
ليلة النصف من شعبان وتحويل القبلة
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد
حَفَلَ شهر شعبان بالعديد من الأحداث التاريخية المهمة المتعلّقة بالمسلمين ففيه أمر الله
تعالى المسلمين بالجهاد في سبيله وأوجبه عليهم وألزمهم به، كما حُوِّلَتُ القبلة من
المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في شهر شعبان بعد أن صلّت جموع المسلمين إلى
جهة بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً
كما ورد في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال:" كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ"(البخاري). .
فتحويل القبلة تحويل للقلوب ناحية الكعبة المشرفة وفي هذه الليلة
لايغفر الله إلا لمن طهر قلبه ونقاه وغسله من الذنوب والدنائس..
قال الرسول:"ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا وهي القلب "فالقلب إذا صلح صلح كل شيء،وإذا فسد فسد كل شيء،فلا
تنفع موعظة،ولا تجدي نصيحة،ولا تؤثر خطبة إذا
لم يكن صالحاً،ولربه خاشعا..
لذلك هناك علاقة وطيدة بين صلاح القلب علي الدوام وليلةالنصف من شعبان بالذات
فهي ترفع فيها الأعمال إلي الله ولايقبل فيها إلا سليم الصدرِ ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول:"إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه،فيغفر
للمؤمنين،ويملي للكافرين،ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه"
(الطبراني، وحسنه الألباني).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر
لجميع خلقه،إلا لمشرك أو مشاحن" (ابن ماجه، وابن حبان).
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:"فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم
ذَاتَ لَيْلَةٍ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَكُنْتِ
تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ!؟ فقُلْتُ: وَمَا بِي ذَلِكَ وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ
نِسَائِكَ فَقَالَ:"إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ
مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ ( وهو اسم قبيلة"(الترمذي وابن ماجه وأحمد واللفظ لابن
ماجه
).
إن من فضائلِ سلامةِ الصدرِ أنها تقطعُ سلاسلَ العيوبِ وأسبابَ الذنوبِ، فإن من سلِمَ
صدرُه وطَهُرَ قلبُه عن الإراداتِ الفاسدةِ والظنونِ السيئةِ عفَّ لسانُه عن الغِيبةِ
والنميمةِ وتحري الحلال وابتعد عن الحرام..
فالحلال بين والحرام بين ..وصاحب القلب السليم ينجو ولانينفعه إلا ذلك:"يَوْمَ لا يَنْفَعُ
مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"(الشعراء).
اللهم اصلح فساد قلوبنا وانزع الغل والحسد من صدورنا واصلح ذات بيننا يارب العالمين
ومن فضائل شهر شعبان التأهب لشهر رمضان بالصيام والصلاة والدعاء وصلة الأرحام
وغيرها من الأفعال الصالحة، كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في
الحديث الصحيح، عن أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- قالت: ما رأيتُ رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر
صيامًا منه في شعبان. رواه البخاري ومسلم.
فلنكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك عسى أن تصيبنا نفحة من نفحات هذا الشهر
العظيم فلا نشقى بعدها أبداً.