
من دروس الاسراء والمعراج الإسلام دين الفطرة

بشارة جبريل للنبي "هُدِيت إلى الفطرة"
الفطرة في عبادة الله وتوحيده
الفطرة في يسر الإسلام وسماحته
الفطرة تتجلى في ما شرعه الله من الحلال والحرام
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فياعباد الله حديثنا إليكم اليوم عن معجزة الاسراء والمعراج ودرس من الدروس المستفادة منها ألا وهو الإسلام دين الفطرة ويتجلي ذلك في قوله صلي الله عليه وسلم:" فجاءني جبريلُ بإناءٍ من خمرٍ ، وإناءٍ من لبنٍ ، فاخترتُ اللبنَ ، فقال جبريلُ : اخترتُ الفطرةَ "(مسلم).وفي رواية:" أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك".
وبشارة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"هُدِيت إلى الفطرة"
في ذلك دلالة على أن الإسلام هو الدين الذي يلبي نوازع الفطرة في توازن بين الروح والجسد، والمصالح والمفاسد، والدنيا والآخرة، فلو أن الفطرة كانت جسما ذا طول وأبعاد، لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره، وهذا من أهم أسرار سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه، رغم ما يوضع أمامه من عوائق وعقبات..
قال تعالى:"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ "(الروم: 30).
لذلك : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء . ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم" فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله "الآية"(البخاري ومسلم واللفظ له ) .
الفطرة : هي ما ركز في النفوس من الإيمان بوجود الله
والاعتراف بربوبيته، وقيل: الاستعداد والقابلية لقبول خطاب الإيمان .
عباد الله:" ويشير الحديث إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أن الأصل في الإنسان هو الإيمان بالله المعبر عنه بالفطرة، والتي يوحي أصلها اللغوي بأنه شيء خلق مع الإنسان وركب فيه، كما يركب سائر أعضائه، وأن الإنسان إنما يخرج عن مقتضى فطرته بمؤثرات خارجية من تربية وبيئة وتعليم،
وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم – لحالة الإنسان حين ولادته على الفطرة بحالة البهيمة في كمال خلقها وخلوها عن العيوب والنقائص حتى إذا كبرت قطعوا آذانها وأنوفها وغيروا خلقتها، فكذلك ما يتعرض له الإنسان من انحراف في فطرته هو بتأثير خارجي، فلو قُدر أن إنسانا نشأ وحده، وتربى وحده دون مؤثر خارجي لنشأ مؤمناً عارفاً بالله .
كما يشير الحديث إلي عدة فوائد تتمثل في العقيدة ومنها
ومن الأدلة أيضا على نجاتهم ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الطويل حديث الرؤيا، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم :"وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم - عليه السلام - وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة، قال: فقيل: يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين ".
أن الحكم بنجاة أولاد المشركين في الآخرة لا يعني اختلاف حكمهم عن حكم آبائهم في الدنيا فهم يرثون آبائهم ويرثهم آباؤهم، ويدفنون في مقابر الكفار، ويأسرهم المسلمون في حال الحرب، ويدل على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم – وقد سئل عن أبناء المشركين:"هم من آبائهم "(مسلم) .
الفطرة في عبادة الله وتوحيده :
وتبرز هذه الفطرة أولاً بالحاجة المركوزة في النفس البشرية لعبادة الله ،فالإنسان بفطرته منذ ولادته يتجه إلى التوحيد الخالص وإلى عبادة الله تعالى وحده , عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ .."(مسلم وأبو داود).
و قَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ،
حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ ، فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ ، إِمَّا
شَاكِرًا ، وَإِمَّا كَفُورًا."(أحمد) .
وها هو الخليل إبراهيم عليه السلام يضرب لنا مثلا رائعا في أن الفطرة السليمة تتجه إلى عبادة الله وحده , قال تعالى :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام /79).
سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير .
والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج
. وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟ , قال سبحانه :"
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله"(الزخرف : 87)."فَلَمَّا
رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا
بِهِ مُشْرِكِينَ"(غافر : 87 ) .
قال الشاعر :
تأمل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات ... وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وها هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري ذهب ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه ، وبينما هو كذلك وجد ثعلبا متسلق على رأس الصنم وقد بال عليه فوقف متعجبا " ساخراً" مما حدث وانشد قائلا:
رب يبول الثعلبان برأســــــه * * * لقد ذل من بالت عليه
الثعالب
فلو كان ربا كان يمنع نفسـه * * * فلا خير في رب نأته
المطالب
برئت من الأصنام في الأرض كلها***وآمنـت بالله الذي هوغالب
وعَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ، فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَجَبْتُكَ،
فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ ، فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ، فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ ، اللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَن ْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ، أَخُو بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. (البُخَاريّ).
الفطرة في الدعاء :
ويتجلى ذلك إذا ما نزل بالإنسان كرب أو حل به مكروه ،
فيلجأ بقلبه خاشعاً إلى السماء سائلاً رب السماء أن ينجيه منها "أَمَّنْ
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ"(الروم/62).
وعن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قال : أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً ، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ ، أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ، فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ"(البُخَارِي مسلم).
الفطرة في التصديق بدعوة النبي صلى الله عليه
وسلم :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَال لَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ
النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ
لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ
أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:" أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ
وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِسَلَامٍ "(الترمذي وصححه).
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :" بينا رجل يسوق بقرة إذ أعيي فركبها فقالت : إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا لحراثة الأرض . فقال الناس : سبحان الله بقرة تكلم " .
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر " . وما هما ثم وقال : " بينما رجل في غنم له إذ عدا الذئب فذهب على شاة منها فأخذها فأدركها صاحبها فاستنقذها فقال له الذئب : فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري ؟ فقال الناس : سبحان الله ذئب يتكلم ؟ " قال : أومن به أنا وأبو بكر وعمر " وما هما ثم "(متفق عليه ).
عباد الله أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية :"
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله أمابعد فياعباد الله
الفطرة في يسر الإسلام وسماحته :
الفطرة تتجلى في هذا الدين في يسره وسماحته ، وفي مخاطبته لكل جوانب النفس البشرية ، بما يلبي حاجات الجسد والروح ، ويخاطب العقل والعاطفة ، لا يطغى جانب على جانب ، تنزيل من حكيم حميد ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، إن هذا التوازن هو من أعظم خصائص هذا الدين ،
فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ قال جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا.
فَجَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا
وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ،
لَكِنِّي أَ صُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،
فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "(البُخَارِي).
فهذا أتقى الخلق يرسم لنا الطريق السديد بالقيام بحق الجسد ، والسمو بالروح بأنواع العبادة ، فلا رهبانية تصطدم بحاجة الإنسان الطبيعية ، ولا بهيمية تهبط به إلى حمأة إشباع اللذات والغرائز ، لتتحقق بذلك السعادة ، فتشرق الروح ، وتطوف عوالم الملكوت ، ويأخذ الجسد نصيبه من اللذات الغريزية باعتدال يضمن بقاءه ، ويحقق مقاصد عمارة الأرض ، ويطلق العقل قدراته ، ويتحررمن قيود الخرافة والأوهام ، فتفيض النفس طمأنينة وسكينة.
الفطرة تتجلى في ما شرعه الله من الحلال والحرام ،
عباد الله:" والفطرة تتجلي فيما شرعه الله من حلال
ومن حرام فقد قال ربنا عزوجل:" وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ"(الأعراف/ 157).
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" البرّ حسن
الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس"(مسلم).
وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال : "جئت تسأل عن البرّ ؟" ، قلت : نعم ، فقال : "استفت
قلبك ، البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس
وتردد في الصدر ، وإن أفتاك المفتون"(أحمد و الدارمي بإسناد حسن ).
فالفطرة هي المرآة صافية نظيفة ينطبع عليها الشيء الذي أمامه وهكذا تبقى فطرة المؤمن نقيه طاهرة , لأنها تناسب ماهيته وطبيعته , ولا تتصادم مع عقله وتفكيره ومبادئه .