِ :"لأَنْ يَزْنِىَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِىَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ ". قَالَ
فَقَالَ " مَا تَقُولُونَ فِى السَّرِقَةِ ". قَالُوا حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِىَ حَرَامٌ. قَالَ "لأَنْ يَسْرِقَ
الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ ".
ومن الآداب والضوابط التي جعلها الإسلام للعلاقة بين الجيران : تفقده وقضاء حوائجه:
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى
جنبه وهو يعلم"(صحيح الترغيب)،
والصالحون كانوا يتفقدون جيرانهم ،ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية
تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها
الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول،
ولما ذبح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شاة، قال لغلامه: “إذا سلخت فابدأ بجارنا
اليهودي” عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ
فَإِلَى أَيِّهِمَا
أُهْدِى قَالَ "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا "( البخاري).
وخير الناس علم أن إيصال الخير إلى الجار يكون بكل الطرق فالاعتناء بالجار وحقوقه
من صفات أهل الإيمان كما ورد:" فإذا استعانك فأعنه، وإذا استقرضك فأقرضه، وإذا مرض فعده، وإذا أصابه خير فهنئه، وإذا أصابته مصيبة فعزه، وأظهر السرور بما أسره، واصفح عن زلاته، ولا تطلع على عوراته، واستر ما انكشف لك منها، ولا تضايقه، ولا تطرح القمامة أمام بابه، ولا تضيق عليه الطريق، فحري بالمسلم ألا يؤذي جيرانه وان يرعى حقوقهم، ويصون أعراضهم ،
فخير الجيران خيرهم لجاره
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه
وسلم