
هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحتفل بليلة النصف من شعبان؟
ليلة حدث فيها تحويل القبلة فكانت بمثابة تحويلاًللقلوب
هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟
هل يحتفل بليلة النصف من شعبان؟
هل هناك أسلوب مُعَيَّنٌ لإحياء ليلة النصف من شعبان؟
وهل الدعاء الوارد فيها صحيح؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله ..وبعد
فحديثنا إليكم اليوم عن تطهيرالأذان فيما ورد عن شعبان وصيامه وليلة النصف و
فضلها وحكم إحيائها والدعاء الوارد علي ألسنة الناس بطول العمر وغيره لم يأت
فيها حديث وصل إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسنها بعض العلماء، وبعضهم ردها
وقالوا بأنه لم يصح في ليلة النصف من شعبان أي حديث .. أما ما ورد في البخاري
وغيره عن تحويل
القبلة فقط..
فإن قلنا بالحديث الحسن، فكل ما ورد أنه يدعو في هذه الليلة، ويستغفر الله عز وجل،
أما صيغة دعاء معين فهذا لم يرد، والدعاء الذي يقرأه بعض الناس في بعض البلاد،
ويوزعونه مطبوعًا، دعاء لا أصل له، وهو خطأ،ولا يوافق المنقول ولا المعقول.
وإليكم الأنباء بالتفصيل ..
أخي المسلم :"
ليلة حدث فيها تحويل القبلة
روي البخاري "إنَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ".
تحويل القبلة من بيت المقدس بفلسطين إلي مكة المكرمة كان بمثابة تحويل في كل شيء حتي تحويل القلوب ناحية الرضي وأولهم قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم دون أن يطلب ذلك صراحة من الله حتي نزل قوله تعالي:"قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..(البقرة/144).
يقول الفخر الرازي لقد قال الله لنبيه قبلة ترضاها ولم يقل قبلة أرضاها وكا، عين المني هو رضي رسول الله صلي الله عليه وسلم :"ولسوف يعطيك ربك فترضي " عن عبدالله بن عمرو أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي" (إبراهيم: 36) الآيَةَ، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: "إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ"(المائدة: 118). فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ"(مسلم وأحمد).
أقوال السفهاء في كل عصر وحين
ولما وقع حادث تحويل القبلة حصل لبعض الناس -من أهل النفاق والريب والكفرة
من اليهود -ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالوا:"مَا وَلاهُمْ عَنْ
قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا" أي: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا،
وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله:"قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "أي: الحكم
والتصرف والأمر كله لله، وحيثما تولوا فثمَّ وجه الله،فالشأن كله في امتثال أوامر
الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى
جهات متعددة، فنحن عبيده وفي تصريفه وخُدَّامُه، حيثما وجَّهَنا توجهنا، وهو تعالى
له بعبده ورسوله محمد -صلوات الله وسلامه عليه -وأمتِه عناية عظيمة؛ إذ هداهم إلى
قبلة إبراهيم، خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده
لا شريك له، أشرف بيوت الله في الأرض.. عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم -يعني في أهل الكتاب -:"إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على
يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها
وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين"(أحمد) .
هل ليلة النصف من شعبان لها
فضل؟
والجواب: قدورد في فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضًا منها وضعفها آخرون
وإن أجازوا الأخذ بها في فضائل الأعمال. ومنها حديث رواه أحمد والطبراني "إن الله
عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثرمن شَعْرِ غَنَمِ بني
كلب، وهي قبيلة فيها غنم كثير".(وقال الترمذي: إن البخاري ضعفه).
وقال صلى الله عليه وسلم :"يَطَّلِعُ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ".(الطبراني في الكبير والأوسط،
وصححه الألباني).
وقال صلى الله عليه وسلم:"يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين،
ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه"(البيهقي، صحيح الترغيب
والترهيب).
ومنها حديث عائشة قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل فصلى
فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبِضَ، فَلَمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال:"يا عائشة ـ أو يا حُميراء ـ ظننت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خَاسَ بك؟ أي
لم يعطك حقك. قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَ لطول سجودك، فقال:"أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال :"هذه ليلة النصف من شعبان،
إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد
كما هم"(البيهقي ).
وروى ابن ماجة في سننه بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا ـ أي إلى
النبي ـ صلى الله عليه وسلم :"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا لَيْلَهَا وصُوموا
نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيه لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر
فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألامُبْلًى فأعافيه،
ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
ومن هذه الأحاديث يتبين ضرورة الاجتهاد في الدعاء خلال شهر شعبان، حيث ينزل الله
إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان كلها لصحة الخبر وغيره ..
هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحتفل بليلة النصف من شعبان؟
ثبت أن الرسول صلي الله عليه وسلم احتفل بشهر شعبان، وكان احتفاله بالصوم، في
الصحيحين عن عائشة رضِيَ الله عَنْهَا أنها قالت: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّه". وفي رواية لهما
عنها رضي الله عنها: "كَانَ يَصُومُ
شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا".
أما سبب صيام النبي لشهر شعبان فقد جاء تفسيره في رواية أسامةُ بنُ زيد رضي الله
عنهما أنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ
شَعْبَانَ؟ قَالَ:"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ
الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"(النسائي).
فشهر شعبان له فضله وله ميزه الصيام التي اختاره الرسول صلي الله عليه وسلم دون
غيره من العبادات وقال أحب يرفع عملي وأناصائم لأن الصيام عبادة لايدخلها رياء
والصوم سربين العبد وربه والصوم هو العبادة الخالصة لله فلايوفي منها لأصحاب
المظالم لذلك قال الله في الحديث القدسي فالصوم لي وأنا أجزي به"
أما قيام الليل فالرسول صلي الله عليه وسلم كان كثير القيام بالليل في كل الشهر،
وقيامه ليلة النصف كقيامه في أية ليلة. ويؤيد ذلك ما ورد في الأحاديث السابقة وإن
كان بعضها ضعيفة فيؤخذ بها في فضائل الأعمال، فقد أمر بقيامها، وقام هو بالفعل
على النحو الذي ذكرته عائشة.
وكان هذا الاحتفال شخصيًا، يعني لم يكن في جماعة، والصورة التي يحتفل بها الناس
اليوم لم تكن في أيامه ولا في أيام الصحابة ، ولكن حدثت في عهد التابعين. يذكر
القسطلاني في كتابه “المواهب اللدنية” ج2ص 259 أن التابعين من أهل الشام كخالد
بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان في العبادة، وعنهم أخذ
الناس تعظيمها، ويقال إنهم بلغهم في ذلك آثارٌ إسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف
الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء
وابن أبي مُلكية، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول
أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.
ثم يقول القسطلاني:"اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولينِ، أحدهما:
أنه يُستحب إحياؤها جماعةً في المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان بن عامر
وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويَتبخَّرُونَ ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم
تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة : ليس
ذلك ببدعة،نقله عنه حرب الكراماني في مسائله. والثاني: أنه يكره الاجتماع في
المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصَّة نفسه،
وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم. ولا يُعرف للإمام أحمد كلام في
ليلة النصف من شعبان، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه
في قيام ليلتي العيد، فإنه في روايةٍ لم يُستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبي
صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه فِعلها، واستحبها في رواية لفعل عبد الرحمن
بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت
فيها شيء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من
التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام، انتهى. ملخصًا من اللطائف. هذا كلام القسطلاني
في المواهب،
وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعةً قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض
الآخر،وما دام خلافِيًّا فيصحُّ الأخذ بأحد الرأيين دون تَعَصُّبٍ ضد الرأي الآخر. ونؤكد
علي أن إحياء ليلة النصف من شعبان شخصيًا أو جماعيًا يكون بالصلاة والدعاء وذكر
الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال في ليلة النصف من شعبان
ليس على النَّسَقِ وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنما يكون لتخليد
ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهي تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع
عدم الجزْمِ بأنه كان في ليلة النصف من شعبان فهناك أقوال بأنه في غيرها، والاحتفال
بالذكريات له حُكمه.
والذي أراه عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعًا، والهدف خالصًا لله سبحانه:فإن الصلاة
بنية التقرب إلى الله لا مانع منهافهي خير موضوع، ويُسَنُّ التنفُّلُ بين المغرب والعشاء
عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل، أما أن يكون التنفل بنية طول
العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه،
فليكنْ نَفْلا مطلقًا.
قال النووي في كتابه المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة
بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة
ركعة، هاتان الصلاتان بِدْعَتَانِ مُنكرتان، ولا تَغْتَرّْ بذكرهما في كتاب قوت القلوب ـ لأبي
طالب المكي ـ وإحياء علوم الدين ـللإمام الغزالي ـ ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل
ذلك باطل، ولا يغتر ببعض مَنِ اشْتَبَهَ عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في
استحبابهما فإنه غالط في ذلك:
والدعاء في هذه الليلة لم يَرِدْ فيه شيء
عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ لأن مبدأ الاحتفال ليس ثابتًا بطريق صحيح عند الأكثرين،
ومما أُثِرَ في ذلك عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ سمعته يقول في السجود ” أعوذ بعفوك
من عقابك وأعوذ برضاك من سَخَطِكَ، وأعوذ بك منك، لا أُحصى ثناء عليك، أنت كماأثنيت
على نفسك"(البيهقي).