
الدرس الأول : استقبال رمضان
الحمد لله رب العالمين..والصلاة
والسلام علي أشرف المرسلين ..إخوة الإيمان والإسلام:"هاهورمضان قد أقبل وأتي بالبشروالسروروالفرح
والخيرات والحُبور..وقدكنا بالأمس القريب نودع رمضان الماضي وكأنه لم يكن بين الرمضانين
إلا عشية أو ضحاها–غدي سيصبح أمسي وأمسي لن يصير غدي لايعارضني في ذلك حي– والأيام
لاتعودإلي الوراء والعمريمرسريعاً ودوام الحال من المحال:"كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ"(الرحمن/26-27).
دنياك ساعات سُراع
الزوال ***وإنما العقبي خلود المآل
فهل تبيع الخلد
ياغافلاً ***وتشتري دنيا المني والضلال
أتسمع الطير أطال
الصياح **وقد بدا في الأفق نورالصباح
ماصاح إلاليلة
باكيـــــاً مرت *** من العمر السريع الرواح.
عباد الله :
كيف كان رسول الله
صلي الله عليه وسلم يستقبل رمضان ؟ومالحكمة من ذلك؟
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستقبل رمضان بالبشر والترحاب فكان يبشر أصحابه بذلك , فكان تارة يقول لأصحابه :"أتاكم رمضان ..وأخري جاءكم رمضان .. وهاهو يقول لهم
كما جاء في الحديث الذي رواه المنذري في الترغيب
عن سلمان الفارسي قال خطَبَنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في آخِر يومٍ من شعبان فقال:"يا أيها الناس، قد أظلَّكم شهرٌ عظيم مُبارَك، شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، جعَل الله صِيامه فريضة، وقيامَ ليله تطوُّعًا، مَن تقرَّب فيه بخَصلةٍ من الخير كان كمَن أدَّى فريضةً فيما سِواه، ومَن أدَّى فريضةً فيه كان كمَن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابُه الجنَّة، وشهر المواساة، وشهرٌ يُزاد فيه في رِزق المؤمن، مَن فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثلُ أجره من غير أنْ ينقص من أجره شيء" قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يُفطِّر الصائم، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:"يُعطِي الله هذا الثواب مَن فطَّر صائمًا على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، مَن خفَّف عن مملوكه فيه غفَر الله له وأعتقه من النار، فاستكثِروا فيه من أربع خِصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غني بكم عنهما؛ فأمَّا الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأمَّا الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: تسألون الله الجنَّة وتعوذون به من النار، ومَن سقَى صائمًا سَقاه الله من حوضي شربةً لا يَظمَأ بعدَها حتى يدخُل الجنَّة"(الترغيب والترهيب؛ للمنذري,مشكاة المصابيح ،كنز العمال).
قال ابن خُزيمة صح الخبر، وفي بعض نُسخه إن صح الخبر، هذا الحديث
حديث جليل، يجد المُؤمِن راحةً في ذكره وفي التذكير به ، ولا بأس أن نذكره ونُذكِّر
به كل عام .
وقد قال السادة
العلماء كالحافظ ابن رجب وغيره ، هذا الحديث أصل في التهنئة برمضان ، هذا الحديث أصل
في التهنئة بشهر رمضان ! وهو خير ما يُهنئ به المُسلِمون بعضهم بعضاً بمقدم وحلول هذا
الشهر الكريم الفضيل الجليل ، الذي نسأل الله - تبارك وتعالى - ، ونرغب إليه – سُبحانه
وتعالى – أن يفتح علينا فيه فتوح الواصلين ، وأن يُحقِّقنا فيه بحقائق العارفين ، وأن
يجعلنا فيه جميعاً ، وإخواننا وأخواتنا المُسلِمين والمُسلِمات ، وآباءنا وأمهاتنا
، من المرحومين ، ومن الذين غفر لهم ، ومن الذين أعتق رقابهم من نار جهنم، اللهم آمين
.
وتارة أخري يبشر
الرسول أصحابه بقوله :" قدْ جاءَكمْ شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مباركٌ افترضَ اللهُ عليكُمْ
صيامَهُ ، يُفتحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ ، ويُغلقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ ، وتُغلُّ فيهِ
الشياطينُ ، فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقدْ حرِمَ"(النسائي).
الحكمة والسر:"
ـــــــــــــــــــــ
والحكمة من تهنئة
الرسول صلي الله عليه وسلم وتبشيره للأمة في شخص صحابته صلي الله عليه وسلم
:"ليذكرهم بأن اللهُ عزَّ وجلَّ أنْعَمَ على عِبادِهِ بمَواسِمَ مِن الخيراتِ،
يَحصُلون فيها بسَببِ الأعمالِ الصَّالحةِ القَليلةِ على الثَّوابِ الكَثيرِ مِن عندِ
اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن نِعَمِه سُبحانَه أيضًا أنْ سَخَّرَ اللهُ لهم مِن الأسبابِ
ما يُعينُهُم على أدائِها على الوجْهِ الأكْمَلِ لها، وشهْرُ رمضانَ من أعظم تِلكَ
المواسِمِ الفاضِلَة " فعندما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:"أتاكُمْ
شهْرُ رَمضانَ"، أي: جاءَتْكُم أيامُ شَهرِ رَمضانَ، "شَهْرٌ مُبارَكٌ"
فيكْثُرُ الخيْرُ فيه، وهذا إخْبارٌ بكثْرَةِ خيْرِهِ الحِسيِّ والمَعْنويِّ، وهو أيضاً
دعاءً أي: جَعَلَهُ اللهُ مُباركًا".
كذلك حرص رسول
الله صلي الله عليه وسلم علي أن يبشر أصحابه برمضان لأن البشارة دائماً يأتي ورائها
الخير:"وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"(البقرة /156-157)."فَبَشِّرْعِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ"(الزمر/17-18).
إخوة الإسلام
:"
مواسم ونفحات ينبغي
أن يتمسك المسلم بالتزود فيها للطاعات فما أكثر الهبات والعطايا في رمضان شهر البركات
وكنز المِنَح والنَّفَحات، فينبغي على كل مسلم فَطِن أن يقتنص الفرصة ويسارع ويسابق
ويجاهد لينال النصيب الأوفَى من النفحات والبركات.
لذلك حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام تلك الأوقات الفاضلة على مدار العام فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:"إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا"(الترمذي والطبراني).
ففي هذه الأيام المباركة تنزل عطاءات من الله كأن يُنزِل الله السكينة في قلوبنا؛:"هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ"[الفتح: 4].
أوتطمئن به قلوبنا:"أَلَا بِذِكْرِاللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(الرعد: 28).
فكان من عادته صلى الله علي وسلم أن يطالب صحابته بالإكثار من التبشير: "يسروا ولا تعسروا،وبشروا ولا تنفروا " (البخاري).
وكان يقول :"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"(ابن ماجة) وصلى العشاء مرة بأصحابه، وقبل أن ينصرفوا قال لهم : "على رسلكم. أبشروا. إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيُركم "(البخاري)
قال أبو موسى الأشعري:"فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول
الله صلى الله عليه وسلم".فها هو رسولنا صلي الله عليه وسلم يبشرنا بالكثيرمن
العطايا التي يمُنُّ الله بها على عباده في نفحات الدهر، فعطايا الله عزَّ وجلَّ لا
تُعدُّ ولا تُحصى، وماذكرنا من العطايا لا يساوي مثقالَ ذرة من العطايا الإلهية التي
يتعرَّض لها الصالحون .وذكر هذه العطايا لا يسعه وقت ولا تتحمله العقول، وإنما ينزل
من الخالق الأعظم عز وجل إلى قلوب الأحبة مباشرةً بدون واسطة.