recent
أخبار عاجلة

مقدمة الخطبة وعناصرها وخاتمتها أئمة وخطباء المساجد

 


مقدمة الخطبة وعناصرها وخاتمتها

أئمة وخطباء المساجد (الحلقة السابعة عشر).

تحضير.. مهارة .. تكرار .. إطالة ..أخطاء لغوية ..أحاديث موضوعة.. قصص واهية !!

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد 

 فإن الخطبة تتألف  من حيث إطارُها العام وهيكلها من مقدمة   وخاتمة، ومن موضوع يربط بين مقدمة الخطبة وخاتمتها، ويكون الموضوع هو حلقة الوصل بينهما، 

ونقول  وبالله التوفيق.

إن أهمَّ ما ينبغي في الخطبة هو مقدمتها المشتملة على براعة الاستهلال، ثم ما في جعبة الخطيب من الأساليب البيانية واللغوية، ثم وضوح المقصد والمعني بجلاء، ومن خلال جمل قصيرة مؤثرة، وتقسيم الخطبة إلى أقسام واضحة المعالم، ثم موضوعها وهو لُبُّها وزبدتها، ثم خاتمة الخطبة وهو أن تشتمل على فقرات يسهل تذكُّرها أو حفظها بعد أن ينتهي الخطيب من حديثه، وهذه العناصر متداخلة فيما بينها، يبلغ الترابط بينها ذروته وجودته حسب مقدرة الخطيب، وغزارة معلوماته، ومهارته وخبرته، وإليك البيانَ:

أولاً: مقدمة الخطبة:

وهي المدخل والمفتاح للموضوع الذي سيختاره الخطيب، وهي عددٌ قليل من الفقرات التي يمكن من خلالها تقديم تلخيص لأهمِّ جوانب الموضوع، بحيث لا تشتِّت فكر المستمع، ولا بُدَّ أن تكون متناسبةً مع مضمون الخطبة، ومقدمة كل خطبة بحسب الموضوع، والهدف من المقدمة هو جلب انتباه الحاضرين إلى ما وراء المقدمة، وللمقدمة الأثر الفعَّال في نجاح الخطيب أو فشله، فإن كانت المقدمة بما حوته من ألفاظٍ ومعانٍ محكمةِ المبنى والمعنى، متينة الأسلوب، قوية التأثير، متضمِّنة للمقصود - كان لها الأثر في تنبيه الحاضرين، وإيقاظ الغافلين، و بها يتمكَّن الخطيب الناجح من أن يملك زمام الأمر، ويأخذ بناصية الموقف، وهي بمثابة "الدينمو" المحرِّك لاستكمال الخطبة بهدوء وسكينة وثقة نفس.

فمَن أراد أن يوفَّق لذلك فعليه مراعاة ما يلي فيها:

أولاً: براعة الاستهلال: :"

أن تتضمَّن المقدِّمة ما يسمى عند علماء المعاني في علم البلاغة ببراعة استهلال، وحسن الابتداء، وقوة الافتتاح، وأدنى من ذلك حسن الاستهلال.

وبراعة الاستهلال هي :" أن يبتدأ الكلام بما يناسب المقصود والمضمون، وهي تقع في بداية الكلام وديباجته، والخطب تبدأ عادة بحمد الله، والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم  - ثم الإشارة إلى الموضوع، ثم بخطابات عامَّة...

 وهكذا: "ولبراعة الاستهلال أثرها في تدعيم موقف الخطيب، وغرس الثقة في نفسه، ليتابع طرح موضوع خطبته بكمال القوة والثبات" ، فإذا ما فاجأ الخطيب المستمعين ببراعة التقديم، استطاع متابعة حديثة بنشوة، وثقة عالية، وقد اهتم القرآن الكريم بهذا الأسلوب في مطالع السور، وبداياتها، وتأمل قوله - تعالى:" هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى"(النازعات: 15).

  "ففي استفتاح قصة موسى - عليه السلام - بهذا السؤال الذي فيه تشويقٌ، وإثارةٌ لذهن السامع   براعة استهلال" ، مع قِصَر الجملة، وقوة المعنى، وفيه فائدة في طرح القضية على صورة الاستفسار، أو السؤال، وقد سلك عامَّةُ العلماء والأدباء هذا الأسلوب في مؤلَّفاتهم وأدبياتهم، وذلك بوضع مقدِّمة أدبية بين يدي الموضوع.

ولكن يجب أن يراعى في براعة الاستهلال ما يلي:

 التنوُّع والتجديد:"

 في طريقة تناول الموضوع، وأسلوب الاستهلال، والابتعاد عن التكرار في مقدمة الخطبة؛ حتى لا تكون كأنها نسخة مكرَّرة "وبعض الخطباء يستهلُّ خطبته دائمًا بألفاظ معينة يلتزم بها في كل خطبة، حتى أصبحت محفوظة مكرَّرة لدى المصلِّين، تدعو إلى الملل والسأم" 

الأساليب اللغوية :"

أن تتضمَّن الأساليب اللغوية والأدبية الواضحة السهلة، والابتعاد عن الألفاظ المعقَّدة والمبهمة ، التي يغيب فهمها عن العوام، وكذا تجنُّب الألفاظ العامية؛ لأنها تعطي انطباعًا لدى الجمهور على سطحية الفهم لدى الخطيب، وعدم النضوج لديه، ولا بأس أحيانًا من استخدام عبارات جديدة؛ من أجل أن تحقِّق انسجامًا بين الخطيب والمستمع، ولكنَّ استعمالها يجب أن يكون بحذرٍ ودقَّة، وخاصَّة تلك التي تحتمل حقًّا وباطلاً؛ لأنها في بداية الخطبة ومفتاح الدخول للجمهور.

  تلاوة الآيات:"

 ينبغي عدم عرضها بصورة نصِّيَّة أكاديمية، بل لا بُدَّ من توضيح المعنى من خلال الإلقاء - يعتمد على حسن الإلقاء عند الخطيب - أو استخراج فوائدها ولو بشكل مختصر، كأن يقول الخطيب: "الحمد الذي جعل تقواه سببًا للفرج، ونزول الرزق، وحلول البركة؛ قال - تعالى -: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا"(الطلاق: 2). 

من روائع براعة الاستهلال ما نُقِل عن الإمام أحمد بن حنبل  في ديباجة خطبته في الرَّدِّ على الجهمية حيث قال: "الحمد لله الذي جعل في كل زمانٍ فترةً من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون مَن ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيَوْه! وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هَدَوه! فما أحسن أثرَهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!... الخ" .

مراعاة الوقت: 

وهي من الأخطاء التي يقع فيها بعض الخطباء، فترى أحدهم يطيل المقدمة، وربما تفصيل ما تحدث عنه في موضوع الخطبة السابقة، فلا يدخل في صلب الموضوع إلا بعد أن تكون الأسماع قد سَئِمَتْ من الإصغاء إليه، ولسان حال المستمع يقول: أعطنا زبدة الموضوع، وأَرِحنا بالمقصود يرحمك الله؛

 ولهذا يراعى في المقدمة "أن تكون مناسبة في الطول والقصر لزمن الخطبة، فالمقدمة تُعَادِل من 8:5% من زمن الخطبة؛ لأن الافتتاح يعني: لفت انتباه السامعين في القصد من الخطبة" ، والأفضل أن تكون المقدمة هي عُشْر الموضوع، فإذا تجاوزت الربع إلى النصف فقد تجاوز الحد المطلوب.

ثالثًا: جلب انتباه السامعين :"

من المفيد للخطيب أن يبدأ خطبته بما يجلب انتباه السامعين، من حادثة صادفها، أو قصة قرأها، أو خاطر انقدح في نفسه  وأن يكون الخطيب صاحب مهارة في تصيُّد المناسبات للتوجيه التربوي، وينوِّع في إيراد الحدث والمناسبة، كأن يقول: قرأتُ اليوم في الأخبار حدثًا أقلق مضجعي، وأثار اهتمامي...، أو يقول: في مثل هذا اليوم حدث أمر مهم جَلَل، وخَطْبٌ جسيم، لا زلنا نعاني آثاره إلى اليوم... ونحو ذلك، 

ثم يمضي بعدها مسترسلاً في وعظه، ويقرن بين التبشير والإنذار، ويتخيَّر من الحوادث ما يكون محورًا لوعظه، ويخرج بعد العرض بحلٍّ لما استجدَّ من حوادث، وما يحلُّ بالمسلمين من بلاءٍ وضيق، ويذكِّرهم دائمًا بأن المخرج والنجاة من الوضع الراهن هو طاعة الله ورسوله.


رابعاً: التنبيه على موضوع الخطبة سلفًا: 

وهو ممَّا يريح المستمع من الاستنتاج، ويجعله وعاء وأرضًا خصبة لتلقِّي المعلومة، والأفضل أن يبدأ الخطيب بطرح الموضوع على شكل نقاط، أو مَحَاوِر، فيقول مثلاً: كلامنا يدور حول أهمية الصلاة في الإسلام في ثلاث مسائل: هي كذا...، 

أو يقول: خطبتنا اليوم هي حول العِبَر والعظات المستقاة من حادثة الإسراء والمعراج، أو يفهم الناس من مقدمة الخطبة بأن موضوعها هو كذا، كأن يقول: الحمد لله الذي جعل الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين..

خامسًا: الصوت ونبراته :"

مراعاة ما يسمَّى بهندسة الصوت، وأن تكون نبرات الصوت ملائمةً للحدث، والموقف، والحال، ففي مقدمة الخطبة يستوجب من الخطيب أن يبدأها بقراءة كالقراءة والتجويد تمامًا، فإذا وصل إلى موضوع الخطبة رفع من صوته، وما بين مقدمة الخطبة وخاتمتها يكون صوته كالرسم البياني، يرفع ويخفض بحسب ما يلائم الموضوع، ومن الأخطاء في هذا الجانب أن يبدأ بعض الخطباء بصوت مرتفع، فلا يَصِل إلى الموضوع إلاَّ وهو متعبٌ منهك القوى، فيفقد كثيرًا من قدراته الصوتية.

سادسًا: متي يذكر الموضوع في المقدمة ومتي لايذكر؟

وبالنسبة لموضوع الخطبة يستحسن إذا كان الموضوع شائكًا، أو حسَّاسًا، أو تكلَّم به في مكان آخر فأوجب الانقسام عدم الدخول إليه مباشرة، أو التصريح به في المقدمة؛ بل لا بُدَّ من التدرُّج والتسلسل العقلي المنطقي؛ حتى يصل إلى مطلوبه ومبتغاه، 

وهنا يعتمد على مهارة الخطيب وقدرته على معالجة المشكلة، بما يملكه من علم وحكمة: "وجملة الأمر: أن المَطْلَع هو أول ما يستأذن على السمع من الكلام، فإن كان حسنًا، رائقًا ظريفًا، مناسبًا للموضوع، أذن له السمع، وتطلَّعت إلي ما يورده الخطيب بعده، وحثَّها على الشوق إلى الآتي بإضافته إلى الماضي، وهذا سرُّ حسنِ الافتتاح" 

هذا وسوف نتحدث عن خاتمة الخطبة بمشيئة الله تعالي انتظرونا

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله صحبه وسلم 

google-playkhamsatmostaqltradent