recent
أخبار عاجلة

أعمارنا قصيرة فلندعوا الله لأنفسنا بالهداية والمغفرة والجبر

 


أعمارنا قصيرة فلندعوا الله لأنفسنا بالهداية والمغفرة والجبر

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله. أما بعد: فياعباد الله

يقول  ابن عباسٍ رضي الله عنهما:" أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم  كان يقول بين السَّجدتين :"اللهم اغفرلي، وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني(الترمذي).

أخي المسلم لو لاحظنا هذه الجُمل في هذا الدُّعاء الذي يُردّد ويُقال بين السَّجدتين في صلاة الليل،وفي كل صلاة  ونحن نعلم أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم كان يُصلي صلاةً طويلةً، وكان  جلوسَه كان قريبًا من قيامه، فهذا يعني: أنَّه كان يُردد هذا الدُّعاء: اللهم اغفر لي، يا الله، اغفر لي.

المغفرة والاستغفار

ونجد  أنَّ طلبَ الرسول  المغفرة والاستغفارهو أمرٌ مُؤكَّدٌ في الصَّلاة؛ حيث إنَّه جاء في مواضع مُتعددة: كالركوع، والسُّجود، وكما في الجلوس بين السَّجدتين، وغير ذلك  فهو من الأمور المطلوبة.

والعبد حينما ينصرف من صلاته أيضًا فإنَّه يستغفر ثلاثًا، فهنا يُردد: اللهم اغفر لي، يا الله، اغفر لي.

ولأنَّ الغفرَ يتضمن السَّتر والوقاية، فالعبد ذنوبه كثيرة، وتقصيره في حقِّ الله كبيرٌ، ومهما فعل فإنَّه لا يُؤدي حقَّ الله وشُكر نعمته عليه، بحاجةٍ إلى استغفارٍ من هذا التَّقصير، النِّعَم مُتتابعة، تفيض عليه هذه النِّعَم من حيث يدري، ومن حيث لا يدري: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"(إبراهيم:34).  فيحتاج إلى استغفارٍ إزاء هذا التَّقصير الكثير في شُكر هذه النِّعَم، إضافةً إلى أنَّ العبدَ قد يستعمل شيئًا من ذلك في معصية الله ...

اغفر لي ذنوبي، اغفر لي تقصيري في حقِّك، اغفر لي غفلتي وإسرافي في أمري،وارحمني.

وهنا نلاحظ  الإطلاق: "اغفر لي"، ما قال: من كذا، اغفر لي كذا، فسأل المغفرةَ سُؤالاً عامًّا: اغفر لي من كلِّ ذنبٍ، من الذنوب الكِبار والصِّغار، ما قدَّمتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، ما أعلمه، وما لا أعلمه، ما أستحضره، وما لا يحضرني من هذه الذنوب عند الاستغفار، وارحمني.

فالغفر هو التَّجاوز عن هذه الذنوب، والوقاية، والسَّتر، والرحمة فوق ذلك، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- إذا رحم عبدًا غفر له.

وارحمني

ثم إنَّ الرحمة فيها معنًى زائدٌ إضافةً إلى الغفر؛ فإنَّ الله إذا رحم العبدَ هداه، ووفَّقه، وسدَّده، وعافاه، وأنعم عليه، وأجاب سُؤله، وبلَّغه المراتبَ العالية، وساق إليه ألطافَه، وصرفه في محابِّه، وأشغله بذكره وطاعته، فيكون العبدُ هاديًا مهديًّا، مُسدَّدًا، راشدًا، مُوفَّقًا، مُشتغلاً بما يُرضي الله -تبارك وتعالى-.

إذا رحم اللهُ العبدَ فلا تسأل عن حاله، فدخول الجنَّة إنما هو برحمة الله  كلُّ ما يتقلَّب فيه العبادُ من هذه النِّعَم إنما هو برحمة الله -تبارك وتعالى-، ما يصرف عنه من الشُّرور والآفات مما يعرفون، وما لا يعرفون، كلّ ذلك من رحمته -تبارك وتعالى- بهؤلاء العباد، فالله رحيمٌ بهم، لطيفٌ بهم، تتنزَّل عليهم رحماته وألطافه.

ارحمني، واهدني

هنا يقول: "يا ربّ، ارحمني، واهدني"، فيدخل هنا الهداية بالعلم الصَّحيح؛ أن يعرف، يُهدى إلى ما ينفعه، ويُصلحه، ويرفعه، أن يُهدى إلى محابِّ الله تعالي  ، أن يُهدى إلى الصَّواب فيما اختلف الناسُ فيه، وأن يُهدى إلى أفضل الأعمال، ثم بعد ذلك يُوفَّق إلى القيام والنُّهوض بذلك.

العمر قصير، فيحتاج العبدُ إلى هذه الهدايات: الهداية إلى تفاصيل الصِّراط، الهداية إلى الأعمال الزَّاكية الصَّالحة التي يُحبُّها الله.هداية العلم.

فيحتاج أيضًا إلى هداية التَّوفيق، فيكون عاملاً بما علم، يُعان على العمل بما تعلم، هذا بالإضافة إلى التَّثبيت على الصِّراط في هذه الحياة الدنيا إلى الممات، ثم يحتاج إلى هدايات أخرى: هداية عند الموت، وهداية عند سؤال الملكين، وهداية عند الحساب، ويحتاج أيضًا إلى هدايةٍ إلى الصِّراط، وإلى هدايةٍ على الصِّراط، ويحتاج إلى هدايةٍ إلى باب الجنَّة، ويحتاج إلى هدايةٍ إلى منزله في الجنَّة؛ ولهذا قال الله تعالي: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ "(محمد:4-5)، يهديهم بعدما قُتلوا، يهديهم إلى ماذا؟ فهذه هدايات بعد الموت.

فهنا إذا قال العبدُ: "اهدني" تدخل فيه الهدايات التي تكون في هذه الحياة: هداية الإرشاد، وهداية التَّوفيق، وتدخل فيه أيضًا الهدايات التي تكون بعد ذلك، فالعبد لا يستغني عن هداية الله عزوجل له، هو مُفتقرٌ إليها كلَّ الافتقار؛ لأنَّه إزاء أعمالٍ وعبادات يتقرّب بها إلى الله، في كلِّ أحواله يحتاج إلى هدايةٍ، هو أمام اختلافٍ كبيرٍ أمام الناس يحتاج إلى هدايةٍ، هو أمام ازدحامٍ لأعمالٍ من المعروف، أعمال صالحة لا يتَّسع لها الزَّمان، فيحتاج إلى هدايةٍ، ما الأفضل فيقضي فيه العمر؟ فإنَّ العمر سرعان ما يرتحل.

فهنا "اهدني"، فجاء بهذا الإطلاق، رأيتُم ما تحت هذه الألفاظ من المعاني الكبار، نُرددها بين السَّجدتين.

وعافني

هنا يدخل أنواع المعافاة؛ المعافاة أن يُعافى الإنسان في دينه، فيسلم من البدع، والضَّلالات، والشُّرور، والمعاصي، والشُّبهات، والزَّيغ، وأنواع الضَّلال، الإنسان يسأل ربَّه العافية في الدنيا والآخرة.

ويدخل فيه أيضًا المعافاة من الابتلاء، الابتلاء لا بدَّ منه، ولكن فيما يكون شاقًّا على العبد مما قد لا يصبر معه، فيحتاج إلى العافية، الإنسان يسأل ربَّه العافية، فلا يتمنّى البلاء؛ ولهذا قال النبيّ صلي الله عليه وسلم :"لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتُموهم فاصبروا"(متفق عليه).

هنا يسأل ربَّه العافية في دينه، وفي دُنياه، وفي آخرته، فسؤال العافية يشمل ذلك جميعًا، العافية لا يعدلها شيءٌ؛ ولهذا قال النبيّي صلي الله عليه وسلم :" لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسَه، فلمَّا سُئِلَ عن هذا قال: يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيق"(الترمذي).، يعني: من الناس مَن يعمل أعمالاً، ثم لا يستطيع أن يصبر ويتحمّل تبعات هذه الأعمال، ولو كانت صالحةً؛ فينكسر، فهذا ينبغي له ألا يُقبل إلا على ما كان مُطيقًا له.

وارزقني

يدخل فيه الرزق: الهداية رزق، الرزق الذي يكون للقلوب، قوت القلوب، ويدخل فيه العلم، فهو رزقٌ من الله؛ ولذلك فإنَّ الإنسان قد يعكف زمانًا طويلاً على العلم، ولكنَّه لا يخرج بكبير طائلٍ، وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ، فهذا العلم رزقٌ من الله، وله أسبابه الحسيَّة والمعنوية.

ثم أيضًا يدخل في ذلك الرزق بالمال، وما يُوهَب العبد من العطاء الدّنيوي مما يستغني به عن الناس، فالله هو الرَّزاق، فيتوجّه إليه بذلك، يملك خزائن السَّماوات والأرض، فيقول: يا ربّ، ارزقني رزقًا حسنًا. ويدخل في ذلك الرِّزق الأُخروي، كلّ ذلك داخلٌ فيه، وهذا من أجمع الأدعية.

ولو أنَّ العبد يستحضر هذه المعاني وهو يقولها في صلاته؛ فإنَّ ذلك سيكون بالغ الأثر، مُستوجبًا للخشوع وحضور القلب.

واجبرني

وما جاء في الرِّواية الأخرى حينما يقول: واجبرني، هذا جاء في بعض روايات الحديث؛ كما عند الترمذي والبيهقي، وعرفنا ما معنى الجبر: جبر الكسير، جبر الضَّعيف، اجبر ضعفي، اجبر قلبي، فإذا جبر اللهُ تعالي عبدًا فإنَّ ضعفَه يتحوّل إلى قوةٍ، وحزنَه يتحوّل إلى أنسٍ، وراحةٍ، وسرورٍ، وسعادةٍ، وتكون أحوالُه إلى سدادٍ وكمالٍ.

فالله جل وعلا هو الذي يجبر أصحابَ القلوب المنكسرة، ويجبر الفقير فيُغنيه، ويُوليه، ويُعطيه.

وفي زيادةٍ عند ابن ماجه والحاكم: وارفعني، يعني: في الدَّارين، وليس المقصودُ بالرِّفعة: العلوَّ في الأرض، وإنما يرفعه بالإيمان والعمل الصَّالح، فلا يكون مهينًا، وإنما العزَّة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، فالمؤمن لا يكون ذليلاً مهينًا، فهذا كلّه مما يُقال بين السَّجدتين.

هذا الذكر كما سمعتُم جاء في لفظٍ: أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم  كان يقوله في صلاة الليل،ولو قاله في الفريضة؛ فيصحّ، وقد قال الإمامُ الشَّافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه بأنَّ هذا يُقال في المكتوبة، وفي التَّطوع..

على كل حالٍ، ولو أنَّ المصلي قال ذلك في صلاة الليل، وقال غيرَه مما صحَّ مما يُقال في الفريضة؛ فيكون ذلك أتبع للسُّنة،

فينبغي علي الإنسان أن يحافظ علي الدعاء في كل وقت وحين وأن يتضرع إلي الله وحده لاغيره فهوالذي يقول:" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"(البقرة:186).

وهو الذي يجيب المضطر إذا لجأإليه ودعاه قال تعالي:" أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ  أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ  قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"(النمل/62).

وصلَّى اللهم على سيدنا ونبينا محمدٍ، وآله وصحبهوسلم تسليماًكثيراً.

google-playkhamsatmostaqltradent