
لماذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شعبان؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فالصوم تزكيةٌ للقلب وتهذيبٌ للنفس و ما من فريضة فرضها الإسلام إلا ولها سنن ومستحبات كالحج والزكاة والصلاة. وكذلك الأمر بالنسبة للصيام، فهو واجب وفريضة في رمضان ومسبوق بالصيام المستحب في شعبان.
و النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام فيه؛ كما في الصحيحين وغيرهما
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر
قط إلا شهر رمضان، وما رأيته أكثر منه صياما في شعبان.
ورد أنه كان النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ، يصوم في شهر شعبان ما لا يصوم في غيره من الشهور، لأن شهر
شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله، فكان -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يرفع عمله وهو
صائم، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يواظب على صيام الاثنين والخميس لذات السبب، والعلماء
تحدثوا كثيراً عن فضل شعبان والصوم فيه.
وجاء عن صيام أيام شعبان فإن مَن كان عليه قضاء صوم من رمضان الماضي، فليُبادر
إلى قضائه قبلَ أنْ يَدخلَ عليه شهرُ رمضانَ ، لما صحَّ عن عائشةَ ــ رضي الله عنها
ــ أنَّها قالت: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ
أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ»، وأمَّا مَن فرَّطَ فأخَّرَ القضاءَ بعد تَمكُنِّه
مِنه حتى دَخل عليه رمضانَ آخَر: فإنَّه آثمٌ، وعليه مع القضاءِ فِديةٌ وكفارة، وهي
إطعامُ مسكينٍ عن كلِّ يومٍ أخَّرَه، وبهذا قال أكثرُ الفقهاءِ، وصحَّت به الفتوى عن
جمعٍ مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم
يكثر من الصيام في شعبان لأسباب عديدة منها:"
الاستعداد والتدريب علي
الصيام
فكان الاجتهاد في شعبان بمثابة التوطئة
للدخول في رمضان، بحيث يكون العبد متهيئا ومستعداً لاستقبال هذا الشهر الكريم، حريصاً
على نوع من التدريب والتمهيد وتهيئة النفس. لذلك كان حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم
على صوم أكثر شعبان. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: إن صيام شعبان كالتمرين
على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده
ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط .
فكان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه
ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتروض النفوس بذلك
على طاعة الرحمن، وكان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة
أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان ، وكان يقال شهر شعبان شهر القراء، حيث
كان حبيب بن أبي ثابت "رحمه الله" إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء.
شهرٌ تُعرض فيه الأعمال
لأنه
شهر فضيل بين رجب ورمضان، وفيه ترفع الأعمال إلى الله تعالى، وأنه –صلى الله عليه وسلم
– يحب أن يرفع عمله وهو صائم".وقد بين عليه الصلاة والسلام سبب كثرة صيامه فيه
حين سأله أسامة بن زيد رضي الله عن ذلك فقال: قُلتُ: يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم
شهْرًا من الشهور ما تصوم مِنْ شعْبان، قال:"ذلك شهْرٌ يغْفُل الناس عنْه بيْن
رجب ورمضان، وهو شهْرٌ تُرْفَع فيه الأعْمال إلى ربِّ العالمين، فأحبّ أنْ يرْفعَ عملي
وأنا صائمٌ"(الترمذي والنسائي).
فيستحب للعبد عند رفع عمله أن يكون على
هيئة حسنة؛ ليكون أرجى لقبول العمل، ومغفرة الزلل، والتجاوز عن الخطأ والخطل.
غفلة الناس
أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان"
يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه
فصار مغفولًا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس
كذلك.
كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث
السابق أن سبب كثرة صيامه في شعبان لغفلة الناس عن هذا الشهر بين رجب الحرام ورمضان
المبارك، فأحب أن يكون ممن يعبد الله في زمان غفلة الناس.
فالعبادة وقت الغفلة أكثر مشقة على النفوس؛
وذلك لقلة العابدين وندرة من يقتدى بهم في الخير. فهي أدعى للإخلاص وأبعد من الرياء.
وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب
لله - عز وجل - ولذلك فُضِلَ القيام في وسط الليل لغفلة أكثر الناس فيه عن الذكر.
عرض القلوب
كما أن لشعبان مزية أخرى وفضلا آخر اختصه
الله به، وهو أن قلوب العباد تعرض على ربها في ليلة النصف من هذا الشهر، فيتفضل على
كل قلب موحد طاهر من الشرك، وكل قلب نقي خال من البغضاء والشحناء والحقد بالعفو والمغفرة.
فقد روى الإمام الطبراني وابن حبان وغيرهما
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يطَّلِعُ اللهُ
إلى خَلقِه في ليلةِ النِّصفِ مِن شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلَّا لِمُشركٍ أو
مُشاحِنٍ"(حسنه الألباني).
إنها دعوة لوحدة الصف، ورأب الصدع، ونبذ
الضغائن، ورفع الأحقاد، حتى تعود قلوبنا بيضاء نقية كقلوب أهل الجنة "ونزعنا ما
في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين".
ترفع فيه الاعمال ،
ورد بنصوص السُنة، أن الشهر بجميعه تُرفع
فيه أعمال العباد إلى الله تعالى، أما ليلة النصف من شعبان بخصوصها، فقد ورد فيها أحاديث
أخرى تُبين فضلها، وكان التابعون من أهل الشام يُحبون أن يُحيوا هذه الليلة بالعبادة،
ويلبسون فيها أحسن الثياب.أبو داود والنسائي وابن خزيمة من حديث أسامة بن زيد رضي الله
عنهما قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال:
ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين،
فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. والحديث حسنه الألباني، وعلى هذا؛ فإن الأعمال ترفع إلى
الله تعالى في شهر شعبان كما صرح بذلك الحديث الشريف.
أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب النبي
-صلى الله عليه وسلم- أن يرفع العمل لله -تعالى-والعبد على أفضل حال وأحسنه وأطيبه
لما في الصوم من فضائل عظيمة، وليكون ذلك سببًا في تجاوز الله -تعالى-عن ذنوب العبد
حال توسله بلسان الحال في هذا المقام.