
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
إِنَّ
بِدَايَةَ الإِسرَاءِ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ، وانتِهَاءَهُ بِالمَسْجِدِ الأَقصَى
فِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلى أَهَمِّيَّةِ هَذيْنِ المَسْجِدَيْنِ خَاصَّةً،
وأَهَمِّيَّةِ المَسَاجِدِ عَامَّةً، فَالمَسَاجِدُ بُيوتُ اللهِ فِي الأَرضِ
ومَهْبطُ مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبِينَ، ومَثْوَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ،
فِيهَا يُزَكِّي المُسلِمُ بَدَنَهُ ونَفْسَهُ ورُوحَهُ، فَكَما يَزكُو بَدَنُ
المُؤمِنِ لِدُخُولِ المَسْجِدِ بِالتَّطِهيرِ مِنَ الأَحدَاثِ والأَنجَاسِ
والأَدرَانِ، فِي النَّفسِ والثَّوبِ والمَكانِ، فَكَذَلِكَ الأَخلاَقُ والأَرواحُ
تَزكُو كُلَّمَا غَدَا المُؤمِنُ إِلى المَسْجِدِ أَو رَاحَ، وإِلى أَهَمِّيَّةِ
هَذِه الأَمَاكِنِ الطَّاهِرَةِ يُشِيرُ المولي عز وجل:"وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ
لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً"(الجن/18).
وقال تعالى :"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"(الأسراء/1). وتتجلي هذه الآية الكريمة ببيان مكانة المسجد الأقصي بأنه مسجد مبارك مبارك ماحوله ..
و البركة عند أهل اللغة هي “الكثرة والنماء في كل خير"، فيكون المسجد الأقصى الذي هو مركز البركة، ومنبَع الخير، ومنه تنتقل البركة إلى أقطار الأرض وأنحائها، فما من بركة تَحل بمكان إلا وكان المسجد الأقصى له فضل فيها، وهو ما ذهب إليه المفسرون مِن أنَّ البركة في الآية ترجع إلى أمرين:
الأول: بركة في الدين، وعلَّلوا ذلك بأنَّ أكثر الأنبياء
عليهم السلام بُعثوا منها، وانتشرت شرائعهم وآثارهم الدينية فيها.
الثاني: بركة الدنيا، وذلك بجعل الله تعالى أرضها أرض
ماء وثمر وطيب عيش .
فكان وصف الله تعالى للمسجد الأقصى بــــ: “الذي باركنا حوله” بالموصولية؛ لتشهير الموصوف بمضمون الصلة أي أن البركة ملازمة لهذا المسجد، وكما ذكر الإمام ابن عاشور فإن كون البركة حوله إنما هي كناية عن حصول البركة فيه من باب أولى؛ لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه، فكانت الآية الكريمة مشتملةً على ثلاث لطائف:
الأولى: لطيفة التلازم. "فالبركة ملازمة للمسجد الأقصى، وهي إحدى صفاته".
الثانية: لطيفة الفحوى."وهو تحقق البركة ووجودها في المسجد من باب أولى".
الثالثة: لطيفة المبالغة. في قوله "باركنا".
وهذه البركة تتمثَّل في مجموعة من الصور والأشكال،
ومنها:
مضاعفة أجر الصلاة فيه: فقد كان أول معالم بركة المسجد الأقصى تفضيل الله تعالى له على بقاع ومساجد أخرى بمضاعفة أجر المصلين فيه، فهو أحد ثلاثة مساجد تُشد إليها الرحال، والصلاة فيه نُضاعف إلى خمسمئة صلاة كما جاء في الحديث: "والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"(البيهقي وحسنه).
أو إلى ربع أجر الصلاة في المسجد النبوي في رواية أخرى، فعندما سئل الرسول
صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المسجد الأقصى أم في مسجده أجاب: “صلاةٌ في مسجدي
هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعمَ المصلى، هو أَرضُ المحشرِ والمنشر،
وليأتين على الناسِ زمانٌ ولَقِيدُ سوطِ -أو قال: قوسِ- الرجلِ حيث يَرى منه بيتَ
المقدسِ؛ خيرٌ له أو أَحبُّ إليه من الدنيا جميعاً". (البيهقي). للمزيد عن
مضاعفة أجر الصلاة في الأقصى اضغط هنا
أرض الأنبياء: فقد كانت من بركة المسجد الأقصى أن
يولد عدد من الأنبياء في أكنافه، وساق الله تعالى عدداً منهم للإقامة بقربه،
والسكنى بجواره؛ لذلك كانت أرضه أرض الأنبياء، وازدادت بركته ببركتهم فهم مباركون
كما قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام:"وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ
مَا كُنتُ"، فببركتهم تتنزل الرحمات، وتتتابع الكرامات.
أرض النجاة والسلام: كان من بركة المسجد الأقصى أن جعله الله تعالى أرض الأمن والأمان، والسلامة والاطمئنان فقال جل شأنه في معرض تفضُّله على نبيِّه إبراهيم عليه السلام:"وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ".
على أرضه تكون نهاية الجبابرة والطغاة: حيث كان من بركة المكان أن يُهلك الله تعالى كل جبار طاغية، فقال تعالى حاكيا قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام: "قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فالغلبة دائماً لأهل الله، وأوليائه من الطائعين.
تتحطم على أرضه الإمبراطوريات، وتنكسر جيوش الظلم والفساد: ببركة الأقصى هُزِم الصليبيون بعدما أوغلوا في الظلم والفساد، وانكسر جيش التتار بعدما ملأ الأرض طغياناً وإجراماً وبؤساً، فكانت أرضه مقبرة لكل الغزاة الطامعين، وقريباً بإذن الله نَشهَد هزيمة الاحتلال الصهيوني، بعد أنْ بَلَغَ بفساده علواً غير مسبوق.
تتمايز ببركته الصفوف ويُعرف به أهل الحق من أهل الباطل: إنَّ تاريخ المسجد الأقصى وحاضره يُنبِئ عن دورِه في تمايز الصفوف وتصنيفها، فبه يُعرف أهل الصدق والثبات والوفاء من أهل الإرجاف والنفاق والخذلان، وبناءً على موقف الأمم والشعوب والدول والأفراد يكون الحكم عليهم بالخيرية والصلاح، أو الشر والفساد، فأهل الحق أنصاره، وأهل الباطل أعداؤه.
وتتجلى كثير من المعاني واللطائف والحقائق التي تُظهر بركة المسجد الأقصى، وهي بركة يستشعرها ويعرفها كل من يعمل للمسجد الأقصى وبذل في ذلك من وقته أو ماله أو جهده، وهي بركة تتحقق بالقرب القلبي والعملي كما القرب البدني، وعلى المسلم أن يحرص على تلمس هذه البركة، وقد تبين من حديث الصحابية ميمونة بنت سعد رضي الله عنها على حرص الصحابة على تلمس بركة المسجد الأقصى وإن لم يتمكنوا من زيارته، أو بعدت أجسادهم عن المكان، فدلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على البذل للأقصى والإهداء له،
ففي الحديث أن ميمونة مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ:" أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه"(أحمد).
وفي الإسراء والمعراج ظهرت: أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين ، إذ إنه مَسرى رسول الله صلي الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، وكان القبلة الأولى التي صلى المسلمون إليها في الفترة المكية، ولا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"(البخاري)،
وفي ذلك توجيه للمسلمين بأن يعرفوا منزلته، ويستشعروا مسئوليتهم نحوه، بتحريره من أهل الكفر والشرك.. نسأل الله تعالى أن يطهره من اليهود، وأن ترفرف راية الإسلام مرة ثانية على القدس، وغيرها من بلاد المسلمين .
قبلة الأنبياء:"
للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الأنبياء جميعاً قبل النبي محمد صلي الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلي الله عليه وسلم قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة.
وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي صلي الله عليه وسلم إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.
تشد إليه الرحال:"
ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه
الرحال، فقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم
إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام، و
المسجد النبوي والمسجد الأقصى.عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه
وسلم قال :"لا تشد الرحال إلا إلى
ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ،ومسجد الرسول صلي الله عليه وسلم،ومسجد الأقصى"( البخاري ومسلم).
ولله در قول شوقي :
أسـرى بك الله ليلا إذ ملائكــة *** والرسل في المسجد
الأقصى على قدم
لما خطرت بهم التفوا بسـيدهم* * * كالشهب بالبــــدر أو
كالجند بالعلــــم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر* * * ومن يفز بحـبـيــــــب
الله يأتــــــــم
حتى بلغت سماء لا يطـــــار لها * * * على جناح ولا
يسـعى على قــــــدم
وقـــــــيل كل نبـي عند رتبـته ؟ * * * ويا محمـد
هـــــذا العرش فاستلــــم
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم