
حسن العشرة في
القرآن والسنة
حسن العشرة مع الاتقياء الأدلاء على الله عز وجل
حسن العشرة مع الزوجة والأهل
حسن العشرة مع الناس وسائر فئات المجتمع
الأمور التي تستديم بها حسن العشرة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله :"
يقول الله تعالي :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين"(آل عمران/159).
عباد الله حديثنا إليكم اليوم عن حسن العشرة في القرآن والسنة وهو خلق حسن أدبنا
عليه ديننا وشجعنا على التحلي به لما له من آثار إيجابية على كل من الفرد والمجتمع ،
وكما يقول القائل :"عاشروا الناس معاشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكواعليكم".
وحسن العشرة مطلوب في كل الأمور، إلا أنه مطلوب بقوة في ثلاثة مواضع أساسية من
حياتنا وهي:
حسن العشرة مع الاتقياء الأدلاء على الله عز وجل:
عباد الله :" وينبغي علينا نبحث عن الأشخاص من ذوي المعشر الحسن الذين يرشدوننا ويعلموننا آداب التعامل مع الله في أفعالنا العبادية وفي كل أمورنا الدينية كقراءة القرآن أو الدعاء، ونأخذهم قدوة لنا وأسوة، فالمؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى..
وما
المرء إلا بإخوانـــــه كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم
ومن عاش مع الناس وعرف كيف يتعامل مع كل بما يناسبه فذلك خير من المتبرم
المتشكي من أحوال الناس المنعزل عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن
الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر
على أذاهم "(الترمذي).
عباد الله:
بعض الناس يريد أن يعيش حياة مثالية مع الناس لا عيب فيه ولا فيهم لا تقصير منه
ولا منهم وهذا محال يقول الفضيل بن عياض:"من طلب أخاً بلا عيب صار بلا أخ "
وقيل:"ليس لملول صديق".
قال أحدهم عند الخليفة المأمون:وإني لمحتاج إلى ظل صاحب يروق ويصفو إن كدرت
عليه فقال له المأمون:أعد، فأعاده سبع مرات، فقال المأمون: خذ مني الخلافة وأعطني
هذا الصاحب.
حسن
العشرة مع الزوجة والأهل
وذلك لأن الإنسان يقضي الكثير من أوقات فراغه في منزله مع زوجته وأولاده ولذا
يجب عليه أن يكون حسن المعشر معهم لا سبعاً ضارياً ينتهز فرصة حصول خطأ من
أحد أفراد عائلته لينهال عليه بالضرب أو الشتم أو التعنيف له بالكلام الجارح، ولذا ورد
عن النبي صلي الله عليه وسلم
:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(الترمذي).
فكان صلى الله عليه وسلم مُتّصفاً بأعلى مقامات حسن العشرة، وسواء في ذلك من
يخالطه من زوجةٍ وخادمٍ، ومن يلقاها المرّة تلو الأخرى، فَمِنْ ذِكْرِ أزواجه لحسن عشرته لهنّ قول عائشة رضي الله عنها:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني
بردائهِ، وأنا أنظر إلى الحبشةِ يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا
قدر الجارية الحديثة السّن، الحريصة على اللهو"(البخاري)، وقولها:"كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا
حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ،
وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ
فِيَّ"( مسلم)،
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ
سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟"
(متفقٌ عليه).
وعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي
إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي"( متفقٌ عليه).
حسن
العشرة مع الناس وسائر فئات المجتمع:
وذلك لأن الإنسان مخلوق اجتماعي كما يقول الفلاسفة وعلماء الاجتماع، فعليه فلا
يمكنه أن يعيش وحيداً، وإنما ضمن مجمع فيه فئات متنوعة من الناس، ولذا فالمطلوب
من المسلم أن يحسن العشرة معهم سواء مع الأصدقاء أو رفقاء العمل أو زملاء
الدراسة، أو الرفقة في السفر، وفي سائر الأحوال أن يكون الشخص لين العريكة، سهل
المعشر، حلو اللسان، يتجاوز عن زلات الآخرين ولا يجعل منها مشكلة تؤدي به إلى
الصدام والاختلاف مع الآخرين من سائر الناس، من حسن العشرة أن يكون الإنسان
موطّأ الأكناف يألفُ ويؤلفُ، وهذا من أوصاف المؤمن الأكمل إيماناً،
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا،
الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ"(الطبراني وغيره وصحيح).
وفسّر العلماء قوله: "الموطؤون أكنافاً" بأن جوانبهم وطيئة يتمكّنُ فيها من يصاحبهم
ولا يتأذى، فمن لم يكن حسن العشرة لم يألف ولم يُؤلف، ولم يوطَّأ كنفه.
أن حسن العشرة من أولى الأخلاق بأن تنجذب النفوس إلى صاحبه، وتتلهّف الأرواح على الاقتراب من المتحلّي به؛ وذلك لأنه لا يتّصف به إلا من اجتمعت له أنواع من الشّيم النبيلة من صبرٍ وحلمٍ وكرمٍ وسلامةِ صدرٍ، ورجاحةِ عقلٍ، وغيرها، والقلوبُ مجبولةٌ على حُبِّ من أحسن إليها، وربّما تحوّل البغض العارم إلى مودةٍ صافيةٍ بسبب الإحسان، ولين الجانب، وحسن العشرة، قال الله تبارك وتعالى:"ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"(فصلت/34).
لأن هذا المعشر السلبي يؤدي إلى النفور وإلى العداوة والافتراق، وهذا لا يحبه الإسلام ولا يشجع عليه، ولذالأخلاق الحسنة تنمُّ عن جمال الباطن، وصفاء السريرة، وكرم الطّينة، فكلما حظي الإنسان بقسطٍ وافرٍ من الأخلاق النبيلة ظهر ذلك جليّاً في حسن عشرته للناس، ويُمْنِ مصاحبته، وسَعِدَ بذلك مخالطوه من الأقارب والأباعد، ومن تجمعه به الظروف ولو كان الاجتماع في لحظاتٍ معدودةٍ، والعكس بالعكس فكلما حُرِمَ الإنسان من الأخلاق الفاضلة ظهر أثر ذلك في سوء عشرته، ونكد التعامل معه، وشقي بذلك من له به علاقة بأيّ سببٍ من الأسباب،
بل ربما شقي به من يَـمُرُّ في الطريق بالقرب منه، وما هذا إلا تجسيدٌ للحقيقة المتمثّلة في أن القلب ملك الجوارح، فمن أشرق قلبه بأنوار محاسن الأخلاق -وفي مقدمتها الإيمان بالله-كانت أفعاله وأقواله حسنة، ومن أظلم قلبه لخوائهِ وخلوِّهِ من الأخلاق الحسنة -وفي مقدمتها الإيمان بالله- كانت أقواله وأعماله سيئة، وصدق القائل:ويأبى الذي في القلب إلّا تبيّناً...وكلُّ إناءٍ بالذي فيه يرشح
عباد الله
أقول ماتسمعون واستغفرالله العظيم لي ولكم
الخطبة
الثانية
الحمدلله
والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فيا عباد الله:
من خالط الناس وعايشهم لابد أن يكون بينه وبينهم شعرة خال المؤمنين وأميرهم
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه القائل:"لو أن بيني وبين الناس شعرة ما
انقطعت قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: كانوا إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها
مددتها"
الأمور التي تستديم بها حسن العشرة
ومنها :"خدمة الناس وقضاء حوائجهم : قال صلى الله عليه و
سلم :" خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ"(ابن
حبان). وفي رواية أخري:" أحبُّ الناسِ إلى
اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ"(الطبراني
صحيح). وقد قيل :"أحسن
إلى الناس تستعبد قلوبهم"،وهكذا حال النفس البشريةتميل إلى من يتوددلها ويحسن
لها،
عباد
الله:" ومن حسن العشرة الحلم وكظم الغيظ فبالمعاملة الحسنة يدرك الإنسان كل ما يريد.
والسماحة في المعاملة
:" تكسب محبة الناس :"رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"(أحمد).
وبالمداراة :؟وهي
صفة من صفات حسن العشرة وهي تختلف اختلافاً كلياً عن المداهنة والمراوغة، فهي لين الكلام
وحسن المعاشرة لأناس فساق وذلك لمصلحة شرعية، فعن عائشة :" استأذنَ رجلٌ على
رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا عندَهُ فقالَ بئسَ ابنُ العشيرةِ أو
أخو العشيرةِ ثمَّ أذِنَ لهُ فألانَ لهُ القولَ فلمَّا خرجَ قلتُ لهُ يا رسولَ اللَّهِ
قلتَ لهُ ما قلتَ ثمَّ ألنتَ لهُ القولَ فقالَ يا عائشةُ إنَّ من شرِّ النَّاسِ من
تركهُ النَّاسُ أو ودعهُ النَّاسُ اتِّقاءَ فُحشِهِ "(مسلم).
و إدخال السرور
على الآخرين : قال :"لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق"(مسلم).
و احترام المسلمين
وتقديرهم والتأدب معهم وتبجيلهم : فقد قال رسولنا الكريم :"ليس منا من لم يجل
كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه"(أحمد)،
والتواضع ولين
الجانب : دخل رجل على رسول الله فأصابته من هيبته رعدة فقال له :"هون عليك فإني
لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد"(ابن
ماجه)، فبتواضعه كسب قلوب ومحبة كل من سمع به أو رآه، وهكذا يجب
إن يكون حال المسلم.
و الجود والكرم
: قال صلي الله عليه وسلم :"تهادوا تحابوا"(البخاري)، فالسخاء والجود
والكرم يطيب النفوس، ويفرح القلوب، ويفتح الأقفال المغلقة، ومنها يكون الدخول إلى عالم
النفس البشرية لأداء الرسالة.
وكذلك الرفق :
من هديه صلي الله عليه وسلم فقد كان رفيقاً
حتى مع أهل الفسق أو أهل المعاصي فقد قال : يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ
الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى
ما سِواهُ. "(مسلم)، وكل ذلك في سبيل كسب القلوب من أجل نشر كلمة الحق وهكذا تكون
وسائل كسب القلوب هي في مجملها من محاسن الأخلاق لقوله صلي الله عليه وسلم :"أكمل
المؤمن إيماناً أحسنهم أخلاقاً"(الترغيب
والترهيب).
عباد الله
أقول قولي هذا وأقم الصلاة