
خير
الناس الإمام الذي يحبنا ونحبه

الدرس الثالث والعشرون
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله وبعد
فلا زلنا نواصل الحديث حول خير الناس
للناس ومعنا اليوم الإمام والحاكم المحبوب ..
لقوله صلي الله عليه وسلم "خِيارُ
أئِمَّتِكُمْ الذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ وتُصلُّونَ عَلَيْهِمْ ويُصَلُّونَ
"(مسلم).
نعم يقول صلي الله عليه وسلم :"خِيارُ أئِمَّتِكُمُ
الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّونَ علَيْكُم،
وشِرارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعَنُونَهُمْ
ويَلْعَنُونَكُمْ، قالوا: قُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، أفَلا نُنابِذُهُمْ عِنْدَ ذلكَ؟
قالَ: لا، ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، ألا مَن
ولِيَ عليه والٍ، فَرَآهُ يَأْتي شيئًا مِن مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ ما يَأْتي
مِن مَعْصِيَةِ اللهِ، ولا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِن طاعَةٍ"(مسلم).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
يَحرِصُ على تَوضيحِ أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا للمسلِمين، وقدْ أمَرَ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ النَّاسَ أنْ يَلْزَمُوا السَّمْعَ والطَّاعةَ لولاةِ أُمورِهم؛ لِمَا
في الخُروجِ عليهم مِنَ المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن
شَقِّ عَصا الطَّاعةِ ومُفارَقةِ الجَماعةِ، أو إلحاقِ الضَّررِ بالمسْلِمين.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ خِيارَ أئِمَّةِ المسلِمين ووُلاةِ الأُمورِ -سَواءٌ كان الإمامَ
الكبيرَ في البلدِ، وهو السُّلطانُ الأعلَى، أو كان مَن دُونَه- هم الَّذِينَ عَدَلوا
في الحُكم، فتَنعَقِد بيْنهم وبيْن المحْكُومين مَودَّةٌ ومَحبَّةٌ، "وتُصلُّون
عليهم ويُصَلُّون عليكم"، والصَّلاة هنا بمعنى الدُّعاءِ، أي: تَدْعُونَ لهم ويَدْعون
لكم، ثمَّ ذكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ شِرارَ الأئمَّةِ والوُلاةِ
هُم الَّذين يُبغِضُهم النَّاسُ ويَكرَهونَهم، وهُم أيضًا يُبغِضُون النَّاسَ ويَكرَهونَهم،
ويَلْعَنُهم النَّاسُ وهُم أيضًا يَلْعَنونَ النَّاسَ، ويَدْعُو عليهم النَّاسُ، ويَدْعُون
على النَّاسِ؛ فالبُغضُ واللَّعنُ مُتبادَلٌ بيْن الحُكَّامِ والمحْكومينَ.
فسَألَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:"أفَلا نُنابِذُهم عندَ ذلكَ؟" أي: نُفارِقُهم مُخالَفةً وعَداوةً لهم، ونُجاهِرُهم ونَتصدَّى لهم بالسَّيفِ والحرْبِ، فنَهاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن مُنابَذَتِهم، وهو طَرْحُ عَهْدِهم ومُحارَبَتِهم،"ما أقاموا الصلاةَ"، أي: مُدَّةَ إقامَتِهِمُ الصَّلاةَ؛ لأنَّها عَلامةُ اجتِماعِ الكلمةِ في الأُمَّةِ، ثمَّ كرَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قولَه:"لا،ما أقامُوا الصَّلاةَ" للتَّأكيدِ،
ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
أنَّه إذا وَلِيَ أمْرَ المسْلِمين وَالٍ، فرَأى أحدُهم الحاكمَ ووَليَّ الأمرِ يَأتي
شيئًا مِن مَعْصِيةِ الله، فَلْيَكْرَهِ الفعلَ الَّذي يَفعَلُه الحاكمُ العاصي، ولْيُنْكِرْه
إنِ استَطاع بلِسانِه، فإنْ لم يَستَطِعْ فبِقَلْبِه،"ولا يَنْزِعَنَّ يدًا مِن
طاعةٍ" بخَلعِ الحاكمِ والخُروجِ عليه، وهذا حثٌّ على إنكارِ المنكَرِ على وُلاةِ
الأمورِ، إلَّا أنَّ ذلكَ لا يُبِيحُ نزْعَ الطَّاعةِ الواجبةِ لهم، بلْ يَجِبُ الصَّبرُ
عليهم.
وخير الناس إمام أقام الصلاة فلم يخرج عليه الناس والتزموا بطاعته على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ.
فهو من أئمة الصلاة وممن يرفق بهم وحرص علي ألا يشق عليهم لأنه علم أن من
ولي شيئا من أمر المسلمين ولم يرفق بهم، دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليه فقال:
اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي
شيئاً فرفق بهم فارفق
به"(مسلم).
وحذره صلى الله عليه وسلم من التخاذل نحو رعيته فقال : ما من عبد يسترعيه الله
رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة"(البخاري).
وخير الناس الإمام العادل علم أنه إذا لم يعدل وكرهه الناس والرعية فصلاته هذه لن
ترفع فوق رأسه شبراً واحداً
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم
شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون.. الحديث"(ابن ماجه). وقوله صلى الله عليه
وسلم: " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها
عليها ساخط ، وإمامُ قومٍٍ وهم له كارهون"(الترمذي).
فحرص علي أن لاتكون بينه وبين عامة
البشر عداوة من أجل نقص في ديانته
أما العداوة التي تكون بين المأمومين والإمام بسبب الدنيا، أو بسبب تمسكه بالدين
والسنة أو كان أحق منهم بالإمامة فلا كراهة. والكراهة عليهم"والعتب على من كره.
(المجموع: 4/172).
وخير الناس إنسان تعلق قلبه بالله ويحكم في ملك الله بإرادة الله فهو يحكم بين الناس
بالعدل وعلم يقيناً أنه لا تآمر على الله لملك .. ولا كيد على الله لحكم .. لأنه لن يحكم
أحد فى ملك الله إلا بمراد
الله فاطمئن قلبه وشغل نفسه بمصالح العباد والبلاد..
وخير الناس علم أن قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء فحرص
علي إقامة الصلاة وأن يتمسك الرعية بالصلاة والصلاح حتي لايصرف الله قلبه عليهم
بالسخط والنقمة فيأثم ويأثمون..
كما ورد في الأثر:"إن الله يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع أكفكم ملوككم."(الطبراني). وقيل رواه جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قرأ في الكتب هذا الكلام وهو أشبه بالصواب.
نعم فخير الناس للناس الإمام الحاكم المحبوب كما قال صلي الله عليه وسلم "خِيارُ أئِمَّتِكُمْ
الذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ وتُصلُّونَ عَلَيْهِمْ ويُصَلُّونَ
"(مسلم).
اللهم أرشد الأئمة لصلاح الأمة يارب العالمين
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم