recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة الصوم مدرسة الأخلاق

 


 الصوم  مدرسة الأخلاق

الصوم يعلم الصائم ويغرس فيه مكارم الأخلاق

 حسن الخلق من كمال الإيمان  والطريق إلي الجنة

الصيام صيام الجوارح ووسيلة لتحسين الأخلاق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد

فيقول الله تعالي : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "(البقرة/183).

عباد الله :"قد بين الله عز وجل الهدف من الصوم وثمرته  وهي التقوى و هي الالتزام بشرع الله تعالى، وشرع الله تعالى يحث على الأخلاق الكريمة. 

إذا هدف الصوم هو التمسك بالأخلاق الكريمة، وقد بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن يفسد الصوم من الأخلاق الذميمة،

الصوم يعلم الصائم ويغرس فيه مكارم الأخلاق 

ولأن الصوم مدرسة الأخلاق فهويعلم الصائم ويغرس فيه مكارم الأخلاق  وفي الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالي:" كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، الصيام جُنَّة : فإذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ ولا يصخب، فإنْ سابَّه أحد أو قاتله فليقل:إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" (متفق عليه).

وهنا يوضح الحديث أن الصوم جنة "والصوم جُنَّةٌ".أي وقاية من الأخلاق الرديئة"

فالصوم حقا هو أعظم مدرسة تربوية تزكي النفس وتطهّر القلب وتقوّم السلوك وتنمّي الفضائل وتنفي الرذائل، وتربي الأخلاق  وكل ذلك وأكثر منه ينطوي تحت العبارة النبوية الشريفة الجامعة النيّرة "الصوم جُنَّةٌ"

- والصوم جنة بمعنى الوقاية من سوء الخلق والسفه والجهل ولزوم الوقار ومكارم الأخلاق.  والرفث هو التكلم بالكلام البذيء السيئ، الفاحش.

 وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفسق" يعني لا يعصي الله عز وجل بأي خلق سيئ، من كذب، أو نميمة، أو غيبة، أو غير ذلك من الأخلاق السيئة، حتى إنه صلى الله عليه وسلم حث على أن يكون الصائم متسامحًا، وهذا من الأخلاق الكريمة، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم"

 بمعنى أنه إذا استثاره أحد أن يقابل ذلك بالتسامح، وكما قال تعالى: ""فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ  إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"(الشوري/40).

  وهذا هو الهدف من الصوم، لا يريد الله عز وجل منا الجوع والعطش بقدر ما يريد منا ما يثمر هذا الجوع والعطش، أما الذي يجوع ويعطش ثم تصدر منه الأخلاق السيئة، فهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:"رب صائم لم يكن له من صيامه إلا الجوع والعطش"(ابن ماجه). 

ولنتذكر دائمًا أن هدف الصوم ليس هو الصوم في حد ذاته، وإنما هدفه هو تقوى الله عز وجل. ولذلك بدأ آيات الصوم بالتقوى وختمها بالتقوى، والذي يصوم ولا يتحلى بالأخلاق الكريمة التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال:"إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ"(البخاري). يكون كالشجرة التي لا ظل لها ولا ثمر.

حسن الخلق من كمال الإيمان  والطريق إلي الجنة

الصوم مدرسة الأخلاق  وحسن الخلق من كمال الإيمان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"(الترمذي).

وحسن الخلق هو الطريق  إلى الجنة كما أن سوء الخلق طريق إلى النار،قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ"(صحيح).

و قَالَ صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ"( أَبُو دَاوُدَ).

وقال صلي الله عليه وسلم:"إنمابعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(أحمد).

وماأحوجنا لمكارم الأخلاق

وإن قوام الأمم بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها،

يقول شوقي:"إنماالأممُ الأخلاقُ ما بقيت 

                                               فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقال:"وَإِذاأُصـيـبَ الـقَومُ فـي أَخــلاقِــهـم

                                            فَأَقِـــم عَلـيهِم مَــأتَـماً وَعَـويـلا.

وقال:صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْــــلاقِ مَرْجِعُـهٌ

                                         فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـــلاقِ تَسْتَقِـمِ


والصوم هو الذي يسمو بالمسلم إلي أعلي درجات السماحة والأخلاق الكريمة  والصائم إذا خرج من دائرة مكارم الأخلاق فإن ذلك يتنافى مع الحكمة التي شرع من أجلها الصيام حيث قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(البقرة:183).

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:" تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ” وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ:" الْفَمُ وَالْفَرْجُ"(أحمد والترمذي)؛ 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا ، وَصِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ:"هِيَ فِي النَّارِ"، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، وَصَلَاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ:"هِيَ فِي الْجَنَّةِ"( أحمد وابن حبان والحاكم وصححه).

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: : "إذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك  وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيَامِكَ سَوَاءً"(المصنف لابن ابي شيبة). ومن صيام السمع صونه عن سماع المحرمات والمنكرات..... إلخ.

عباد الله :"إن الصوم مدرسة أخلاقية كبرى، فهو يزكي النفس وينقيها ويطهرها  من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة ، كالأشر والبطر والبخل،ويعودها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه .

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ كَانَ لَيِّنًا هَيِّنًا سَهْلاً حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ "(الحاكم والبيهقي).

عباد الله الصوم يبعد صاحبه عن الأخلاق الرديئة وعلي رأسها شهادة الزور يقول صلى الله عليه وسلم:"مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(البخاري)، 

والمعنى: أن الصوم إذا لم يحجز صاحبه عن شهادة الزور، وقول الزور، وما شاكل ذلك من سيء الأخلاق،فإنه صوم لا طائل منه وما استفاد صاحبه سوى الجوع والعطش،وهو ما يؤكده قول النبى صلى الله عليه وسلم:"رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ،وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ"(سنن ابن ماجه).

وقد امتدح المولي عزوجل عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً بقوله:"وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا "(الفرقان:  72).

وقد حذر من قول الزور وقرنه بعبادة الأوثان فقال تعالي :"فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ"(الحج: 30).ذلك لأن شهادة الزور من أسوأ الأخلاق فقد قرنها رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشرك بالله وقتل النفس  فقال:" ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور - أو قول الزور، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُتَّكِئًا، فجلَس، فما زال يُكرِّرها؛ حتى قلنا: ليتَه سَكَتَ"(مسلم).

والرجل الذي دعي لشهادة الزورماذا قال؟قال:"نزح بئرين بإبرتين وغسل عبدين أسودين حتي يصيرا أبيضين وكنس أرض الحجاز في يوم ريح عاصف بريشتين أهون علي من أجلس بباب يضيع فيه ماء وجهي "

عباد الله أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد 

فالصيام صيام الجوارح ووسيلة لتحسين الأخلاق

والحقيقة أنَّ الناس انقسموا في الصيام إلى عدَّة أقسام: فمنهم من يكون صيامه الإمساك عن الأكل والشرب فقط ، إلاَّ أنَّه مرتكب للفواحش مطلق بصرَه لما حرَّم الله من النظر إلى النساء غير المحارم، وبعضهم قد أرخى لأذنه لكي تستمع للأغاني المحرمة ، ولا يخفى على ذي لبٍّ ما فيها من الفسق والكلام الفاحش ، وبعضهم أطلق لفمه العنان بالكلام الساقط، والعبارات الرذيلة، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور والكذب؛ فهل هذا صيام من أراد جنَّة الرضوان ؟!

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وهو الصادق المصدوق حيث يقول:"رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظُّه من قيامه السهر"

إذا لم يكن في السمع مني تصاون   وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت

فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما   فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت

ولهذا فإنَّ هؤلاء الذين فرَّطوا بصيامهم يعتبرون محرومين في شهر الصوم ، مفلسين في شهر الجود والإحسان ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مرَّة لأصحابه :" أتَدرونَ ما المُفلِسُ ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ ، وزكاةٍ ، ويأتي وقد شتَم هذا ، وقذَفَ هذا ، وأكلَ مالَ هذا ، وسفكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه ، وهذا من حسناتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ ، أُخِذَ من خطاياهم ، فطُرِحَتْ عليهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ"(مسلم).

   عباد الله:"ولا معنى لظاهر الصيام إن لم تتأدب النفوس:

من صام في نهار رمضان، ولم يصم لسانه من غيبة الآخرين وهتك أعراضهم، ولم تصم يده من إيذاء الآخرين والنيل منهم، ولم يصم قلبه من الأحقاد والغلِّ على إخوانه المسلمين، فإنَّ صيامه ناقص، وفيه تفريط كبير لحدود الله.

وممَّا يعجب له المطَّلع على أحوال بعض العوام حيث يحفظ هؤلاء حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح   عن أبي هريرة رضي الله عنه :"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهنَّ"( مسلم) ثم يقفون عند هذا الحدِّ، وينسون أو يتناسون تكملة هذا الحديث:"إذا اجتنبت الكبائر".

فليدرك الإنسان نفسه ، وليجدد توبته لربه، وليبتعد عن منكرات الأخلاق والأقوال والأعمال حتي يكون من أهل الخصوص الذين قيل فيهم:"

أهل الخصوص من الصوام صومهم

                                   صون اللسان عن البهتان والكذبِ

والعارفون وأهل الأنس صومهم  

                                       صون القلوب عن الأغيار والحجبِ

اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وكن لنا ولاتكن علينا يارب العالمين

عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله

google-playkhamsatmostaqltradent