
هل يتمني الانسان الموت أوينتحر بسبب البلاء وضيق العيش؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ضاقت عليك الدنيا بما رحبت فاصبر ففي الابتلاء رفع منزلتك في
الجنة
يقول صلى الله عليه وسلم
قال:"إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ،
ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ
حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ "(أحمد وأبو داود
).
يحرم علي العبد الاستسلام للوساوس
الشيطانية الخبيثة التي يريد أن يفسد بها عليه استقامته وحياته وآخرته.
وعليه أن يستغفر الله بدلاً من يقول مللت من كل شيء حتى من الجنة إن دخلتها، لأن في هذا
الكلام استهانة بنعيم الله ودار ثوابه، ولا يقول ذلك مؤمن بالله وبما جاء من عنده.
و لا يعترض على قضاء الله وقدره، إذ كيف يجتمع هذا الإيمان مع اليأس والقنوط
الذي يسيطر عليك والذي هو من صفات الكافرين، قال سبحانه وتعالى:"إِنَّهُ لا يَيْأَسُ
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"(يوسف:87).
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت لأجل ضرر دنيوي يمس الإنسان،
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ
أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُل:ْ
اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ
الْوَفَاةُ خَيْراً لِي".
قال ابن حجر: لأن في التمني المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم،
وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء. انتهى
فلا يستسلم العبد لهذه الخواطر، وعليه بمجاهدتها والتحصن منها بتفويض
كل أمورك إلى الله، والقرب منه بالطاعة، وقراءة كتابه، والإكثار من ذكره، فبذلك ينشرح
صدره، ويطمئن قلبه، فالله جل وعلا يقول:"الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(الرعد:28).
واعلم أن الله سبحانه لا يظلم أحداً، ولا ينتقم من ولد بوالده، فهو القائل:
"وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"(الزمر:7).
فالله عزوجل قد يبتلي الإنسان
بأهله أو ولده لحكمة قدرها سبحانه، وقد ينال بها المنزلة الرفيعة، يقول النبي صلى الله
عليه وسلم: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه في جسده
أو في ماله أو في ولده، ثم يصبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه"(أبو داود
وأحمد).
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه"(مسلم
).
والمشاقص: سهام عراض، واحدها مِشقَص بكسر الميم وفتح القاف.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "وفي هذا الحديث
دليل لمن يقول لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي.
وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء
يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه
زجراً للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة.
ثم نقل النووي عن القاضي عياض قوله:
"مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا،
وعن مالك وغيره أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على
الفساق زجراً لهم.." اهـ.
ومن هنا لا يجوز الإقدام على قتل النفس ( الانتحار) بأي سبب من الأسباب
لقوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" ولقوله صلى الله
عليه وسلم: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً
مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً
فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها
أبداً" ( البخاري ومسلم).
فدل ذلك على أن قتل المرء نفسه من أعظم الكبائر، وأنه سبب للخلود في نار
جهنم والعياذ بالله.
وأن عذاب صاحبه يكون بنفس الوسيلة التي تم بها الانتحار، يضاف إليها دخوله
جهنم والعياذ بالله، هذا وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اليأس والقنوط، وأخبر أن ذلك
من صفات الكافرين فقال:"يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ
وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"(يوسف:87).
وقال تعالى على لسان خليله إبراهيم:"قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ
رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ"(الحجر:56).
والحاصل أن الإقدام على الانتحار أمر فظيع وعواقبه وخيمة ، مهما كانت
المشاكل الدافعة إليه.
فعظموا رجاءكم بالله وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجددوا
صلتكم بالله وأكثروا من الطاعات والجأوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم
السوء وأن يحبب إليكم الإيمان وأن يزينه في قلوبكم وأن يكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان
وأن يجعلكم من الراشدين، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم وفرصة
لا يمكن تعويضها فاغتنموها في العمل الصالح حيث به تحيون حياة كريمة كما قال تعالى:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(النحل/97).
ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس من طال
عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله" ( أحمد والحاكم، والترمذي
وصححه).
ولماذا الانتحار الذي يوجب غضب الله ومقته
وعقوبته؟! إن عاقلاً لا يقدم على ذلك أبداً لأنه يخسر دنياه وآخرته. وأخيراً فإننا
ننصح بمرافقة الصالحين الذين يحضونكم على الخير ويباعدون بينكم وبين الشر، كما نوصيكم
بحضور مجالس العلم والذكر، وبالمحافظة على الصلوات في أوقاتها مع الصبر وتفويض الأمور
كلها إلى الله الذي بشر الصابرين بقوله:" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا
أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"(البقرة/155-157).
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله
وصحبه وسلم