
الصوم وأثره في تربية النفس
يربي النفس علي الخشية والخوف من الله
يربي النفس علي الوحدة والتكافل
والصوم يربي النفس علي الإحسان للأخرين
والصوم يربي النفس علي الحياء
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهد أن
سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يا رسول الله وبعد
فياعباد الله يقول الله تعالي :"وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"(النازعات:40-41).
وحديثنا إليكم اليوم عن الصوم وأثره في تربية النفس وفي الحقيقة أن شهر رمضان
هو أفضل الشهور وأنبل الشهور وأعرف الشهور بشؤن النفس والفرد والمجتمع وأمور
الدنيا والآخرة.. ولووقفنا اليوم مع مدرسة رمضان في تربية النفس لوجدنا أن الصوم
يربي النفس علي:"
الخشية والخوف من الله
فالصوم يربي النفس أول مايربيها علي الخشية والخوف من الله عز وجل لأن الصوم
عبادة لايدخلها رياء فهوسربين العبدوربه والذي تربي علي أن الله مطلع عليه في كل
وقت وحين لابد أن يخشاه ويخافه ولايعصيه فلقد حث الله تعالى على الخوف والخشية
منه في آيات كثيرة مثل قوله تعالى:"وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ"(آل عمران: 175).
وقال تعالي:"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"(الملك:12). وقال
صلى الله عليه وسلم ." ثلاثٌ مُنجِياتٌ : خشيةُ اللهِ في السرِّ و العلانيةِ ، و القصدُ في
الفقرِ و الغِنى ، و العدلُ في الغضبِ
و الرِّضا"(الترغيب والترهيب).
فالصوم يربي المسلم أول مايربيه علي الخشية والخوف من الله فخشية الله عز وجل
وخوفه سبحانه يترتب عليهما كل خير، كما يترتب عليهما البعد من محارم الله، ويترتب
عليهما أيضا الوقوف عند حدود الله ... خوفا من الله وخشية من عذابه سبحانه، ولهذا
يقول جل وعلا في الآية الأخرى:"وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ"(الرحمن/46).
ويقول:"وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"
(النازعات:40-41).
يربي النفس علي الوحدة والتكافل
عباد الله:" والصيام يربي النفوس علي الوحدة والتكافل فهو وسيلة لتربية الأمة تربية
جماعية: إحياءً لمعنى:" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا
اشْتَكَى
عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ بِالْحُمَّى، وَالسَّهَرِ"(أحمد ومسلم).
فتشعر الأمة في
رمضان بالجسد الواحد، يجوع الناس فيه جوعاً واحداً، ويعطشون عطشاً واحداً، ثم يشبعون
شبعاً واحداً ورياً واحداً.. لا يمتاز بطن عن بطن، ولا فم على فم...وبذلك يشعر بالجوع
من لم تكن ثروته تسمح له بالجوع قبل رمضان، ويحس من الآم الفقر والحرمان من كان الغنى
والترف والسرف يمنعه أن يحس به..
عباد الله هل هناك
في الدنيا تجسيد لمعنى الوحدة، يستوى الناس بها جميعاً في الحرمان ثم الشبع كوحدة الصيام
في شهر رمضان..؟. يساعد هذا الشهر في بناء الشخصية السليمة، عن طريق تربية النفس على
طاعة الله، وقراءة القرآن الكريم، وتربية النفس وضبطها على القيام بالسلوكيات والأخلاق
التي يأمر بها الإسلام، وتربية شخصية إسلامية تحس بالفقراء الذين يتعرضون إلى الجوع
والعطش، ومن ثم يدفعها إلى مد يد المساعدة إليهم.
أن الصيام وسيلة
لتربية الأمة تربية حازمة، فما الصائم إلا رجل يمارس في نفسه التغلب على اللذة المباحة
حتى يستطيع التغلب على اللذة الآثمة، ويتعهد نفسه بالامتناع عن المأكل والمشرب مختاراً،
حتى يستطيع الصبر على الجوع والعطش حين يضطر إلى ذلك اضطراراً.
إن ذلك الجوَّ الإيمانيَّ الذي يعيشه الصائمون
في رمضان من شأنه أن يوثق العلاقات بين قلوبهم, ويشيع فيهم المحبة والإخاء وروح التعاون؛
إذ أن المؤمن يصوم مع الجميع في جو جماعي متآلف، فالجميع يصومون في وقت واحد ويفطرون
في وقت واحد، ويستشعر كل فرد في المجتمع ما يستشعره الآخرون من الناحية الوجدانية؛
لأن الصائم يرتاح نفسياً إلى من هو في مثل حاله، وينجذب إليه بالعطف والمودة لاتحاد
غايتهما ووحدة هدفهما في ابتغاء مرضاة الله وغفرانه... فترى الصائمين في هذا الشهر
متعاطفين متحابين، يقصدون المساجد للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن، وهم غالباً يتزاورون
ويتسامرون بعد صلاة العشاء والتراويح جماعة. وهم بذلك يتفقّدون من تخلَّف منهم عن حضور
الجماعة، فإن كان مريضاً واسَوْهُ، وإن كان في ضائقة تعاونوا لدفعها عنه.
والصوم يربي النفس علي الإحسان للأخرين
عباد الله :"وكما أن الصيام يربي الصائم علي الحياء فيستحي أن يمد يده إلي الحرام
ولايضع في جوفه لقمة من حرام فكذلك الصيام يربي الصائم علي الإخلاص لله
والإحسان إلي الآخرين من الأرامل واليتامي والمساكين والفقراء وقيل لنبي الله يوسف
لما تجوع وأنت علي خزائن الأرض قال أخاف أن أشبع فأنسي الجائع " :"والإحسان
أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"و هي مقام المراقبة لله تعالى الذي
يعني أن تشهد الله في جميع تصرفاتك، بحيث تراقب أمره ونهيه، فلا تقع في المحظور،
ولا تترك المأمور، وهو ما يكون عليه حال الصائم الذي يعلم أن صومه سر بينه وبين
ربه سبحانه، فيصون سمعه وبصره وبطنه وفرجه وجميع حواسه، حيث تكون جميعها
في مقام مراقبة الله وكما قال جابر رضي الله عنه: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك
ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقارٌ وسكينة يوم صيامك،
ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء"
والإحسان مطلوب في كل شيء كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء"(أ[وداود).وهو تفسير لقوله تعالى:"إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" (النحل - 128).
فالإحسان يرقِّي العبد إلى درجة المحبوبية لله تعالى كما قال سبحانه:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"(هود/115).
فالصيام يربي النفس علي الإحسان إلي الآخرين والعطف عليهم
جعلنا الله جميعاً من المحسنين؛ لنجزى بجزائهم:"هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"
(الرحمن/60).
عبادالله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فلازلنا نواصل الحديث حول الصوم
وأثره في تربية النفس ومنها:"
والصوم يربي النفس علي الحياء
عباد الله وكما ان الصيام يربي الأمة علي الوحدة والتكافل فهو يربي الأفراد علي الحياء فالمسلم عفيف حييي والحياء خلق له, والحياء من الإيمان والإيمان عقيدة المسلم وقوام حياته يقول صلى الله عليه وسلم:" الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الأيمان"(البخاري ومسلم).
وسر كون الحياء من الإيمان أن كلا منهما داع إلى الخير صارف عن الشر مُبعد عنه,
فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي, والحياء يمنع صاحبه من
التقصير في الشكر للمنعم ومن التفريط في حق ذي الحق كما يمنع الحيي من فعل
القبيح أو قواه اتقاء للذم والملامة, ومن هنا كان الحياء خيراَ, ولا يأتي إلا بخير كما
صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "الحياء لا يأتي إلا بخير"(البخاري
ومسلم).
ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ"(ابن ماجه والطبراني).
ويقول صلى الله عليه وسلم :"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي
فاصنع ما شئت"(البخاري).
ويقول صلي الله عليه وسلم :"استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ ، قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ إنَّا
لنَستحيي والحمد لله ، قالَ : ليسَ ذاكَ ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ
الرَّأسَ ، وما وَعى ، وتحفَظَ البَطنَ ، وما حوَى ، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى ، ومَن أرادَ
الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا ، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني : منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ"(الترمذي).
وَفِي أثَرٍ إلَهِيٍّ، "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ابْنَ آدَمَ. إنَّكَ ما اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أنْسَيْتُ النّاسَ
عُيُوبَكَ. وأنْسَيْتُ بِقاعَ الأرْضِ ذُنُوبَكَ. ومَحَوْتُ مِن أُمِّ الكِتابِ زَلّاتِكَ. وإلّا ناقَشْتُكَ
الحِسابَ يَوْمَ القِيامَةِ".
وَفِي أثَرٍ إلَهِيٍّ:"ما أنْصَفَنِي عَبْدِي. يَدْعُونِي فَأسْتَحْيِي أنْ أرُدَّهُ. ويَعْصِينِي ولا يَسْتَحْيِي
مِنِّي".
وكما يقول القائل:"
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه *** ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك وإنما *** يدل على فعل الكريم حياؤه
وقال يحيى بن معاذ: من استحيا من الله مطيعاً استحيا الله منه وهو مذنب.
عباد الله :" نعم الصوم تربية للنفوس وتزكية للأبدان وجلاء للأفهام فلاتجعل يوم
صومك كيوم فطرك سواء
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة
وقنا عذاب النار
عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم