recent
أخبار عاجلة

كل ابن آدم خطأ وخير الخطأين التوابون

 


كل ابن آدم خطأ وخير الخطأين التوابون


الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالِمينَ , فَتَحَ بَابَ التَّوبَةِ للتَّائِبِينَ , وَوَعَدَ بِالمْغَفِرَةِ للمُسْتِغْفِرِينَ وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
أمَّا بّعْدُ : فيا عِبَادُ الله : مِن رَّحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ وَكَرَمِهِ , أَنْ فَتَحَ لَهُم بَابُ التَّوبَةِ لِيِتُوبُوا ، تَكْفِيرًا لِسيِّئَاتِهِم ورَفْعًا لِدَرَجَاتِهِم , مِنَّةٌ عَظِيمَةٌ لا يُمْكِنُ الاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا أَبَدًا ، حَاجَتُنَا إلَيهَا كَحَاجَةِ العَطْشَانِ للمَاءِ البَارِدِ .

والتَّوبَةُ النَّصُوحُ : هي الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةً شَرْعَاً إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةً شَرعَاً، يَصْحَبُهَا النَّدَمُ والرُّجُوعُ والإقْلَاعُ , قَال تعالي :" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ, فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً"(النساء:17). 
"وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً"(النساء/110) .
 ـ فَإِذَا لَجَأَ المُذْنِبُ إلَى رَبِّهِ مُعْتَرِفَاً بِذِنْبِهِ ، نَادِمَاً عَلَى فِعْلَتِهِ ، غَيرَ مُصِرٍ عَلَى خَطِيئَتِهِ ، لا شَكَّ أنَّ اللهَ سَيُكَفِّرُ عَنْهُ سِيِّئَاتِهِ ويَرْفَعُ مِنْ دَرَجَاتِهِ. 

مِصْدَاقَاً لقوله تعالي :" قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ"(الأنفال/38).
"أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "(المائدة/74)
  فَتَحَ الله لنَا أَبوَابَ التَّوبَةِ رَحْمَةً بِنَا لِنَسْتَغْفِرَهُ وَنَتوبَ إلَيهِ , كَمَا في الحَديثِ القُدُسِي:"يَا عَبَادِي إنَّكُم تُخْطِئُونَ باللَّيلِ والنَّهَارِ وأَنَا أَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا فَاْسْتَغْفِرُونِ أَغْفِر لَكُم ..(مسلم).
وَقَدْ حَذّرَ مِنَ اليَأْسِ والقُنُوطِ مِن رَّحْمَتِهِ , قالَ تَعَالى :"قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ"(الزمر/53) .
فَلا تَظُنَّ يَاعَبدَ اللهِ بِرَبِّكَ إلا خَيرًا , فَلَا تَنْظُر كَثْرَةِ ذُنُوبِكَ وَتَسْتَعْظِمَهَا , وتَنْسَى رَحْمَةً الغَفارِ وسِعَتِهَا , فَهَذَا مِن تَدْلِيسِ الشَّيطَانِ وَمَكَائِدِهِ , بَل يَجِبُ أَن تَعْتَقِدَ وتَعِي جِيَّدًا , أنَّ رَحْمَةَ اللهِ أَوسَعُ وَأَعْظَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ, قال تعالي: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"(الأعراف 156 ), فَمَتَى أَخَذَ العَبْدُ بِبُنُودِ التَّوبَةِ والاسْتِغْفَارِ , يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا :"وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى"(طه/82) .

أَخِي في اللهِ : مَتَى تَدَنَّسْتَ بِشَيءِ من الذُّنُوبِ والآثَامِ, فِبِادِر بِغَسْلِهِ بمَاءِ التَّوبَةِ والاسْتِغْفَارِ:"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "(البقرة/222).

وَرَدَ في الصَّحِيحِينِ:" إذِا أِذْنَبَ عَبدُ فَقَالَ :" رَبِّ إنِّي عَمِلْتُ ذَنباً فَاغْفِر لِي , فِقِال اللهُ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَذَكَرَ مِثْلَ الأَوَّلِ مّرَّتَينِ أّخَرَيْينِ حَتَّى قَال فِي الرَّابِعَةِ : فَلْيَعمَل مَا شَاءَ"(البخاري ومسلم)،

 مَا دَامَ العَبدُ عَلى هَذِهِ الحَالَة , كَلَّمَا أَذْنَبَ ذَنْبًاً اسْتَغْفَرَ مِنْهُ غَيرَ مُصِرِّ ولِا مُسْتَهْزِئِ , فَهُو فِي طَرِيقِ الخَيرِ إن شِاءِ الله . عن جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى النبي صلي الله عليه وسلم  وهو يَقُولُ : وَاذُنُوبَاهُ مَرَتَينِ أو ثَلاثًاً فَقَال لَهُ النبي صلي الله عليه وسلم  : "قُل اللَّهُم مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ لِي مِن ذُنُوبِي، وِرِحْمَتُكَ أَرْجَى عِنْدِي مِن عَمَلِي ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَعِدْ فَأَعَادَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَعِدْ فَأَعَادَ فَقَالَ : قُمْ فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ"(الحاكم وصححه ).

وعن عُقبةَ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً أَتَى النبي صلي الله عليه وسلم   فقَال: يَا رَسُولَ الله : أَحَدُنَا يُذْنِبْ ، قَالَ : يُكْتَبُ علَيهِ. قَال : ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ مِنْهُ قَال : يُغفرُ له ويَتَابُ عَلَيه . قَال  : فَيَعُودُ فَيَذْنِب. قَال: يُكْتُب عَلَيهِ. قَال: ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ منْهُ ويَتُوبُ. قَالَ: يُغْفَرُ لهُ ويَثَابُ عَلَيه. ولا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا"(الحاكم وصححه). 
                       
إيُّهَا المُؤمِنُون : عَلَيكُم بالتَّوبّةِ النَّصُوحِ كمَا أَمَرَكُم ربُّكُم فَقَال :"يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ"(التحريم/8). أي : صَادِقَةِ جَازِمَةِ , تَمْحُوا مَا قَبلَهَا مِن السِّيِّئَاتِ , وتَكُفُ التَّائِبَ عَمَّا كانَ يَتَعَاطَاهُ من الدَّنَاءَآت . قال عُمَرُ بن الخَطَابِ :" تَوبَةً نَصُوحَاً : أَنْ يَتُوبَ مِن الذَّنبِ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ , أِو لِا يُرِيدُ أَن يَّعُودَ فِيهِ " .

إيها النَّاسُ: إن للتَّوبَةِ شُرُوطًا يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا والأَخْذُ بِهَا ومنها :"
أَوَلا : الإقلاع عن الذنب :"أنْ يُقْلِعَ عن الذَّنبِ في الحَاضِرِ فوراً ..

ثانياً :الندم علي مافعل :"ويَنْدِمَ علَى مَا سَلَفَ مِنْهُ في المّاِضي , لأِنَّ النَّدَمَ تَوبَةً  كَمَا في الحَدِيثِ . 

ثالثاً :العزم علي أن لايعود:" ويَعْزِمَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلُهُ في المُسْتَقْبَلِ , بِحِيثُ لا يَصِرُّ عَلى المَعْصِيَةِ , لأنَّ الاصْرَارَ على المَعْصِيَةِ مَعْصِيةُ , قال تَعَالى :" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"(آل عمران/135).  

رابعاً : رد المظالم إلي أهلها:" وردالمظالم "| ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَيهِ حّقُّ لأّدّمِي رِدَّهُ إلِيه . لِقَولِ النبي صلي الله عليه وسلم : "مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه"(البخاري).

ولنعلم جميعاً  : أنَّ الذُّنُوبَ مَهْمَا عَظُمَتْ وكَثُرَت , فإنَّ بَابَ الرَّحْمَةِ والانَابَةِ أَوسَع .
 وليست التَوبةُ مقْتصِرَةَ عَلَى العُصَاةِ والمُذْنِبِينَ فَحَسْب , بل تَجِبُ على النَّاسِ قَاطِبَةً عَلى الدَّوَامِ:"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ".
اللهم تب علينا لنتوب 
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 

google-playkhamsatmostaqltradent