
لماذا ضرب الله المثل بالكلب رغم أنه أوفي من بشر كثر؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله ..وبعد
سبحان الله إنه تشبيه دقيق بليغ أن يشبه الإنسان الناقص الجبان المنافق المصلحجي
الذي يجري خلف مصالحه فقط بالكلب ..
فالكلب لا يُخزِّن الهواء في رئتيه كما
هو معروف؛ بل يأخذ الهواء ويَزفره بشكل مستمر، وقلة الأكسجين تسبِّب له اللهث، هكذا
هو المتبع هواه في كل حالٍ، وهذه صفاته التي يُصوِّرها الله بأوضح مثالٍ فيقول:"
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ"(الأعراف: 176).
الكلب اللاهث لا يزال لهثه البتة، فكذلك
الإنسان الحريص لا يزال حرصه البتة.. فقوله تعالي :"إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ"
فهذا الكلب إن شدّ عليه وهُيج لهث، وإن تُرك أيضاً لهث، لأجل أن ذلك الفعل القبيح طبيعة
أصلية له، فكذلك هذا الحريص الضال إن وعظته فهو ضال، وإن لم تعظه فهو ضال، لأجل أن
ذلك الضلال والخسّة عادة أصلية وطبيعية ذاتية له.
إنه تشبيهٌ دقيقٌ مبينٌ، وصورةٌ صارخةٌ لهذا الكائن المهين، فهو رجلٌ حذرٌ قلقٌ، بَطِرٌ
نَزِقٌ، موزَّع القوى مُتمزِّقٌ، مُضطرب العيون محدقٌ، إن جئته بالسلام لهَث وعوى،
وإن لوَّحت له بالملام لهث وانزوى، وإن أظهرت له اللِّين نفر واعتدى، وإن قطَّبت له
الجبين كشر واشتكى، وإن صالحته غدروخان وإن
خاصمته فجر وبان..
فتبًّا له من حلافٍ مهينٍ، همازٍ مشاءٍ بنميمٍ، مناعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ، عُتلٍّ بعد ذلك زنيمٍ،
وهو مع كل هذه القسوة والجنون، سيِّئ الظنون، ضعيفٌ مفتونٌ، يسقط عُتوه للشهوة،
ويذل خيلاءه للذة، ويستعبده الريال والدولار، ويقوده حب الأوحال، فهو في سبيل ذلك
يرتكب أسوأ الأفعال، ولا يَرعوي عن أردأ الأعمال، وكاذب الأقوال:
" فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ"(الأعراف: 176)؛
فالكلب لاهث على كل حال ، طردته
أو لم تطرده .
قال ابن جريج : الكلب منقطع الفؤاد ، لا فؤاد له ، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث;
كذلك الذي يترك الهدى لا فؤاد له ، وإنما فؤاده منقطع .
قال القتيبي : كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش ، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة وحال الري وحال العطش . فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته فقال : "إن وعظته ضل وإن تركته ضل ; فهو كالكلب إن تركته لهث وإن طردته لهث ;
كقوله تعالى:"وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُواْ وَتَرَىٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ"(الأعراف/198)..
قال الجوهري : لهث الكلب "
بالفتح " يلهث لهثا ولهاثا " بالضم " إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش
; وكذلك الرجل إذا أعيي .
وقوله تعالى إن تحمل عليه يلهث لأنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هارباً ، وإذا
تركته شد عليك ونبح ; فيتعب نفسه مقبلاً عليك ومدبراً عنك فيعتريه عند ذلك ما
يعتريه عند العطش من إخراج اللسان .
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول : إنما
شبهه بالكلب من بين السباع ; لأن الكلب ميت الفؤاد ، وإنما لهاثه لموت فؤاده . وسائر
السباع ليست كذلك فلذلك لا يلهثن . وإنما صار الكلب كذلك"
والخلاصة :" إذا كان الكلب وفياً لصاحبه فهو أوفي من بشركثر فضرب المثل به في اللهث ليبين حال وطباع أناس لاعهد لهم ولاوفاء وليحذرنا الله من لؤمهم وخبثهم وطباعهم العفنة التي تنم عن سوء نوايهم ..ولهثهم خلف مصالحهم فقط لامن أجل الصالح العام.
ومع ذلك لم يأمر الرسول بافناء أمة الكلاب
عن عبد الله بن مغفَّل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : "لَوْلاَ أَنَّ الكِلاَبَ أمَّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا كُلَّ أسْوَدَ بَهِيمٍ" .(الترمذي وصححه ، وأبوداود والنسائي وابن ماجه).
وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ : قال رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم :"خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ
: الغُرَابُ وَالحِدَأةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأرَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ "(البخاري
ومسلم).
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَرِه
إفناءَ أمَّةٍ من الأمم ، وإعدامَ جيلٍ من الخَلْق حتى يأتي عليه كله فلا يبقى منه
باقيةٌ ؛ لأنَّه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلا وفيه نوعٌ مِن الحكمةِ وضربٌ من المصلحة
، يقول : إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن : فاقتلوا شرارهن وهي السود
البهم ، وأبقوا ما سواها ، لتنتفعوا بهن في الحراسة
اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم ونجعلك في نحورهم
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم