
خير الناس للناس الداعي إلي الخيرالممسك عن الشر
الدرس العاشر
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله لازلنا نواصل الحديث عن
خير الناس للناس وخيرهم الذي
معنا اليوم هو الداعي إلي الخير الممسك عن
الشر
يقول صلي الله عليه وسلم :"خيـرُكم
من يُرجَىٰ خيرُهُ ويُؤمٓنُ شَرُّهُ"(الترمذي).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى أُنَاسٍ جُلُوسٍ فَقَالَ أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ قَالَ فَسَكَتُوا فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ رَجُلٌ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا قَالَ خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى
خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ "(الترمذي وأحمد).
الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه
ما يجعلهم يميزون به بين حال خيرهم عن شرهم قائلًا ان المراد أخبركم بما يميز بين الفريقين
قالوا : بلى قال :"خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره" أي من يؤمل الناس الخير
من جهته ويأمنون الشر من جهته"وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره" أي وشركم
من لا يؤمل الناس حصول الخير لهم من جهته ولا يأمنون من شره.
وقال الماوردي : يشير بهذا الحديث إلى أن
عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال
وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف، وهذه أمور إن
لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء ففسدوا وأفسدوا .
وفي رواية أخرى لنفس الحديث عن أبي هريرة
قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ناس جلوس فقال : ألا أخبركم بخيركم من شركم
فسكتوا فقال ثلاثا فقال له رجل : يا رسول الله أخبرنا فذكره، وكان صمتهم في البداية
خوفًا من الفضيحة أن يعرف من فيهم الخير والشر، لكن حين قال النبي حديثه قاله في العموم
ولم يخص به أحد.
أجمل ما في الدنيا أن تألف وتؤلف ، وتحب
وتُحب ، فإذا ألمت بك شدة وجدت القاصي والداني والقريب والغريب حولك..حباً لا تملقاً
، ومشاركة لا عطفاً ، ومودة لا شفقة ، وهذا المنهج هو ما حرص على ترسيخه الإسلام ليجعل
من المجتمع نسيجاً فريداً رائعاً ، فلما كان المعنى الجامع بين المسلمين الإسلام ،
فقد اكتسبوا به أخوة أصيلة ووجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض ، وكلما ازدادت المخالطة
وصفاً زادت الحقوق ، مثل القرابة والمجاورة والضيافة والصحبة والصداقة والأخوة الخاصة
في الله عز وجل
خير الناس قوي الإيمان عبد رجي خيره وأمن شره ، ومتى ضعف قل خيره وغلب شره
.
خير الناس :"ترك الاستطالة علي الناس ، وجانب الإذلال
، وكف الأذى ، لأن ترك الاستطالة آلف ، ومجانبة الإذلال أعطف ، وكف الأذى أنصف .
خير الناس ذو مروءة مع الخلق ،يستعمل معهم شروط الأدب والحياء
، والخلق الجميل ، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه ، وليتخذ الناس مرآه لنفسه
فكل ما كرهه ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق يجتنبه وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله
مع الخلق بالبشر والتودد والشفقة والحلم عنهم والصبر عليهم وترك التكبر والاستطالة
ومجانبة الغلظة والغضب والحقد والحسد وأصل
ذلك غريزي وكماله مكتسب
"فخير الناس أنفعهم للناس "
وقال صلى الله عليه وسلم :"أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله"
قال القاضي : ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته
والاعتناء بتحصيل فرائضه ، ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة
وصونه عن المعصية ، وفي الحديث رد على من رفض الدنيا بالكلية من النساك وترك الناس
وتخفى للعبادة محتجاً بآية "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون "(الذاريات /56). وخفي عليه
أن أعظم عبادة الله ما يكون نفعها عائداً لمصالح عباده
وقال صلى الله عليه وسلم :"المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ،
وخير الناس أنفعهم للناس"(صحيح)
خير الناس عرف جيداً أن صلاح الحال لايكون إلا بالألفة الجامعة ، فإنه مقصود بالأذية
، محسود بالنعمة ، فإذا لم يكن ألفاً مألوفاً تختطفه أيدي حاسديه ، وتحكم فيه أهواء
أعاديه ، فلم تسلم له نعمة ، ولم تصف له مدة وإذا كان ألفاً مألوفاً انتصر بالألف على
أعاديه ، وامتنع بهم من حساده ، فسلمت نعمته منهم ، وصفت مودته بينهم ، وإن كان
صفو
الزمان كدراً ويسره عسراً وسلمه خطر ، والعرب تقول من قل ذل
خير الناس رجل عاقل والعاقل لا يكافئ الشر
بمثله ، ولا يتخذ اللعن والشتم على عدوه سلاحاً، إذ لا يستعان على العدو بمثل إصلاح
العيوب وتحصين العورات حتى لا يجد العدو إليه سبيلا"
خير الناس رجل اجتماعي تلتف حوله الناس لقوله صلى الله عليه وسلم :" إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ"(البخاري). أي لأجل قبح فعله وقوله ، أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولاً أو فعلاً ..
خير الناس عمل بالحكمة التي تقول داروا سفهائكم وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب
عليها دفع ضر أو جلب نفع ، بخلاف المداهنة فحرام مطلقاً إذ هي بذل الدين لصلاح
الدنيا ، والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا ، بنحو : رفق بجاهل في تعليم ،
وبفاسق في نهي عن منكر ، وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب
عليها نفع ، فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض
الأنام فلا تشرع، فما كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر ..
خير الناس الذي يرجي خيره ويؤمن شره علم أنه ليس كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر
، فعمل علي ملازمة الخير وترك الشر والفحش حتى لايخشاه الناس اتقاء لشره
فحافظ علي جيرانه وحقوقهم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم" لا يدخل الجنة
من لا يأمن جاره بوائقه" (مسلم). أي دواهيه
جمع بائقة الداهية ،
وذلك لأنه إذا كان مضراً لجاره كان كاشفاً لعورته حريصاً على إنزال البوائق به دل
حاله على فساد عقيدته ونفاق طويته ، أو على امتهانه ما عظم اللّه حرمته وأكد وصلته
، فإصراره على هذه الكبيرة مظنة حلول الكفر به فإن المعاصي بريده ، ومن ختم له
بالكفر لا يدخلها ، أو هو في المستحل أو المراد الجنة المعدة لمن قام بحق جاره ، قال
ابن أبي جمرة : حفظ الجار من كمال الإيمان وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ،
ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان بقدر الطاقة كهدية وسلام وطلاقة
وجه وتفقد حال ومعاونة وغير ذلك ، وكف أسباب الأذى الحسية والمعنوية عنه
وتتفاوت مراتب ذلك بالنسبة للجار الصالح وغيره
فخير الناس للناس الداعي إلي الخير
الممسك عن الشر
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله
وصحبه وسلم .