recent
أخبار عاجلة

الاعتذار أدب كله فما الذي يمنعك من الاعتذار؟

  


الاعتذار أدب كله فما الذي يمنعك من الاعتذار؟


ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﺴﻲﺀ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕﻓﻼ ﻳﻘﻮﻝ :ﻋﻔﻮﺍ ﺃﺧﻲ عفوآ اختي.ﺇﻥ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﺠﺮﺡ ﺑﻌﻀﺎ ﺟﺮﺣﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ ﻭﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﻭﺃﻏﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻓﻼ ﻳﻘﻮﻝ ﺳﺎﻣﺤﻨﻲ ﻭﻳﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ " ﺁﺳﻒ " ..

ﺍﻹﻋﺘﺬﺍﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺭﺍﻗﻴﺔ و خلق عظيم، ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻧﻬﺎ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ...كلنا راحلون، والزاد قليل....

فكم من بيوت خربت وكم من قضايا رفعت وأضاعت الوقت والجهد والمال , وكم من عداوات دامت طويلاً وأثرت على أجيال متعاقبة وتسببت في قطيعة أرحام طويلة ممتدة , وكم من دماء أهريقت بين الرجال أو الأسر , وكان يكفي لوأدها في مهدها كلمة واحدة فقط وهي كلمة الأسف أو الاعتذار , والتي لو قيلت بعد مرور وقت لن تجدي نفعا ولن يكون لها أية قيمة ولا أثر , فلِم تتكبر عنها النفوس التي تعلم أن العودة للحق خير من التمادي في الباطل ؟ .

أقوي اعتذار في التاريخ

وهؤلاء هم الصحابة الأعلام لم يتحرجوا من أن يعتذروا ويقفوا عند الحق فالاعتراف بالحق فضيلة وإن كان عندي نصف فضيلة فليس هناك معني أن أعترف بخطأي وأتمادي فيه ولاأعتذر أو أتوب منه ..

"كلُّ بني آدم خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون"(الترمذي وابن ماجه).

فعن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: رأيت عليه بُرْدًا، وعلى غلامه برداً، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانت حُلَّةً، وأعطيته ثوباً آخر، فقال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، فذكرني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: "أساببت فلاناً" قلت: نعم، قال: "أفنلت من أمه" قلت: نعم، قال: "إنك امرؤ فيك جاهلِية" قلت على حين ساعتي: هَذِهِ من كبر السن؟ قال: "نعم، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أَخاه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه"(البخاري ومسلم).

وفي رواية  قال: رأيت أبا ذر بالربذة وعليه بُرْدٌ غليظ وعلى غلامه مثله، قال: فقال القوم: يا أبا ذر، لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حُلَّةً وكسوت غلامك ثوباً غيره، قال: فقال أبو ذر إني كنت ساببت رجلاً وكانت أمه أعجميةً، فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله فقال: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية" قال: "إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله"(أبو داود).

فهذا الحديث ليس فيه أن الرجل المسبوب هو بلال بن رباح رضي الله عنه، ولا قول أبي ذر رضي الله عنه: "يا ابن السوداء".

وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن الرجل الذي سبه أبي ذر رضي الله عنه، هو بلال بن أبي رباح رضي الله عنه:قال النووي في "شرح صحيح مسلم"

وذكره المنذري الزيلعي ابن الملقن وقال ابن حجر: "وقيل: إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى أبي بكر". (فتح الباري" (1/86).

وهنا سؤال: 

ما هو الدليل على أن المسبوب هو بلال رضي الله عنه؟

الجواب: أن بعض روايات جاء فيها ذكر بلال رضي الله عنه، "وأصل هذه القصة أن أبا ذر كان بينه وبين بلال ابن حمامة كلام وخصومة، وكانت أم بلال سوداء نوبية، فعير أبو ذر بلال بسواد أمه".

ما ذكره ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (1/87) بقوله: "روى الوليد بن مسلم، عن أبي بكر، عن ضمرة بن حبيب، قال: كان بين أبى ذر وبين بلال محاورة، فعيره أبو ذر بسواد أمه، فانطلق بلال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشكي إليه تعييره بذلك، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوه، فلما جاءه أبو ذر، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : شتمت بلالاً وعيَّرته بسواد أمه؟ قال: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تمت ما كنت أحسب أنه بقى في صدرك من كبر الجاهلية شيء، فألقى أبو ذر نفسه بالأرض، ثم وضع خده على التراب، وقال: والله لا أرفع خدي من التراب حتى يطأ بلال خدي بقدمه، فوطأ خده بقدمه".


الاعتذار شاق ولكن لابد منه:"

إن الاعتذار شاق على كثير من الناس , وقليل من يستسيغه ويتحمله وخاصة بين من يعتدون بأنفسهم , ممن نشؤوا منذ نعومة أظفارهم على الأثرة والترفع , فيصعب عليهم جدا أن تخرج كلمة الاعتذار من أفواههم أو أن يقبلوا اعتذار ممن يعتذر , ويحتاج الأمر لكثير من المجاهدة لكي تسلس للمرء قيادة نفسه حتى يقبل بالأمرين .

وإن من الإنصاف أن نذكر أن الاعتذار أيسر كثيرا في ثقافة الغربيين والآسيويين , إذ يُقدم أحدهم الاعتذار قبل أداء الخدمة وأثناءها وبعدها حتى يُشعرك بالحرج الشديد من كثرة اعتذاراته , ولا يكون غريبا على مجتمعاتهم أن يخرج عليهم مسئول رسمي كبير في وسيلة إعلامية وهو يقدم الاعتذار للشعب عما بدر منه حتى يصل الأمر إلى انتحاره – وهذا محرم في شريعتنا – من شدة تأسفه وخجله مما تسبب فيه بقصد أو بتقصير وإهمال .

يتعلق الأمر كثيرا بالعادات التي يكتسبها الإنسان من تربيته الأولى , والتي يسهل في صغره غرس جميع الأفكار والعادات فيه , ولكنها يصعب تغييرها بعد ذلك إلا بحهد كبير من الإنسان بعد معارك طويلة يخوضها مع نفسه .

ويكتسب الطفل بداية هذه المعاني - عمليا لا قوليا - من تصرفات والديه أمامه , فإن سمع والديه أو أحدهما لا يعتبر أن الاعتذار مضيعة للكرامة وانه من السهل عليه أن يُخطئ نفسه ويراجع موقفه ويتهم نفسه أنه المقصر في أي شيء , لهان على الولد أن يعتذر بعد ذلك , أما إذا رأى الطفل نقيض ذلك تماما وسمع من والديه أو أحدهما أنه لن يعتذر حتى لو كان مخطئا -وليكن ما يكون - فسيرسخ ذلك المعنى داخله ولن يكون الاعتذار عليه سهلا في يوم من الأيام .

وربما يزيد بعض الآباء من صعوبة الأمر على ولده , بأن يطلب منه صراحة ويلقنه تلقينا أنه : – أي الطفل - أفضل من الجميع وأنه فوق الناس , وينبغي عليه ألا يعتذر لأحد عن موقف حتى لو كان مخطئا , ويكثر ذلك بين الذكور وبصفة خاصة في الأسر التي يقل فيها الذكور ويكثر الجاه أو المال , ويجعلان الاعتذار أكثر صعوبة قد تصل لدرجة الاستحالة إن كان الخطأ في حق فتاة أو امرأة , وتبدأ مباركة الآباء لذلك في تعاملات الولد مع أخواته البنات , وبهذا إذا كبر ذلك الطفل وتزوج وتعرض لمواقف مع زوجته , فقد تحول كلمة اعتذار بينه وبين هدم بيته ولكنه لن يقولها أو لن يقبلها من زوجته إن كانت هي المخطئة .

الرسول الأسوة يقدم الاعتذار بنفسه 

ولنا في خير الناس صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة , إذ نراه يرق لرجل ويكرمه لمجرد أنه عبس في وجهه مرة واحدة - وهو أعمى لم ير ذلك العبوس - بعد أن أنزل الله في شأنه قرآنا معاتبا نبيه صلى الله عليه وسلم , ففي مسند أبي يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يكلِّم أبي بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله: " عَبَسَ وَتَوَلَّى "  قال:" فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه" , ونجده صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يطيب خاطره وهو الأعمى الذي لا يستطيع القتال , فنجده في غير مرة يوليه الإمارة على المدينة عند خروجه صلى الله عليه وسلم للقتال .

الرسول الأسوة يقبل عذر من أعتذر

ولنا فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في قبول اعتذار المعتذر , فكان لا يرد معتذرا لما كان فيه من كرم نفس وحسن خلق , ففي موقفه مع حادثة قتل ابنته زينب رضي الله عنها خير دليل على سعة عفوه وعظيم نفسه , فعند هجرتها رضي الله عنها دفعها رجل كان مشركا وقتها وهو هبار بن الأسود , دفعها وهي حبلى فسقطت من فوق بعيرها فأسقطت جنينها ولا زالت مريضة في المدينة بعدها حتى لقيت ربها , فيذكر ابن حجر القصة في الإصابة أن هبار بن الأسود نخس زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسلها زوجها أبو العاص بن الربيع إلى المدينة فأسقطت ,

 وبعد الفتح يأتي هبار إلى رسول الله ويعتذر إليه فيقول ابن حجر " فوقف هبار فقال: السلام عليك يا نبي الله أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله , ولقد هربت منك في البلاد وأردت اللحاق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك , وكنا يا نبي الله أهل شرك فهدانا الله بك وأنقذنا من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي , فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قد عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام والإسلام يجب ما قبله ".

والمواقف كثيرة في قبول رسول الله للأعذار منها موقفه من مشركي مكة يوم الفتح , وموقفه من ابن عمه أبي سفيان بن الحارث , وكلها مشهورة ومعلومة , وكذلك مواقف اعتذار صحابته لبعضهم البعض كما حدث بين بلال وأبي ذر رضي الله عنهما , وكعفو أبي بكر عن مسطح , ما يدلنا على سمة عظيمة سادت بين هذا الجيل الذي اختصه الله بكل الخير واختارهم الله لصحبة نبيه , فهلا تأسينا بهم ؟!.

ليس من يعتد بنفسه حقيقة من يأبى الاعتذار إن أخطأ , ولكن المعتد بنفسه المكرم لها هو من يصون نفسه ولا يوردها مورد الخطأ كي لا يُضطر إلى الاعتذار , فعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صل صلاة مودع ، كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه ، فإنه يراك ، و أيس مما في أيدي الناس تعش غنيا ، و إياك وما يُعتذر منه " 

ويوصى بها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولده عند موته فيقول " وإياك وما يُعتذر إليه من العمل والقول واعمل ما بدا لك " .

وما كانت التوبة إلى الله سبحانه إلا المظهر الأسمى للاعتذار , حين يرفع العبد كف ضراعته إلى ربه نادما باكيا متعذرا يقول كما قال أبواه بعد أول ذنب ارتُكب بين البشر "قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ", وما كان مَن الله وكرمه ومغفرته إلا أنموذجا علويا لقبول المعذرة من المخطئين التائبين المعتذرين .

هناك منزلة عظمي لا يدركها إلا كل من صفا قلبه وسمت روحه , وهي التماس الأعذار للمخطئين حتى قبل أن يعتذروا هم بأنفسهم , فالمدرك لحقائق النفس البشرية ويعرف دروبها ومسالكها جيدا قد يجد الأعذار للمخطئ بمجرد وقوع الخطأ , فيسلم قلبه من أي عرض يؤثر عليه وتسلم جوارحه من أي فعل قد يرتكبه ساعة غضبه , ففي البخاري قال أنس رضي الله عنه " كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام ، فضربت التي - النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها - يد الخادم ، فسقطت الصحفة فانفلقت ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول :"غارت أمكم " ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها ، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها ، وأ مسك المكسورة في بيت التي كسرت "

وينبغي على المخطئ أن يسارع في الاعتذار , لأن البطئ فيه يزيد الهوة بينهما ويغلف القلوب بحجاب يزداد سمكه بالوقت ويفتح الباب لكل شيطان من الإنس أو الجن للعبث بالقلوب وتغييرها

وينبغي على المعتذر أن يجعل اعتذاره - ما أمكنه - بمثل ما كنت إساءته , فالسر بالسر والعلانية بالعلانية , فلا يصلح أن يكون الخطأ معلنا والاعتذار مستورا فهذا ليس من الانصاف , ومن زيادة حسن الخلق وسعة الكرم أن يكون الخطأ سرا والاعتذار علنا فهذا دليل على صدر رحب ونفس عالية .

وينبغي على المُعتذر إليه أن يقبل الاعتذار العملي ولا يشترط اللفظي , فكثير من الناس من لا يمتلك القدرة على التلفظ بالاعتذار , ولكنه يأتي بأفعال ليس لها إلا معنى الاعتذار الضمني , فيبغي قبول ذلك منه ومعاونته على نفسه كي لا يغلبه شيطانه ويفسده بعد أن سار في طريق الإصلاح .

google-playkhamsatmostaqltradent