
معنى
الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم
من هم المُستجِيبُون
لله ورسوله؟
نماذج من المستجيبين
عقوبات المعرضين عن الاستجابة
أبرز علامات الاستجابة لله والرسول
بتاريخ 11 شعبان 1444 هـ ، الموافق 3 مارس 2023م.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له.
وأشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله، وأُصلّي وأسلِّم على أفضل خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وكل من دعا بدعوته صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.أمَّا بعد:
فيقول الله تعالي :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ "(الأنفال:24).
عباد الله: في هذه الآية الكريمة ينادي الله عباده
المؤمنين بأجلّ الأسماء وأحبها إليهم:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"
ينادينهم مذكّراً لهم ما اتصفوا به من إيمان وما تحلّوا به من فضائل من لازمها
وطابع المتحلّي بها أن يستجيب لأمر الله طائعاً رغباً ورهباً.
فيقول سبحانه:"اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ"، أي أطيعوا الله واستقيموا واثبُتوا على شرع الله وما جاءَكم به رسول الله مهما كانت الأحوال، أو قست الظروف إذا دعاكم الله ورسوله لما يحييكم. يقول سبحانه:"فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"(البقرة:186).
والذي به حياتنا ودُعينا إلى الاستجابة له والانقياد هو
الإيمان، هو السنَّة والقرآن، هو الحق: وهذا إخبار صادق ووعد من قادرٍ على الوفاء
لا يخلف الميعاد بأنَّ المُستجيب للحق سيحيا حياة طيبة، حياة عزٍّ وعمل: نعم،
سيحْيا يتلألأ له نوره وضاءً في الدنيا بنور البصيرة وسكنى القلوب، وبقاءِ الذكر
والثناءِ الجميل، وفي الآخرة سيحيا حياة الخلود ونعم الحياة في جنَّات عدن لهم
فيها ما يشاءون وكذلك يجزي الله المتقين.
معني الاستجابة لله والرسول :"
عباد الله:"ولك أن تقول: وكيف أستجيب لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
ونقول: الاستجابة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يخضع ويطيع وينقاد
قلبك وجوارحك وأقوالك وأفعالك وجميع حالك لأوامر الدين ونواهيه، وأن تطيع الله
ورسوله... فالاستجابةُ لله والرسول هي الاستجابةُ للإسلام بكل ما فيه، استِجابةٌ
شاملةٌ واسعةٌ في كل شيءٍ دعانا إليه ربُّنا ورسولُنا -صلى الله عليه وسلم-.
يستجيبُ المسلم لله في كل شؤون حياتِه، في الصلاة، والزكاة، والصيام، في طاعة الوالدَين، وصِلة الأرحام، والمُعاملات، في لِباسِه وهيئتِه وعملِه. والمرأةُ تستجيبُ لله في حجابِها، وسترها، وزينتها، ومنزلها، وعلاقتها مع زوجِها وأطفالِها.
سرعةُ الاستِجابة دليلُ الصدقِ في الاستِسلام، وهي ثمرةُ
العلم النافع والعمل الصالح.
والمُستجِيبُون لله ورسوله هم أهلُ الفلاح، وهم المؤمنون حقًّا، الفائِزون بالمطلوب، النَّاجُون من
الكُرُوب، فتقرُّ أعينُهم، وتسعَدُ أرواحُهم.
قال الله تعالى:"إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ"(النور: 51).
هذا هو قولُ أهل الإيمان: سمِعنا وأطعنا، في المنشَط والمكرَه، والعُسر واليُسر. أما المُنافِقون فشِعارُهم الإعراضُ والتولِّي، وديدَنُهم الصدُّ عن سبيل الله، ومُخالفةُ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا"(النساء: 61).
حياة أهل الاستجابة، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"(الأنفال: ٢٤). "فتضمنت هذه الآية أمورًا أحدها أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له" (الفوائد لابن القيم).أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا"(الأنعام:١٢٢).
كما أن من ثمراتها الجنة، قال الله تعالى: "لِلَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ
أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ
أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ"(الرعد:١٨).
والاستجابة سبب في قبول الدعاء: قال تعالى:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"(البقرة:١٨٦).: فليستجيبوا لي بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
وهي كذلك من علامات الإيمان: "وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ"(الشورى:٢٦).
وبالاستجابة نيل مغفرة الله:"يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الأحقاف:٣١-٣٢].
في الاستِجابة لله والرسول حياةُ القلبِ والعقل، حياةُ النفس والمُجتمع، حياةُ الأمة كلِّها، ولهذا كان أكملُ الناس حياةً أكملَهم استِجابة، ومن ضعُفَت استِجابتُه ضعُفَ قلبُه ونقصَت حياةُ حياتِه، وأما من ماتَ قلبُه فلا استِجابةَ عنده؛ قال الله تعالى:"إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ"(النمل: 80).
عباد الله :" وفي سُرعة الاستجابة سطَّر الأوائِلُ مواقِفَ خالِدَة
يتلقَّى أحدُهم الأمرَ أو النهي، فيستجيبُ فورًا دون تردُّدٍ، يُحوِّلُه إلى واقعٍ
ملموسٍ وفعلٍ محسوسٍ. وهذا يُنبِئُ عن عُمق إيمانٍ وصدِقِ إذعانٍ.
ويستجيبُ الله للعباد إذا استجابُوا له -سبحانه-، وهو يُقدِّرُ
الاستِجابةَ في وقتها بتقديرِه الحكيم، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:
"يُستجابُ لأحدِكم ما لم يعجَل فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ
لي!"(البخاري ومسلم).
يستجيبُ الله لمن استجابَ له، قال
تعالى:"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ
مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ"(آل عمران: 195).
يقول أنسٌ -رضي الله عنه-: "بينما أنا أُديرُ
الكأسَ على أبي طلحَة وفلان، فسمعتُ مُنادِيَ يُنادِي: ألا إن الخمرَ قد
حُرِّمَت". قال: "فما دخلَ علينا ولا خرجَ منا خارِجٌ حتى أهرَقْنا
الشرابَ، وكسَرْنا القِلال، وتوضَّأَ بعضُنا واغتسلَ بعضُنا، وأصَبْنا من طِيبِ
أمِّ سُلَيم، ثم خرَجنا إلى المسجِد فإذا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-
يقرأ:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(المائدة: 90).
وتقول عائشةُ -رضي الله عنها-: "إن لنساءِ قُريشٍ
لفَضلاً، وإني -والله- ما رأيتُ أفضلَ من نساءِ الأنصار، أشدَّ تصديقًا لكتاب
الله، ولقد أُنزِلَت:"وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ"(النور:
31)، فانقلَبَ رجالُهنَّ إليهنَّ يتلُون ما أنزلَ الله إليهنَّ فيها، ويتلُو
الرجلُ على امرأتِه وابنتِه وأختِه وعلى كل ذي قرابَته، فما منهنَّ امرأةٌ إلا
قامَت إلى مِرطِها المُرحَّل، فاعتجَرَت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزلَ الله في
كتابِه، فأصبَحن وراءَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُعتجِراتٍ كأنَّ على
رُؤوسهنَّ الغِربان"(أبوداود).
ورأى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من ذهبٍ في يدِ رجُلٍ، فنزعَه وطرحَه وقال: "يعمِدُ أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلُها في يدِه". فقيل للرجُّلِ بعدما ذهبَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: خُذ خاتمكَ وانتفِع به. فقال: لا والله، لا آخُذُه أبدًا وقد طرحَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-"(مسلم).
أبو طلحة لما نزلت: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران:92]، يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: إن أحب أموالي إلي بيرحاء، فهي إلى الله -عز وجل- وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أرجو بره وذخره، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح"... (متفق عليه).
تحويل القبلة
ومن النماذج كذلك استجابة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في تحويل القبلة، روي ابن عمر فيقول: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح جاءهم آت فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" (النسائي)؛ استجابة فورية داخل الصلاة!
ومن تلك النماذج -أيضا- رفض بعضهم لرفع ما طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان ذهبًا مبالغة في الامتثال والاستجابة: فعن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله، لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! (مسلم).
أما حنظلة بن أبي عامر فشاب يُنادى بالجهاد في ليلة عرسه، فيترك عروسه، ويخرج مستجيبًا ملبيًا، فيستشهد، فيقول عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صاحبكم تغسله الملائكة" فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لذلك غسلته الملائكة" (الحاكم).
وهذا الفاروق عمر يأتي الحجر الأسود فيقبله ويقول: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك" (متفق عليه)؛ فيدع قناعته وما يمليه عقله استجابةً وامتثالًا.
ولم يكن ابن مسعود -رضي الله عنه- بأقل استجابة وطاعة وامتثالًا؛ فعن جابر قال: لما استوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة قال: "اجلسوا"، فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد! (أبو داود). ويروي أبو سعيد الخدري فيقول: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟"، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن جبريل -صلى الله عليه وسلم- أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا" (أبو داود)، فكل ما دفعهم لخلع نعالهم: "رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا".
الأسباب والموانع التي أردت بالمعرضين؛ فمن تلك الأسباب:
التكبر: فهذا رجل ترك الاستجابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبرًا، فانظر ما حدث له، يروي سلمة بن الأكوع أن رجلًا أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله، فقال: "كلْ بيمينك"، قال: لا أستطيع، قال: "لا استطعت"، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه. (مسلم)، وقديمًا تكبر قوم فرعون فقالوا:"أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ"(المؤمنون:47).
ومنها: الحسد: فهو الذي منع اليهود من الاستجابة للإسلام:"وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ"(البقرة:١٠٩).
ومنها: التعصب والتقليد الأعمى للآباء:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا"(البقرة:١٧٠)، وهو من أقبح موانع الاستجابة.
ومنها: اتباع الهوى: قال -تعالى- موضحًا علة عدم استجابة الكفار للرسول -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ"(القصص:٥٠)، فالهوى ضلال عن الهدى: "وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"(ص:
ومنها: الخوف: فكم من الناس يعرف الحق ويوقن به، لكن يمنعه من الاستجابة له الخوف على النفس أو الأهل أو المصالح... وهذا مما منع أهل قريش أن يستجيبوا:"وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا"(القصص:٥٧).
عقوبات المعرضين عن الاستجابة
عباد الله:" أما الذين يرفُضون الاستِجابةَ لله
ورسوله فإنهم يرفُضُون الحياةَ الكريمةَ، وليس لهم إلا الدُّون، ومصيرُهم الهلاك،
ومآلُهم الدمارُ والوَبالُ، قال الله تعالى:"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ" (إبراهيم: 28، 29).
ثم يقول الله:"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ"(الأنفال: 25).
والنُّكوصُ عن الاستِجابة يُسبِّبُ الاختلاف، واضطرابَ
الأحوال، واختِلال الميزان، وشُيُوع الفساد، وهو المُعبَّرُ عنه بالفتنة.
عن زينَب بنت جحشٍ -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله
عليه وسلم- خرجَ يومًا فزِعًا مُحمرًّا وجهُه يقول: "لا إله إلا الله، ويلٌ
للعرب من شرٍّ قد اقتَرَب، فُتِح اليوم من رَدم يأجوج ومأجوج مثلُ هذا".
وحلَّقَ بإصبَعِه الإبهامِ والتي تلِيْها. قالت: فقلتُ: يا رسول الله: أنهلِكُ
وفينا الصالِحون؟! قال: "نعم، إذا كثُر الخبَث".
الأمةُ التي تستجيبُ لوحيِ ربِّها، وتُسلِمُ وجهَها
لبارِئها يحسُنُ حالُها، وتتغيَّرُ حياتُها صلاحًا وإصلاحًا، ويتحقَّقُ لها الأمنُ
والحياةُ الطيبة، والوحدة الصادقة بين المؤمنين، وتتحوَّلُ العداوةُ والبغضاءُ إلى
أن يكونوا بنعمة الله إخوانًا، كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:
"مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثلُ الجسَد إذا اشتكَى
منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَدِ بالسَّهَر والحُمَّى".
ولما حصلَ الخللُ في الاستِجابةِ لله ورسولِه مُنِعوا
إجابة الله، ووُكِلوا إلى أنفسهم، ومن وكلَه الله إلى نفسِه خسِرَ وضعُفَ وذَلَّ.
الكِبرُ وحبُّ الرِّياسَة والانغِماسُ في التَّرَف من مُعوِّقات الاستِجابة، واتِّباعُ الهوَى يصدُّ عن الاستِجابة، قال الله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ"(القصص: 50).
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد
فياعباد الله
وللاستِجابةِ علامات، أبرزُها:
إقامةُ الصلاة، والشُّورى في الأمر، والإنفاقُ في سبيل الله، قال الله تعالى:"وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"(الشورى: 38).
من استجابَ لله نالَ الحُسنى، ومن أعرضَ وعصَى ولم يستجِب فبئسَ المآل، ولن يُغنِيَ عنه جمعُه ولا مالُه ولو أتَى بمِلءِ الأرض ذهبًا ومثلِه معه ليفتدِيَ به، قال الله تعالى:"لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"(الرعد: 18).
عباد الله: إنَّ الحاكم العدل الرؤوف بعباده آذننا من هذه الآية؛ بأنَّه أملك لقلوب العباد منهم، يقلِّبها كيف يشاء "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ"(الأنفال:24).
و عن عائشة قالت: "كانت يمين رسول الله: لا ومقلّب القلوب"، وفي هذا الإيذان منه تعالى بأنه أملك لقلوبنا منا إثر الأمر لنا بالاستجابة: إنذار وتحذير من التولّي عن شرع الله، وعدم الاستجابة له ولرسوله"(البخاري).
وإعلام بأن عدم الانقياد وعدم الاستجابة؛ من عوامل الحيلولة بين المسلم والاستقامة، بينه وبين معالم الحق، بينه وبين ما يشتهي"فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ"(الصف:5).
"كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(المطففين:14).
فاتَّقوا الله -عباد الله- وراقبوه، فإن مصيركم ومرجعكم
إليه تعالى، وسيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فإما جنة عرضها السماوات
والأرض أُعِدّت لمن استجاب، وإما نار تلظى وعذاب أليم وسوء حساب لمن لا يستجيب.
يقول سبحانه وقوله الحق: "لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"(الرعد:18). ويقول:"اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ"(الشورى:47).
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ
الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين،
واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المُسلمين.