
يا خُطباءَ المساجد ذكروا فإن الذكري تنفع المؤمنين
أئمة وخطباء المساجد (الحلقة العشرون).
تحضير.. مهارة .. تكرار .. إطالة ..أخطاء لغوية ..أحاديث موضوعة.. قصص واهية !!
"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات/55).
أي : إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة .
"فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ"(ق/45)
ذكروا الناسَ بهذهِ الآيةِ العَظِيْمَةِ
الحَمْدُ للهِ رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وَبَعْدُ ؛
آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العَظِيْمَةِ حَصَلَتْ
فِي الأَيَّامِ المَاضِيَةِ ، لا يَنْبَغِي أَنْ تَمُرَّ عَلَى خُطَبَاءِ المساجد مُرورَ الكِرَامِ ، فَقَدْ كَانَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِلُّ
مِثْلَهَا لِلتَّحذِيرِ وَالتَّذكيرِ ، فَعِنْدَمَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : " كَسَفَتْ
لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم " ، فَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا
بَاطِل لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْت إِبْرَاهِيم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
وَالزَّلْزَالُ الَّذِي حَصَلَ وَغَرِقَت بِسَبِبِهِ دُوَلٌ آيَة تَسْتَحِقُّ التَّذكيرَ ، وَخَاصَّةً أَنَّهَا قَرِيْبَةٌ مِنَّا كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(الأحقاف/27).
وَقَوْله : " وَلَا يَزَال الَّذِينَ
كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَوْ تَحُلّ قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ
"(الرعد/31).
وفي القُرْآنِ الكريم آيات تبين أن الله يرسل الآيات لعباده تخويفاً وتذكيراً لهم ليرجعوا ويتوبوا :"
قَالَ تَعَالَى :"وَمَا نُرْسِلُ
بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا "(الإِسْرَاءُ /59).
عَنْ قَتَادَة قَوْله : " وَمَا نُرْسِل
بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا " وَإِنَّ اللَّه يُخَوِّف النَّاس بِمَا شَاءَ
مِنْ آيَة لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ ، أَوْ يَذَّكَّرُونَ ، أَوْ يَرْجِعُونَ
" .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : " وَمَا نُرْسِل
بِالْعِبَرِ وَالذِّكْر إِلَّا تَخْوِيفًا لِلْعِبَادِ " .
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: " وَالزَّلَازِلُ
مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُخَوِّفُهُمْ بِالْكُسُوفِ
وَغَيْرِهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْحَوَادِثُ لَهَا أَسْبَابٌ وَحِكَمٌ فَكَوْنُهَا آيَةً
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ هِيَ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ ... " .ا.هـ. "(مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى "
(24/264).
وَقَالَ تَعَالَى : " وَلَقَدْ
أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
"( الأَحْقَافُ : 27 ).
وَقَالَ تَعَالَى : " إِذَا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ
أَثْقَالَهَا " [ الزَّلْزَلَةُ : 1 - 2 ] .
قَالَ عَطِيَّةُ سَالِم فِي " تَتمتِهِ
لأَضْواءِ البَيَانِ " : ولذا فَإِنّ الزَّلْزَالَ أَشَدُّ مَا شَهِد العالمُ
مِنْ حَرَكَةٍ ، وَقَدْ شُوهِدت حَرَكَاتُ زِلْزَالٍ فِي أَقل مِنْ رُبعِ الثانِيةِ
فَدمَّرَ مُدُناً وَحَطمَ قُصُوراً ، ولذا فَقَدْ جَاءَ فِي وَصفِ هَذَا الزَّلْزَالِ
بِكُونِهِ شَيْئاً عَظِيْماً فِي قَوْلهِ تَعَالَى : " إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ
شَيْءٌ عَظِيْمٌ "(الحَجّ : 1 )، وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الشِّدَّةِ تِكرَارُ
الكَلِمَةِ فِي " زُلْزِلَتِ " وَفِي " زِلْزَالَهَا " كَمَا تُشعرُ
بِهِ هَذِهِ الإِضافَةُ " .ا.هـ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي زَمنِ
وُقُوْعِ الزَّلْزَالِ فِي الآيةِ :
مِنَ العُلَمَاءِ مَن ذَهَبَ إِلَى أَنّها
فِي الدُّنْيَا ، وَهِي مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ
مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ : " فِي هَذَا قَتَلْتُ
، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي ، وَيَجِيءُ السَّارِقُ
فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا
"(مُسْلِم).
وَذَهَبَ آخَرُوْنَ أَنَّهَا زَلْزَلَةُ
يَوْمِ القِيَامَةِ لِقَوْلهِ تَعَالَى : " يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا
لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ " .
وفي السنة المطهرة الأَحَادِيْثُ الكثيرة الدالة علي التَّذكيرُ وَالوَعْظُ عِنْدَ وُقُوْعِ الْآيَاتِ :
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا
لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ "(البُخَارِيُّ
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ : " قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَوِّفُ
اللهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ ") .
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ : " آيَتَانِ
مِنْ آيَات اللَّه " أَيْ : الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه وَعَظِيم
قُدْرَته أَوْ عَلَى تَخْوِيف الْعِبَاد مِنْ بَأْس اللَّه وَسَطَوْته ، وَيُؤَيِّدهُ
قَوْله تَعَالَى :" وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ".
وَقَالَ أَيضاً :"وَلَكِنْ يُخَوِّف
اللَّه بِهَا عِبَاده " مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا نُرْسِل
بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا " .
عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ
قَالَت : " زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى اصْطَفَقَتْ السُّرَرُ
، فَوَافَقَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلَمْ يَدْرِ ،
قَالَ فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : " لَقَدْ عَجِلْتُمْ
" ، قَالَ : " وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ :"لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ
مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ "(ابنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ
).
كَثْرَةُ الزَّلاَزِلِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ،
وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى
يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ "(البُخَارِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ :
" مَا قِيلَ فِي الزَّلاَزِلِ وَالْآيَاتِ ").
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ : " قَدْ
وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشَّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة
كَثِير مِنْ الزَّلَازِل وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا
شُمُولهَا وَدَوَامهَا " .ا.هـ.وَالوَاقعُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ ،وَهِي مِنْ أَشْرَاطِ
السَّاعَةِ الصُّغْرَى .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ :" كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً ، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا ..."(البُخَارِيُّ) .
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ : " الَّذِي
يَظْهَر أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدّ جَمِيع الْخَوَارِق تَخْوِيفًا ، وَإِلَّا
فَلَيْسَ جَمِيع الْخَوَارِق بَرَكَة ، فَإِنَّ التَّحْقِيق يَقْتَضِي عَدّ بَعْضهَا
بَرَكَة مِنْ اللَّه كَشِبَعِ الْخَلْق الْكَثِير مِنْ الطَّعَام الْقَلِيل وَبَعْضهَا
بِتَخْوِيفٍ مِنْ اللَّه كَكُسُوفِ الشَّمْس وَالْقَمَر ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر آيَتَانِ مِنْ آيَات اللَّه
يُخَوِّف اللَّه بِهِمَا عِبَاده " وَكَأَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ
عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى :
" وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا " ، وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ
مِنْ طَرِيق الْوَلِيد بْن الْقَاسِم عَنْ إِسْرَائِيل فِي أَوَّل هَذَا الْحَدِيث
" سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بِخَسْفٍ فَقَالَ : كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد
نَعُدّ الْآيَات بَرَكَة ، الْحَدِيث " .ا.هـ.
وفي رواية أخري :" إنَّكم تعدُّونَ الآياتِ عذابًا وإنَّا كنَّا نعدُّها على عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ برَكةً لقد كنَّا نأْكلُ الطَّعامَ معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ نسمعُ تسبيحَ الطَّعامِ قالَ وأُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ بإناءٍ فوضعَ يدَهُ فيهِ فجعلَ الماءُ ينبعُ من بينِ أصابعِهِ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ حيَّ على الوضوءِ المبارَكِ والبرَكةُ منَ السَّماءِ حتَّى توضَّأنا كلُّنا"(الترمذي).
ولأجل أن الزلازل وكثرتها علامة من علامات الساعة الصغري كما ورد في الأحاديث وعَن سَلَمةَ بنِ نفيلٍ السكونيِّ -وكان من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "بينَ يَديِ السَّاعةِ مُوْتانٌ شَديدٌ، وبَعدَه سَنَواتُ الزَّلازِلِ"(أحمد وغيره) .
قال القُرطُبيُّ: "قَد ذَكَرَ أبو
الفَرجِ ابنُ الجَوزيِّ أنَّه وقَعَ مِنها بعِراقِ العَجمِ كثيرٌ، وقَد شاهَدنا بَعضَها
بالأندَلُسِ".
وقال البَرزنجيُّ في أشراطِ السَّاعةِ:
"قَد وقَعَ في أوَّلِ خِلافةِ الْمُتَوَكِّلِ سَنةَ اثنَتين وثَلاثينَ ومِئَتين
زَلزَلةٌ مَهولةٌ بدِمشقَ، سَقَطَت مِنها دُورٌ، وهَلَكَ تَحتَها خَلقٌ، وامتَدَّت
إلى أنطاكيَّةَ فهدَمَتْها، وإلى الجَزيرةِ فأحرَقَتْها، وإلى الْمَوصِلِ، فيُقالُ:
هَلَكَ من أهلِها خَمسونَ ألفًا. وفي سَنةِ اثنَتين وأربَعينَ ومِئَتين: زُلزِلَتِ
الأرضُ زَلزَلةً عَظيمةً بتونُسَ وأعمالِها، وخُراسان، ونَيسابور، وطبرسْتانَ، وأصبَهانَ،
وتَقَطَّعَت جِبالٌ، وتَشَقَّقَتِ الأرضُ بقَدرِ ما يَدخُلُ الرَّجُلُ في الشَّقِّ،
وكان بينَ الزَّلزَلَتينِ عَشْرُ سِنينَ. وفي سَنةِ خَمسٍ وأربَعينَ ومِئَتين: عَمَّتِ
الزَّلازِلُ الدُّنيا، فأخرَبَتِ الْمُدُنَ والقِلاعَ والقَناطِرَ، وسَقَطَ من أنطاكيةَ
جَبَلٌ في البَحرِ. وفي خِلافةِ الْمُعتَضِدِ سَنة مِئَتين وثَمانينَ: وقَعَت في الديبلِ
زَلزَلةٌ عَظيمةٌ هَدَمَت عامَّةَ البَلَدِ، فكان عِدَّةُ من أُخرِجَ من تَحتِ الرَّدْمِ
مِئةَ ألفٍ وخَمسينَ ألفًا. وفي سَنةٍ أربَعِمِئةٍ وسِتِّينِ: وقَعَ بالرَّملةِ زَلزَلةٌ
هائِلةٌ خَرَبَّتْها حَتَّى طَلَع الْماءُ من رُؤوسِ الآبارِ، وهَلَكَ من أهلِها خَمسةٌ
وعِشرونَ ألفًا، وبَعُدَ البَحرُ عَن ساحِلِه مَسيرةَ يَومٍ، فنَزلَ النَّاسُ إلى أرضِه
يَلتَقِطونَ؛ فرَجعَ الْماءُ عليهم فأهلَكَهم.
وفي سَنةِ أربَعٍ وأربَعينَ وخَمسِمِئةٍ:
وقَعَت زَلزَلةٌ عَظيمةٌ، وماجَت بغدادُ نَحوَ عَشرِ مَرَّاتٍ، وتَقطَّعَ بحُلوان مِنها
جَبَلٌ.
وفي سَنةِ سَبعٍ وتِسعين وخَمسِمِئةٍ: جاءَت
زَلزَلةٌ كُبرى بمِصرَ والشَّامِ والجَزيرةِ، فأخرَبَت أماكِنَ كثيرةً، وقِلاعًا مُتَعَدِّدةً.
وفي سَنةِ اثنَتين وخَمسِمِئةٍ: وقَعَت
زَلازِلُ عَظيمةٌ بالشَّامِ، وحَلبٍ، وشِيراز، وأنطاكيةَ، وطَرابلسَ، وهَلَكَ خَلقٌ
كثيرٌ حَتَّى إنَّ مُعَلِّمًا بحَماةَ قام مِنَ الْمَكتَبِ، ثُمَّ عادَ فوجدَ الْمَكتَبَ
قَد وقَعَ على الصِّبيانِ فماتوا كُلُّهم، ولَم يَأتِ أحَدٌ يَسألُ عَن ولَدِه؛ لأنَّ
أهلَهم ماتوا أيضًا! وهَلَكَ كُلُّ من في شيراز إلَّا امرَأةً وخادِمًا واحِدًا، وانشَقَّ
تَلٌّ في حرَّان فظَهَرَ فيه بيوتٌ، وعَمائِرُ، ونَواويسُ، وانشَقَّ في اللَّاذِقيَّةِ
مَوضِعٌ، فظَهَر فيه صنَمٌ قائِمٌ في الماءِ. وخَرِبَت صيدا، وبيروت، وطَرابلس، وعكار،
وصُور، وجَميعُ بلادِ الفِرِنجِ، وانفَرَقَ البَحرُ إلى قُبرُص، وقَذَفَ بالمَراكِبِ
إلى ساحِلِه، وتَعَدَّى إلى ناحيةِ الشَّرقِ، ومات خَلقٌ كثيرٌ. قال صاحِبُ «الْمِرآةِ»:
مات في هذه السَّنةِ نَحوُ ألفِ ألفٍ ومِئةِ ألفِ إنسانٍ. كذا في «السكردان». وفي سَنةِ
اثنَتين وسِتِّينَ وسِتِّمِئةٍ: زُلزِلَت مِصرُ زَلزَلةً عَظيمةً، وقَد مَرَّتِ الزَّلزَلةُ
الواقِعةُ بالمَدينةِ قَبلَ خُروجِ النَّارِ بها. ووَقَعَت في سَنةِ ثَلاثٍ وثَلاثينَ
وأربَعِمِئةٍ بحترةَ زَلزَلةٌ عَظيمةٌ عَشَرةَ فراسِخَ في مِثلِها، فأهلَكَت خَلائِقَ
كثيرةً. وفي سَنةٍ اثنَتين وعِشرينَ وتِسعِمِئةٍ: وقَعَ بأزرنكان زَلزَلةٌ عَظيمةٌ،
وهَلَكَ بسَبَبِها عالمٌ كثيرٌ، والله يَفعَلُ ما يَشاءُ. وفي سَنةِ ألفٍ وقَعَت ببَلدةٍ
لار زَلزَلةٌ عَظيمةٌ، انهَدَمَت مِنها البُيوتُ كُلُّها واندَكَّت، بحَيثُ لا يَكادونَ
يَعرِفونَ مَحَلَّ بُيوتِهم. وكانت قَبلَها بأيَّامٍ زَلازِلُ صِغارٌ في كُلِّ يَومٍ،
فخَرجوا مِنها، فمَن خَرجَ مِنها نَجا، ومَن لا هَلَكَ. ووَقَعَت بَعدَ تَأليفِ هذا
الكِتابِ بنَحوِ سِتَّةِ أشهُرٍ زَلزَلةٌ هائِلةٌ ما نَجا مِنها إلَّا القَليلُ، فألحَقناها
بهذا الْمَحَلِّ. فهَذِه هيَ الزَّلازِلُ العِظامُ والرَّجَفاتُ الَّتي اعتُني بنَقلِها
في كُتُبِ التَّواريخِ، وأمَّا الزَّلازِلُ الصِّغارُ فلا تَكادُ تَنحَصِرُ، وبِالله
التَّوفيقُ" . (الإشاعة
لأشراط الساعة ص: 106-108).
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم