
فقه الصيام أركان الصيام
الدرس الثالث
الحمد لله والصلاة
والسلام علي رسول الله أما بعد..فحديثنا إليكم اليوم عن أركان الصوم التي لايصح الصيام
إلا بها..
عباد الله:"
لكلّ عبادة من العبادات مجموعة من الأركان التي لا يصحّ أداء العبادة دون الإتيان بها
على الوجه المطلوب،وهذه الأركان أفعال أساسية تكون داخل العبادة،ومن حقيقتها؛إذ لا
يمكن تصوُّر العبادة لو لم تتحقّق أركانها.وقد تعدّدت آراء العلماء في بيان هذه الأركان،
وتحديدها،وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
القول الأول: قال كلٌّ من الحنابلة، والحنفيّة بأنّ للصيام ركناً واحداً يتمثّل بالإمساك عن كلّ المُفطرات،واعتبروا النيّة شرطاً له.واشترط الأحناف أن تقع النية قبل الزوال أي قبل الظهر..وأحمد قال أنها تجزيء قبل الزوال وبعده علي السواءوهوقول ابن مسعود رضي الله عنه..
وقال كثير من الفقهاء:"إن
نية صيام التطوع تجزيء من النهار وإن لم يكن قد طعم.. عن عائشة رضي الله عنها قالت:"دخل
عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال:"هل عندكم شيء؟"فقلنا: لا،
قال:"فإني إذن صائم"، ثم أتانا يومًا آخرفقلنا:"يا رسول الله، أُهدي
لنا حَيس"، فقال:"أرِينيه، فلقد أصبحت صائمًا"،فأكل"(مسلم). وعن
عائشة أيضاً قالت: دخل عليَّ رسول – صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال:"هل عندك شيء"، فقلت: لا، فقال:"إني إذًا أصوم"، ثم دخل
عليَّ يومًا فقال:"هل عندك شي ء"،فقلت: نعم، فقال:"إذًا أفطر، وإن كنتُ
قد فرضت الصوم"(أحمد).
القول الثاني: قال المالكيّة، والشافعيّة للصيام
ركنان النيّة،والإمساك عن المُفطرات،واعتبر الشافعيّة أنّ الصائم ركنٌ للصيام.
وتُعرَّف النيّة بأنّها:قصدٌ في القلب لا بُدّ من تحقُّقه، لا يُتلفَّظ بها،ويُحكَم عليها بالوجوب؛استدلالاً بقول المولي عزوجل:" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"(البينة/5).
وبقوله صلي الله عليه وسلم:"إنَّماالأعْمالُ بالنِّيّاتِ"(البخاري
ومسلم).
وتصح في أي جزء
من الليل ولايشترط التلفظ بها فإنها عمل قلبي محض لادخل للسان فيه, فمن تسحر بالليل
قاصداً الصوم فقد نوي ومن عزم بالليل عن الكف عن المفطرات أثناء النهارمخلصاً لله فهو
ناوٍ كذلك وان لم يتسحر..
وبناءً على ما سبق بيانه من تفصيل في تحديد النيّة كرُكنٍ من أركان الصيام عند الشافعيّة والمالكيّة فقط، فإنّ تفصيل أحكامها لديهم فالشافعيّة:"اشترطوا في النيّة تبييتها من الليل؛أي قبل طلوع الفجر، إذ لا بدّ من قصد الصيام ليلاً،وإن انعقدت النيّة بعد طلوع الفجر، فإنّ الصيام يبطل،وقد استدلّوا بقول الرسول صلي الله عليه وسلم:"من لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفَجرِ، فلا صيامَ لَهُ"(النسائي).
واشترط الشافعيّة أيضاً وجوب تعيين نوع الصيام،وتحديده قبل طلوع
فجر يوم الصيام،ولا يصحّ ترك النيّة مُطلَقةً على العموم، وذلك في صيام الفرض دون النافلة
منه، كما اشترطوا عقد النيّة عن كلّ يومٍ في رمضان؛ فلا تكفي نيّةً واحدةً عن الشهر
كلّه؛لأنّه يتضمّن عدّة عباداتٍ، وليست عبادةً واحدةً، وكلّ عبادةٍ لا بُدّ أن تكون
لها نيّةٌ خاصّةٌ بها عن غيرها من العبادات.
أماالمالكيّة:"فقالوا
بوجوب تبييت نيّة الصيام ليلاً؛ سواءً كان الصيام فرضاً، أم نفلاً، ولا بأس أو حرج
بالأكل أو الشرب بعد عقد النيّة، وقبل طلوع الفجر الثاني،ولا تصحّ النيّة بعد طلوع
الفجر، وتصحّ إن عُقِدت مع طلوع الفجر،أو قبله بقليلٍ، كما يُشترَط في نيّة الصيام
تعيينها إن كان صيام رمضان،أو قضاءٍ، أو كفّارةٍ،أو نذرٍ،..
والمالكيّة لم يشترطوا تكرار النيّة؛فيصحّ صيام شهر
رمضان بنيّةٍ واحدةٍ فقط تُعقَد في أوّله؛ إذ لا حاجة إلى تجديد النيّة كلّ يومٍ من
أيّام رمضان ما لم يكن هناك ما يقطع صيامه لأيّ عُذرٍ، ويُحكَم على ذلك في كلّ صيامٍ
مُتّصلٍ، كالنذر، وكفّارة القتل، والظِّهار، فإن أفطر المسلم؛ لسفرٍ،أو مرضٍ، ثمّ أراد
الصيام، فيتوجّب عليه تجديد النيّة للصيام، وكذلك إن أفطر مُتعمِّداً، فيتوجّب عليه
تجديد النيّة مرّةً أخرى.
عباد الله:"
أما الركن الثاني من أركان الصيام هو:"الإمساك عن المُفطرات لقوله تعالى:"وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ
مِنَ الْفَجْرِ"(البقرة:187).
ويُقصَد بالإمساك
عن المُفطرات: امتناع الصائم الفِعليّ عن الأكل،والشُّرب، والجِماع،وعن كلّ شيءٍ يُمكن
دخوله عن طريق الجوف،مثل: الدواء، وغيره، في زمنٍ مُحدّدٍ؛من طلوع الفجر الصادق إلى
غروب الشمس، ومن شخصٍ مُحدّدٍ؛ وهو المسلم، البالغ، العاقل، الطاهر من الحيض والنفاس
بالنسبة للمرأة، مع تحقُّق النيّة والعزم في القلب على الصيام دون تردُّدٍ، ..
وتتفرّع المُفطرات إلى نوعَين، بيانهما فيما يأتي: المُفطرات الحسّية، ومنها: الأكل، والشُّرب، والجِماع،
وتعمُّد القيء، والاستمناء.
المُفطرات المعنويّة،
ومنها: النميمة، والغيبة؛ إذ بهما يبطل أجر الصيام فقط، قال صلي الله عليه وسلم
:"ربَّ صائِمٍ ليس لَهُ مِنْ صيامِهِ إلَّا الجوعُ، ورُبَّ قائِمٍ ليس لَهُ مِنْ
قيامِهِ إلَّا السَّهرُ"(أحمد وغيره).
وصلي اللهم علي
سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.