recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة - الوطن والوطنية .. بناء وتضحية لفضيلة الشيخ عبدالناصر بليح


  الوطن والوطنية .. بناء وتضحية

ما معني كلمة وطن ؟

الخليل إبراهيم عليه السلام وحب الوطن

حب النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه

أسس بناء الأوطان:

1-البناء الاجتماعي وتحقيق العدل والمساواة

2- البناء السلوكي.

3- التضحية بالنفس والمال

4-البناء الاقتصادي

5-البناء الفكري

 6-الإيجابية  واستشعار المسئولية

حقوق المواطنة مكفولة للجميع في صرح دولة الإسلام الشامخ



تحميل الخطبة ورد              

 

تحميل الخطبة pdf


 

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله

ما معني كلمة وطن ؟ 

الوطن تلك الكلمة التي تعبر بها عن المكان الذي تعيش فيه فهو جزء منك لايتجزأ فهو أنت وأنت هو..

إن حب الوطن هو غريزة فطرية وسليقة بشرية، ونزعة إنسانية، فيتعلق الإنسان

 بالأرض التي يعيش عليها ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بأهلها، فترى حب الوطن بالنسبة

 للإنسان كحبه لولده ووالده وقومه وعشيرته وزوجته وأقاربه ومعارفه، فهو حب

 مغروس في جبلة الإنسان، متأصل في فطرته وكيانه.



الخليل إبراهيم عليه السلام وحب الوطن 

 عباد الله:"

 وهذا هو خليل الله إبراهيم نراه يدعوا لوطنه أن يعمه الأمن والاستقرار ليعلم شباب

 الأمة اليوم وشيبتها ورجالها ونساءها وأفرادها وجماعاتها وصغارها وكبارها أن بناء

 الوطن إنما يقوم على تحقيق الأمن في ربوعه وتنشيط الاقتصاد في جوانبه ودروبه،


 فلا قيام لأمة ولا بناء لنهضة ولا إقامة لحضارة مع شيوع الفوضى وانتشار البلطجة

 واصطناع الفتن.فتارة يقدم الأمن علي الرزق:"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا

 وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ "(البقرة: 126). 


وتارة يقدم الأمن علي العقيدة  :"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ

 أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ "(إبراهيم:35) ،


ما أجمل نعمتي الأمن والرخاء، وما أحوج الأوطان إليهما لا سيما وهي في مرحلة

 البناء فلقد امتن الله تعالى على قريش بهاتين النعمتين فقال عز سلطانه "الَّذِي أَطْعَمَهُم

 مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"(قريش:4)، 


وقال صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ

 يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" (الترمذي).


حب النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه

عباد الله:"

 وهذا نبينا صلي الله عليه وسلم  يعلم الأمة الانتماء للوطن فالوطن هو جزء من

 العقيدة  والإيمان الراسخ بالله عز وجل وهذا مانتعلمه من سيرة الحبيب المصطفي

 صلي الله عليه وسلم فقد جعل الوطن في مقدمة الأشياء التي يجب أن تكون ضمن

 عقيدة راسخة للمسلم ..فعندما خرج من مكة إلى المدينة كما روي عنه:"وقف علي

 الحزورة(سوق) ونظر إلى البيت وقال :والله انك لأحب أرض الله إلي وانك لأحب أرض

 الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ماخرجت منك"(الترمذي والنسائي). 


ورغم فساد أهلها وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته ..وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله

 صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام

 ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر إبراهيم".(خاتم النبيين2/5) .

لذلك كانت السيدة عائشة دائماً تقول :"ما رأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في

 مكة"وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن..


أسس بناء الأوطان:

عباد الله :"أي وطن لكي يبني لابد أن يبني على أسس قوية متينة من هذه الأسس ..

البناء الاجتماعي وتحقيق العدل والمساواة:

فلابد أن يتساوى الجميع فيه أمام القانون العام الذي يحكمهم فلا تتميز طبقة على طبقة

 ولا تعلو فئة على أخرى، ولا مجال للواسطة أو المحسوبية ..


فها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يغضب من حِبِّهِ أسامة بن زيد حينما كلمه في شأن

 المرأة المخزومية التي سرقت مُعَنِّفًا له بقوله: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ"، درس

 في المساواة أمام قانون الله..


 فالإسلام يا أسامة قد سوَّى بين عمر القرشي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان

 الفارسي كلهم في الحقوق والواجبات سواء، ثم قرر صلى الله عليه وسلم قاعدة عظيمة

 حينما قال :"وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ

 يَدَهَا"(متفق عليه).


ويؤكد على ذات المعنى قبل أن يفارق الدنيا بواحد وثمانين يوما حينما قال بأبي هو

 وأمي "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى

 عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا

 بِالتَّقْوَى، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"(أحمد).

إذا كان أصحاب أي وطن يرجون معية الله وتسديده وتوفيقه وتأييده ونصره فلابد أن يقيموا العدل واقعًا نابضًا بالحياة مفعمًا بالتنفيذقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة".(صحيح).


وفي المقولة الصحيحة "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة" اهـ.

   ومن منطلق التنديد بالظلم بين الله عزوجل أنه حرم الظلم علي نفسه وجعله بين الناس محرماَ:"قال الله تعالى :"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا".(مسلم).


وقال  صلي الله عليه وسلم قال:"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم .(أحمد و غيره).  


كما حذر من دعوة المظلوم فهي مستجابة علي الفور ولو كان المظلوم كافراَ فعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم :"إياكم ودعوة المظلوم وإن كانت من كافر فإنه ليس لها حجاب دون الله عز وجل ."(حسن).   

وقال الله صلى الله عليه وسلم:" اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين "(الطبراني ).


لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراَ       فالظلم ترجع عقباه إلي الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه       يدعو عليك وعين الله لم تنم


عباد الله والأساس الثاني: البناء السلوكي:وذلك بنشر القيم الأخلاقية، وتقديم القدوة العملية للناس في تطبيقها،يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"(البخاري). وسُئِلَتْ  عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ:" كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ "(أحمد).


الأساس الثالث: التضحية بالنفس والمال

فلابد من التضحية لبناء الوطن ليقاوم معاول الهدم، وكذلك لابد من إيثار المصلحة

 العامة على الخاصة، والحفاظ على المال العام، والحرص على العمل والإنتاج، و العمل

 على رفع الكرب عن أصحاب الكروب من الأيتام، والمرضى، والفقراء والمساكين

 وأصحاب الحاجة والضعفاء عمومًا.


والأساس الرابع: البناء الاقتصادي:

اقتداء بالرسول  - صلى الله عليه وسلم- حيث اهتم بهذا البناء مباشرة بعد الهجرة، ومن أهم مظاهره إنشاء سوق تجاري للمسلمين، واهتم بالزراعة والصناعة، حتى يحقق الاستقلال الاقتصادي، ويحقق تمام الكفاية للأفراد والاكتفاء الذاتي للأمة.


الأساس الخامس: البناء الفكري:

وذلك بنشر الفكر الوسطي المعتدل الذي وصف الله تعالى به أمة الإسلام:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"( البقرة:143).


عباد الله :"

والأساس السادس: الإيجابية  واستشعار المسئولية: فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ

 عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ

 فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ

 الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي

 نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى

 أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا"(البخاري).


هذه صفات صلاح لنفس المسلم وذاته:"وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ"(الحج:41).

صفات إصلاح للمجتمع لتتحقق الخيرية لتلك الأمة "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

 تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "(آل عمران:110).

 ثم يقرر رب العزة سبحانه أنه بعد العطاء يكون قطف الثمار وجني الحصاد

 فيقول:"وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"(الحج:41).


فالنتائج ليست في يديك، أيها الصالح المصلح، وجني الثمرة ربما يكون لغيرك.

فعليك بذر الحب لا قطف الجني  والله للســـاعين خيــر معـين

عباد الله أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم


الخطبة الثانية:"

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياجماعة الإسلام:"


حقوق المواطنة مكفولة للجميع في صرح دولة الإسلام الشامخ:

بعد أن أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد دولته ومجتمعه الجديد عقد مع جيرانه اليهود بالمدينة معاهدة قرر لهم فيها النصح والخير تاركًا لهم حرية المعتقد، ولم تكن سياسته صلى الله عليه وسلم معهم سياسة الإبعاد والإقصاء أو المصادرة والخصام، معاهدة قرر فيها حق المواطنة للمسلمين واليهود في هذا المجتمع وأن بينهم النصح والنصيحة والنصر على من دَهَم يثرب، 

وكذا عاهد صلى الله عليه وسلم قبائل أخرى من العرب بمثل هذه المعاهدة، وهذا يدلل على أن المسلمين لهم منهج عال سامق ذو أدب كامل لا يقصى الآخر ولا يجليه إلا إذا وقع منه عدوان أو خرق للعهد.


وكذا كانت دولة الخلافة الراشدة، فها هو الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه قامت دولته على الوفاق وإرساء الحقوق فقد كان شديد التسامح مع أهل الذمة وكذا كان عهده وفتوحاته تشهد على احترام الإسلام للأديان الأخرى، فقد جاءت امرأة نصرانية عجوز كانت لها حاجة عنده فقال لها:"أسلمى تسلمي؛ إن الله بعث محمدا بالحق" فقالت: أنا عجوز كبيرة، والموت إليَّ أقرب، فقضى حاجتها، ولكنه خشي أن يكون في مسلكه هذا ما ينطوي على استغلال حاجتها لمحاولة إكراهها على الإسلام فاستغفر الله مما فعل، وقال:"اللهم إني أرشدت ولم أكره".


فدولة الإسلام وأوطانه إنما تقوم على الخلق الرفيع والذوق العالي والأدب الكامل، دولة العدل والمساواة، والأخوة والمؤاخاة، والمؤازرة والمواساة، دولة لمعاهداتها أخلاق، ولفتوحاتها أخلاق، ولسيوفها أخلاق، ولأهلها أخلاق.


اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارزق أهله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى يا رب الأنام.

عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وأقم الصلاة

google-playkhamsatmostaqltradent