recent
أخبار عاجلة

هل نعمة الأمن تقدم علي الرزق والعقيدة والصحة وسائرالنعم؟

 


هل نعمة الأمن  تقدم علي الرزق والعقيدة والصحة وسائرالنعم؟ 

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد 

فالأمن والأمان نعمة من الله عزوجل ما بعدها نعمة فهي من أجل نعم الله علي بني خلقه لأن الإنسان إن لم يكن في أمن واستقرار وطمأنينة لا بهنأ بعيش ولا ينعم بحياة..  فتارة:

يقدمه علي الرزق ولقمة العيش 

 ذكر الله عزوجل الأمن علي لسان خليل الله إبراهيم في القرآن الكريم أكثر من مرة مقدماً علي الرزق ولقمة العيش فيقول تعالي :"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.."(البقرة/126).

وتارة يقدمه علي العقيدة

فيقول تعالي:"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ"(إبراهيم/35).

وناسب هذا هناك ,وكأنه وقع دعاء في مرة ثانية بعد بناء البيت ,واستقرار أهله به بعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سناَ من إسماعيل .(ابن كثير 1/251).

وتقديم  خليل الله إبراهيم في دعائه نعمة الأمن علي غيرها من النعم لأنها أعظم أنواع النعم ولأنها إذا فقدها الإنسان اضطرب فكره وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة ، وبقلب خال من المنغصات المزعجات .

وأيضاَ قدم طلب الأمن للبقعة التي وضع فيها هاجر وإسماعيل قبل طلب الرزق ,لأن الأمن مقدم علي الرزق ,وظلت مكة تنعم بالأمن ببركة دعوة الخليل حتي جاءها رسولنا صلي الله عليه وسلم وهم علي شركهم ,والله يؤمنهم ,ولما دعاهم الرسول إلي الإسلام خافوا من إتباعه أن يفقدوا هذا الأمن ,فعاب الله سبحانه عليهم ذلك كيف يؤمنهم وهم علي شركهم ولا يؤمنهم إذا اتبعوا الرسول صلي الله عليه وسلم :"وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ   نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"(القصص/57).

كما قدم المولي عز وجل نعمة الأمن علي الهداية

فالمؤمن الموحد بالله يركن إلي ركن شديد ,فلا يخاف ,فهو في أمن دائم ,وهو الأحق بالأمن ,لأنه يعلم أنه سوف يحصل علي إحدى الحسنيين :النصر أو الشهادة,وهو لم يجعل لربه نداَ ولا شريكاَ ولا شبيهاَ ولا نظيراَ قال تعالي:"الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ  الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ "(الأنعام/82).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت الآية شق ذلك علي الناس ,وقالوا يا رسول الله ,أينا لم يظلم نفسه ؟قال :إنه ليس الذي تعنونه ,ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح :"يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ   بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ "إنما هو الشرك ".(البخاري).

والمؤمن وإن كان في أمن إلا أنه يسعي أيضاَ لتحصيل أسباب الأمن ,ولا يفرط في هذه الأسباب فعن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عائشة قالت : " سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة قال ليت رجلاَ صالحا يحرسني الليلة قالت فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة السلاح فقال من هذا فقال سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك فقال سعد وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام "(قال الترمذي: حسن صحيح).

وكان النبي صلي الله عليه وسلم يُحرس حتي نزلت الآية في المائدة,عن عائشة قالت :  كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " (المائدة: 67).   فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله "(الترمذي).

فالمؤمن آمن ويؤمن إخوانه المؤمنين ما استطاع إلي ذلك سبيلاَ,وهذا هو قول يوسف الصديق لإخوته :" ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ"(يوسف/99).

أي :آمنين من المكاره والقحط ومن السوء,وكان دخولهم مصر بركة لأهلها وزاد من أمنها قال ابن كثير:"إن الله رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم,كما رفع السنين التي دعا بها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أهل مكة حين قال :"اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ."(متفق عليه).ثم لما تضرعوا إليه واستشفعوا لديه ,وأرسلوا أبا سفيان في ذلك فدعا لهم,فرفع عنهم بقية ذلك ببركة دعائه عليه السلام .(ابن كثير 2/660).

وقدم الأمن من الخوف :علي الجوع والفقر 

كما قدم المولي عزوجل الأمن من الخوف :علي الجوع والفقر وموت الأهل والأحبة وتلف الزروع والثمار فقال تعالي :"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"(البقرة/155-157).

والمعنى : ولنصيبنكم بشيء من الخوف وبشيء من الجوع ، وبشيء من النقص في الأنفس والأموال والثمرات ، ليظهر هل تصبرون أو لا تصبرون ، فنرتب الثواب على الصبر والثبات على الطاعة ، ونرتب العقاب على الجزع وعدم التسليم لأمر الله - تعالى - .(الوسيط د/سيد طنطاوي).

الأمن مقدم علي الصحة :

في الحديث الصحيح :" من أصبح منكم أمناً في سربه  معافاً في بدنه عنده قوت .. فقدم الرسول صلي الله عليه وسلم الأمن علي الصحة والعافية ..

وقال الإِمام الرازي:"سئل بعض العلماء : الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل ، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان ، ولا يمنعها هذا الكسر من الإِقبال على الرعى والأكل والشرب .

ولو أنها ربطت - وهى سليمة - في موضع ، وربط بالقرب منها ذئب ، فإنها تمسك عن الأكل والشرب ، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت .

وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف ، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد .

 قدم الأمن علي العافية والصحة والقوت والرزق

لذلك قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الأمن علي العافية والصحة والقوت والرزق فقال :"من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"(الترمذي وصححه الألباني).‌

وقرن المولي عزوجل الإطعام والأمن

فمن البديهيات التي لا يختلف عليها العقلاء؛ أنه لا يمكن أن تقوم حياة إنسانية كريمة إلا في ظلال أمنٍ وافرٍ، يطمئن الإنسان معه على نفسه وأسرته ومعاشه، ويتمكَّن في ظله من توظيف ملكاته وإطلاق قدراته للبناء والإبداع، وقد جمع الله في الامتنان على قريش بين نعمتَي الأمن والإطعام؛ ليبيِّن أن إحداهما لا تقلُّ أهمية عن الأخرى، ولا تُغني عنها،وأمرهم الله سبحانه وتعالي أمراَ جازماَ بالتوحيد ومتابعة النبي صلي الله عليه وسلم ,وأن ذلك أقل ما يكون في مقابلة نعمة الأمن التي يشعرون بها دون غيرهم من العرب فقال تعالى:"فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ .الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"(قريش/4,3).

وقرن النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان بالأمن

فقال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ" (الترمذي وصححه).   المسلم الحقيقي الذي تظهر عليه آثار الإسلام وشعائره وأماراته، هو الذي يكف أذى لسانه ويده عن المسلمين، فلا يصل إلى المسلمين منه إلا الخير والمعروف.

وفي واقع المسلمين اليوم قد تجد الرجل محافظاً على أداء الصلاة في وقتها، وقد تجده يؤدى حق الله في ماله فيدفع الزكاة المفروضة، وقد يزيد عليها معواناً للناس يسعى في قضاء حوائجهم، وقد تجده من حجاج بيت الله الحرام ومن عُمّارة، ولكن مع هذا الخير كله قد تجده لا يحكم لسانه ولا يملك زمامه، فينفلت منه لسانه فيقع في أعراض الناس ويمزق لحومهم!! فلا يستطيع أن يملك لسانه عن السب والشتم واللعن.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، وقد تجد الرجل مع ما فيه من الخير والصلاح لا يملك لسانه عن الغيبة والنميمة، ولا يملكه عن شهادة الزور وقول الزور، وقد لا يكلف لسانه عن همز الناس ولمزهم، فيجره لسانه ويوقعه في كثير من الأخطاء والبلايا، فمثل هذا النوع من الناس قد فقد صفة من أبرز وأهم صفات المسلم الحقيقي.

وهناك نوع آخر من المسلمين يختلف عن النوع السابق فقد تجده يحكم لسانه ويقل به الكلام، ولكنه يؤذى المسلمين بيده، فيضرب بيده أبدان المسلمين، اعتدى على أموالهم فيسرقهم، أو يسلبهم حقوقهم أو يظلمهم فهذا أيضاً قد فقد إمارة من الإمارات الظاهرة التي تدل على إسلام المرء وعلى إيمانه.

وعلى هذا فلا يكتمل إسلام عبد حتى يحب المسلمين ويترك إيذاءهم بلسانه، ويترك إيذاءهم بيده ولا يتم إسلام عبد وأيمانه حتى يشغل لسانه في الأعمال التي يكون فيها نفع له في الدنيا والآخرة، فيُعمل لسانه في تلاوة كتاب الله وفي ذكره سبحانه وتعالى، ويُعمل بلسانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر العلم النافع أو تقديم النصيحة والمشورة المفيدة النافعة وغير ذلك من المصالح التي تعود بالنفع العاجل على المرء وعلى إخوانه المسلمين.

ولو تحقق أن كف المسلم لسانه عن إيذاء الناس وكف يده كذلك عن إيذاء الناس فلا يكسب بيده شراً وإنما يُعملها في الخير والنفع، ولو تحقق هذا لصار المسلم آمناً في سفره وفي إقامته وفي بيته وخارج بيته ولصار مجتمع المسلمين مجتمعاً فاضلاً على ما يحب الله ورسوله.ولساد الأمن والأمان مجتمع الإسلام.

google-playkhamsatmostaqltradent