recent
أخبار عاجلة

هل الرهن العقاري معاملة ربوية محرَّمة تقوم على الإقراض بفائدة ربوية؟ أم هي معاملة جائزة بشروطها ؟

 


الرهن العقاري 

 هل الرهن العقاري معاملة ربوية محرَّمة تقوم على الإقراض بفائدة ربوية؟ أم هي

 معاملة جائزة بشروطها ؟

تحدثنا من قبل عن الرهن العقاري ووعدنا أن نجيب علي أسئلة الكثيرين من الناس الذين

 يريدون الاستفسار عن هذه المعاملة ،

وقد ذهب العلماء في هذا الأمر إلي فرق ثلاثة ولكل أدلته :"

الفريق الأول يقول :"الرهن العقاري معاملة ربوية محرمة ويرهن بها صاحبُ المال

 العقارَ الذي يقترض المقترض من أجله حتى يتم سداد الدَّين مع فوائده الربوية ، وفي

 حال تأخر المدين عن السداد فإن من حق صاحب المال أن يبيع العقار ويستوفي ماله .

ويقوم بهذه المعاملة : البنوك ، أو شركات الرهن العقاري ، وتتم المعاملة هذه

 بأن يأتي الراغب باقتناء بيت إلى شركة الرهن العقاري – أو إلى بنك  - ليعرض

 عليهم شراء ذلك البيت ويتم تقسيط المبلغ عليه مع زيادة ربوية متفق عليها ، فيجتمع

 ممثل عن الشركة – أو البنك - مع صاحب البيت والطرف الثالث وهو المقترض ، فيتم

 في المجلس دفع ثمن البيت كاملاً لصاحبه – وفي بعض الأحيان يدفع المقترض جزءً

 من الثمن – ويتم توقيع عقد مع المقترض بالمبلغ المدفوع لصاحب البيت مضافاً إليه

 الفوائد الربوية ، ويتم رهن البيت لصالح شركة الرهن العقاري – أو البنك - التي

 دفعت المال لصاحب البيت ، وفي حال تخلف المقترض عن سداد شيء من أقساط

 قرضه ، فإن من حق شركة الرهن العقاري بيع البيت لصالحها لاستيفاء باقي أموالها

 التي في ذمة المقترض .

وهذه المعاملة من الربا الواضح الصريح ، وقد حرَّم الله تعالى الربا وتوعَّد آكليه

 بالعقوبات الغليظة ، قال تعالى :"الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي

 يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ

 الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ

 أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"(البقرة/ 275).

وهذه المعاملة الربوية لا تحل في ديار المسلمين ولا في ديار الكفار ، ولا تحل من أجل

 امتلاك البيوت ولا من أجل امتلاك المحلات .

الفريق الثاني :"

منهم من  أباح هذه المعاملة الربوية إن كانت في ديار الكفار ، وكانت

 من أجل تملك بيت يُسكن ، ونسب ذلك الجواز إلى المذهب الحنفي ، واستدل له ببعض

 أدلة ، 

وقد تصدى لهذه الفتوى كثير من أهل العلم ،وقالوا :"لقد لعن الرسول صلى الله عليه

 وسلم آكلَ الربا وموكله ، وقال :"هم سواء "،

 وفي حديث آخر في الربا "الآخذ والمعطي فيه سواء "، فإذا قال أحد - كائنًا من كان -

 إنهما ليسا سواء : أفنأخذ بقوله أم بقول الله تعالى في بيانه على لسان رسوله صلى الله

 عليه وسلم ؟! .

والاقتراض بالربا لتملك مسكن يعني أن المقترض يريد الإقامة الدائمة ! بل وجدناه

 يتجنس بجنسيتها ! ويصبح محاربًا في جيشها ! أفيصبح المسلم هو نفسه حربيًّا يحل

 ماله للمسلم غير المقيم ؟! .

إذن : على المسلم المقيمفي الخارج  أن ينتبه لخطورة هذه الفتوى ، وأن هذه

 البلاد لو اعتبرها دار حرب فلا يجوز له أن يقيم فيها ، ويتجنس بجنسيتها ، ويصبح

 جنديًّا في جيشها ، وعليه أن يترك البيت الذي تملكه ، سواء أكان بالربا ، أم كان بغير

 ربا .

ومجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي قرر بالإجماع ما يأتي : " إن المسكن من

 الحاجات الأساسية للإنسان ، ويجب أن يوفَّر بالطرق الشرعية بمال حلال ، وإن

 الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها من الإقراض بفائدة - قلَّت أو

 كثرت - هي طريقة محرَّمة شرعًا لما فيها من التعامل بالربا " .


 الفريق الثالث:"فرقوا بين البنوك الربوية والبنوك الإسلامية واشترطوا شروطاًلجواز القرض العقاري فقالوا:"

أولاً:

لا شك أنه ثمة فروق كثيرة وكبيرة بين الرهن العقاري في البنوك الربوية وبين الرهن

 العقاري الإسلامي ؛ فالأول قروض ربوية محضة لا خلاف بين العلماء ومجامع الفتوى

 في تحريمها ، وأما الرهن العقاري الإسلامي ففيه من يجوِّزه من العلماء المعاصرين ،

 ومن أبرز الفروق الواضحة بينهما هو الفائدة الربوية المركبة التي يدفعها المتأخر عن

 السداد في الرهن الربوي ، فكل تأخير في سداد الأقساط يترتب عليه غرامات مالية هي

 الربا بعينه ، وهذا أمر منتف من الصيغة الإسلامية للرهون أو القروض .

ثانياً:

يعتمد نظام الرهن العقاري الإسلامي على معاملتيْن هما " التأجير المنتهي بالتمليك " و

 " المرابحة " ، وهما معاملتان اشتهر الخلاف في جوازهما بين العلماء المعاصرين .

أما " الإيجار المنتهي بالتمليك " وهو ما تسميه البنوك " إيجار واقتناء " - أي : أن

 عقد الإجارة سينتهي بتملك المستأجر ما كان استأجره - فهذا العقد له صور محرمة

 وأخرى جائزة.

 وأما حكم " المرابحة " ، وفي هذا الجواب المحال عليه تعلم حكم شراء البيوت عن

 طريقها وأنه لا يجوز إلا عند توفر شرطين :

الأول :"أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك البيت من صاحبه

 لنفسه .

الثاني : أن يحوزه بوضع اليد عليه وإمكانية التصرف فيه .

وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة .


فلكي تجوز هذه المعاملة لا بد أن تنضبط بالضوابط الشرعية التالية:

ـ أن تكون هذه الشركة، قد اشترت هذه الشقة أولاً، ودخلت في ملكها وضمانها، ثم

 باعتها لكم بثمن محدد، وهو مبلغ: مائة ألف جنيه مثلاً  ولايضر كون هذا الثمن مقسطاً

 أو أنه أزيد من الثمن الذي اشترت به الشركة،

ـ أن لا يترتب على التأخر في سداد الأقساط أو بعضها غرامة أو فائدة، لأن ذلك ربا

 نسيئة.

ـ أن تنتقل ملكية هذه الشقة إلى المشتري بمجرد عقد البيع، فإذا اشترطت الشركة عدم

 انتقال الملكية بالبيع كان هذا الشرط باطلا باتفاق العلماء ، لمنافاته لمقتضى العقد،


وهل يبطل البيع مع هذا الشرط؟


اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب المالكية والشافعية وهو رواية عن أحمد إلى بطلان

 البيع، وذهب الحنفية إلى بطلان البيع إذا كان في الشرط منفعة لأحد المتعاقدين، وذهب

 الحنابلة في معتمد المذهب إلى صحة البيع وبطلان الشرط،

وإذا تقرر هذا، فالرهن العقاري الذي تحتفظ فيه الشركة بملكية الشقة إلى أن يسدد

 المشتري كل الأقساط: لا يجوز، لأن عدم انتقال ملكية الشقة إلى المشتري يتنافى مع

 أهم آثار عقد البيع.


وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره السادس

 سنة 1410، الرهن، وقرر أنه: "لا يحق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع،

 ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء

 الأقساط المؤجلة".


ثالثاً:هل يلزم المسلم تملك بيت ؟


ليس المسلم ملزماً بشراء بيت حتى يلمَّ شتات نفسه وأسرته بل يستطيع فعل ذلك ببيت

 الإيجار ! والمسلمون تجاه هذه المسألة منهم من يشتري بيته بالربا الصريح إما بأخذ

 قرض ربوي ويشتري به بيتاً أو بالرهن العقاري الذي تجريه البنوك الربوية ، ومنهم

 من يقصد البنوك الإسلامية لشراء بيته عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك أو

 المرابحة اعتقاداً منهم بصحة المعاملتين وجوازهما ، وفريق ثالث لا يرى شرعيتهما

 وليس عنده قدرة على شراء بيت فيصبر حتى يغنيه الله من فضله أو ييسر له طريقة

 شرعية مباحة ، ويريد أن يلقى ربَّه تعالى وليس في صحيفته اقتراف لجريمة الربا ،

 ولا فعل لمعاملة مختلف فيها وترجح عنده عدم جوازها ، وهذا المسلك لا شك أنه

 أحسن المسالك وبه يحتاط المسلم لدينه ، ولسنا ننكر على من رأى صحة المعاملتين

 السابقتين اجتهاداً أو تقليداً ، وإنما إنكارنا على من فعل ذلك وهو يعتقد تحريمهما ،

 والإنكار الأشد والأعظم على من اقترف جريمة الربا الصريحة ، ومن احتج بجواز الربا

 في بلاد الكفار لم يصب ..


ونسأل الله أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .والله أعلم

google-playkhamsatmostaqltradent