
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
الحمد لله رب العالمين ,واشهد أن لا اله
الا الله وحده لاشريك له واشهدان سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله اللهم صلاة
وسلاماعليك ياسيدي يارسول الله وبعد
فيقول الله تعالي :"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"(الحجرات/10).
عباد الله: الخِلَافُ بَينَ النَّاسِ أَمْرٌ طَبِيعِي
وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ أَخْلَاقِهِمْ وَتَبَايُنِ أَفْكَارِهِم قَالَ تَعَالَى:"وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"(هود/118).
والإسلامُ يُحَذِّرُ مِنَ الخِلَافِ وَيَسْعَى
إلى تَضْييقِ نِطاقِهِ ورَفْعِه إنْ أَمْكَنَ قَالَ النبي صلي الله عليه وسلم :
"تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا
إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أُرْكُوا هَذَيْنِ
حَتَّى يَصْطَلِحَا أُركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"(مسلم).
لِذَا شَرَعَ الإِصْلَاحَ بَينَ النَّاسِ
وَحَثَّ عَلَيهِ قَالَ تَعَالَى:"فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ"(الأنفال/1).
وَقَالَ سُبْحَانَهُ:"وَإِنْ طَائِفَتَانِ
مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا"(الحجرات/9).
وَلِأَهَمِيةِ الإِصْلَاحِ بَينَ النَّاسِ
أُبِيحَ فيه الكَذِبُ لإزالَةِ الخِلَافَ
بين المُتخاصِمِين وعَوْدَةِ المَوَدَّةِ
والأُلْفَةِ بَيْنَهُمْ قَالَ رَسُولُ
الله صلي الله عليه وسلم:"لَيْسَ الْكَذَّابُ
الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً"(البخاري).
وضَرَبَ النبي صلي الله عليه
وسلم:" المَثَلَ الأَعْلَى في الصُّلْحِ بَينَ المُسلمين فَلَمَا اِقْتَتَلَ أَهْلُ
قُبَاءٍ حتَّى تَرَامَوْا بالحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ
النبي صلي الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ:"اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ"(البخاري).
فضائل
الإصلاح:"
نَجاةٌ لِلْمُصْلِحِين مِنَ الهَلَاكِ
عباد الله: لِلْإِصْلَاحِ بَينَ النَّاسِ
فَضّائِلٌ وَثِمَارٌ فمِنْ فَضَائِلِهِ أَنَّهُ نَجاةٌ لِلْمُصْلِحِين مِنَ الهَلَاكِ
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا
مُصْلِحُونَ" والمُصْلِحُ لَا يَكْتَفِي بِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ بَلْ يَسْعَى لِلْإِصْلَاحِ
بَينَ النَّاسِ قَالَ تَعَالَى:"وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"
البَرَاءَةُ مِنَ النِّفَاق
وَمِنْ فَضَائِلِ الإِصْلَاحِ البَرَاءَةُ
مِنَ النِّفَاق فِإنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ مِنْ أَوْصَافِ المُنَافِقِينَ وَأَهلِ
الزَّيغِ والفَسادِ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ مَعَ ادِّعَائِهِم الإِصْلَاحَ
وَهُمْ على نَقِيضِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا
فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" فَالسَّاعِي في الإِفْسَادِ
لا يُصْلِحُ اللهُ عَمَلَه مِصْدَاقًا لقوله تَعَالَى:"إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ
عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ"(يونس/81).
فمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مَفَاتِيحَ
لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ
لِلْخَيْرِ وسَيُجَازِي اللهُ كُلاًّ بِعَمَلِه وسَعْيِه ويُوَفِّيه حَسابَه :"وَاللَّهُ
يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ"(البقرة/220).
والذي يَتَمَسَّكُ بالكتاب والسُّنة ويُؤدِّي
ما أَوْجَبَ اللهُ عليه
وَيَقُومُ بِهِ قَولاً وَعَمَلاً وَاعتِقَادًا
لَنْ يَضِيعَ أَجْرُهُ عِنْدَ اللهِ
وَسَيجزِيْهِ أَحْسَنَ الجَزَاءِ قَالَ
سُبْحَانَهُ:"وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا
لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ"(الأعراف/170).
بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَصَدَقَةٌ
يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَمِنْ فَضَائِلِ الإِصْلَاحِ أَنَّهُ بَرَاءَةٌ
مِنَ النَّارِ وَصَدَقَةٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ سُبْحَانَهُ:"وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"(النور/22).
وَقَالَ النبي صلي الله عليه وسلم ذات يوم
لِأَبِي أَيُّوبَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى صَدَقَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟
قَالَ: بَلَى قَالَ: "تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وَتُقَرِّبُ
بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا" (البيهقي).
قَالَ الإِمَامُ الأَوزَاعِي رَحِمَهُ اللهُ:
"مَا خُطْوَةٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ فِي إِصْلَاحِ
ذَاتِ الْبَيْنِ وَمَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ
النَّارِ"
أفْضَلِ الأَعْمَالِ
وَمِنْ فَضَائِلِ الإِصْلَاحِ أَنَّهُ مِنْ
أفْضَلِ الأَعْمَالِ لِقُولِ النبي صلي الله عليه وسلم :"أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ
مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا: بَلَى قَالَ: صَلاَحُ
ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" وفي رواية:"لاَ
أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"
فضيلة العفو والصفح
فَالإِصْلَاحُ يَغْرِسُ في نُفُوسِ النَّاسِ
فَضِيلَةَ العَفْوِ والمَغْفِرَة فتَحُلُّ المَوَدَّةُ مَحَلَّ القَطِيعة والمَحَبَّةُ
مَحَلَّ الكَرَاهِيةَ وَفِيهِ اكْتِسابُ الحَسَناتِ ورَفْعُ الدَّرَجات وبه تَسْتَقِيمُ
حَياةُ الناس وَفِيهِ سَعَادَةُ القُلُوبِ وَرَاحَةُ النُّفُوسِ مِنَ الشَّحْنَاءِ
والغِلِّ والحِقْدِ والحَسَدِ"
صدقة مِنَ الصَّدَقَاتِ
وَمِنْ فَضَائِلِ الإِصْلَاحِ أَنَّهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ
قَالَ النبي صلي الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ
كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ"
أهَمِّ
آدابِ الإِصْلَاحِ
أن يكون خالِصاً لِوَجْهِ الله
مِنْ أهَمِّ آدابِ الإِصْلَاحِ أنْ يَكُونَ
خالِصاً لِوَجْهِ الله تَعَالَى فَمَنْ أَصْلَحَ نِيَّتَهُ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ أَصْلَحَ
اللَّهُ مُبْتَغَاهُ قَالَ سُبْحَانَهُ:"لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً"(النساء/114).
أنْ يكونَ بِالعَدلِ
ومن آدابِهِ أنْ يكونَ بِالعَدلِ قَالَ
سُبْحَانَهُ:"فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" فَلَا يَمِيلُ المُصْلِحُ إلى طَرَفٍ عَلَى حِسَابِ طَرَفٍ
آَخَرَ قَالَ النبي صلي الله عليه وسلم:"الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
إِلاَّ صُلْحاً حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً"(الترمذي وابن ماجه).
وَفِي أَرْضِ المَحْشَرِ يَكُونُ المُصْلِحُونَ
العَادِلُون على مَنابِرَ مِنْ نُورٍ تَشْرِيفًا لهم وتَعْظِيمًا قال النبي صلي الله
عليه وسلم:"إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ
يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ
فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا"(مسلم والنسائي).
أَحِبَتِي فِي الله: واجِبٌ عَلَينا أنْ
نَسْعَى إلى الإصلاح بِكُلِّ الوسائل والإمكانات قَالَ سُبْحَانَهُ:"إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ" وَلْيَكُنْ شِعَارَ المُصْلِحْ قَولَهُ تَعَالَى:"إِنْ أُرِيدُ
إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"(هود/88).
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ
وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ
أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم