
أسماء الله الحسني القدوس جل جلاله
جَلَسَ الجِدُ سَعِيدُ عَلَى الأَرِيكَةِ يَنْتَظِرُ
الأَبْنَاءَ كَعَادَتِهِ وَحَضَرَ الجَمِيعُ بَعْدَمَا اِنْتَهَوْا مِنْ
مُذَاكَرَةِ دُرُوسِهِمْ وَصَلَاةِ العَشَاءِ وَجَلَسُوا حَوْلَ جِدِّهِمْ
لِيَسْتَمِعُوا إِلَى حَدِيثِهِ الشَّيِّقُ العَذْبُ عَنْ أَسْمَاءِ اللهِ
الحُسْنَى..
تالين : "تَفَضَّلْ اشْرَبْ كُوبَ الشَّايِ يَا جِدِّي
لِأَنَّ الحَدِيثَ اللَّيْلَةَ عَنْ الاِسْمِ الخَامِسِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ
الحُسْنَى وَهُوَ القُدُّوسُ جَلَّ جَلَالُهُ سَيَكُونُ شَيِّقًا..
أحمد : "نَعَمْ يَا جِدِّي وَأَنَا أَقُومُ
بِتَحْضِيرٍ اِسْمَ اللهِ القُدُّوسُ بَعْدَمَا اِنْتَهَيْتِ مِنْ مُذَاكَرَتِي
قَرَأْتِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي القُرْآنِ سِوَى مَرَّتَيْنِ فَقَطْ?.
الجِدُّ:
"نَعَمْ يَأْبَنِي اِسْمٌ القُدُّوسُ مِنْ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى
وَالصِّفَاتِ العُلْيَا الَّتِي اِخْتَارَهَا اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهُ وذُكْرَ مَرَّتَيْنِ
فِي القُرْآنِ فَفِي سُورَةِ الحَشْرِ قَرِنَ بِاِسْمِ السَّلَامِ قَالَ تَعَالَى:"
هُوَ اللهُ الَّذِي لَا اِلَهُ إِلَّا هُوَ المَلَكُ القُدُّوسِ السَّلَامُ
"(الحَشْرُ / 23).
وَفِي سُورَةٍ الجُمْعَةَ قَرِنَ بِاِسْمِ المُلْكِ
قَالَ اللهُ تَعَالَى:" يَسْبَحُ لِلهِ مَافِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ المَلَكُ القُدُّوسِ العزيزالحكيم" (الجُمْعَةَ / 1).
صفوان : "وَمَا الحِكْمَةُ فِي التَّرَابُطِ
بَيْنَ المَلِكِ وَالقُدُّوسِ?.
الجِدُّ:"
المُتَدَبِّرُ لِهَذَا الاِسْمِ يَا أَبْنَائي فِي المَوْضُوعَيْنِ يَجِدُ
التَّرَابُطَ بَيْنَ اِسْمِي: "المَلِكُ وَ"القُدُّوسُ فَاللهُ هُوَ
المَلِكُ الحَقُّ الَّذِي يُعْطِي عُبَّادُهُ مَنْ مَلِكَةُ كُلٍّ مَا
يَحْتَاجُونَ وَكُلُّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ خَزَائِنِهِ تَعَالَى. وَمَجِيءُ
اِسْمٍ القُدُّوسُ بَعْدَ اِسْمِ المُلْكِ فِي النَّصِّ الكَرِيمُ فِيهُ بَيَانٌ
أَنَّ مُلْكَهُ لَا يَزُولُ وَلَا يَعْرِضُ لَهُ تُغَيِّرُ أَصْلَا, وَلِأَنَّ
اللهَ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهُ فَهُوَ المَلَكُ المتطهر عَنْ ظُلْمِ
العُبَّادِ فَهُوَ الغِنَى عَنْهِمْ وَعَنْ ظُلْمِهِمْ بِخِلَافِ مُلُوكِ
الدُّنْيَا فَهِمَ فِي الجُمْلَةِ لَا يَسْلَمُونَ مِنْ المَظَالِمِ إِلَّا مَنْ
عَصَمَ اللهَ تَعَالَى...
أحمد : "قَرِنَ اِسْمَ المُلْكِ بِالقُدُّوسِ فِي
القُرْآنِ فَهَلْ ذَكَّرْتَ السَّنَةَ المُطَهِّرَةُ ذَلِكَ?
الجِدُّ:"
فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ يَأْبَنِي: "المَلَكُ القُدُّوسُ" سُبْحَانَهُ
جَاءَ اِسْمُهُ القُدُّوسَ مَقْرُونًا بِاسْمِهُ المُلْكُ وَصْفًا لَهُ
بِالكَمَالِ المُقَدَّسِ ذَاتًا وَأَسْمَاءُ وَصْفَاتٍ وَأَفْعَالًا فَلَا سَبِيلَ
إِلَيْهُ لِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ النَّقَائِصُ بِوَجْهٍ مَا, فَهُوَ وَحْدَهُ
الفَعَّالُ لَمَّا يُرِيدُ, وَهُوَ المَلَكُ القُدُّوسِ فَلَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذُرَةٍ, ورسالاته وَشَرَائِعُهِ وَأَمْرُهِ وَنَهْيُهِ وَأَحْكَامُهِ وَجَزَاؤُهُ
وَثَوَابُهِ وَعِقَابُهِ كُلٍّ ذَلِكَ عَلَى القَدَاسَةِ, فَلَا عَيْبَ وَلَا
شَرَّ وَلَا ظُلْمَ.. وَكَذَلِكَ جَاءَ اِسْمٌ القُدُّوسَ فِي السَّنَةِ
مَقْرُونًا بِالمَلِكِ فَعَنْ أَبِي بِنْ كَعْبٌ قَالَ..:"كان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"(الترمذي).
هَذَا الذِّكْرُ بَعْدَ صَلَاةِ الوَتَرِ, أَيْ بَعْدَ
نِهَايَةِ عَمَلِ اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَمَسِّكَ الخِتَامِ لِلعَمَلِ
اليَوْمِيِّ, الَّذِي هُوَ تَقْدِيسٌ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ هُوَ تَقْدِيسُ
"تَطْهِيرٍ وَ"تَبْرِيكٍ لِلرُّوحِ وَالقَلْبِ لِيَكُونَ لَائِقًا
بِمَقَامٍ القُدُّوسُ وَلِقَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي
رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ"
(مُسْلِمٌ).. فَاطِمَةُ: "وَمَا مَعَنِّي القُدُّوسُ?.
الجِدُّ: "القُدُّوسُ يَا أَبْنَائي مِنْ أَسْمَاءِ
التَّنْزِيهِ عَنْ النَّقَائِصِ فهوسبحانه البَلِيغُ فِي النَّزَاهَةِ.
وَتُقَدِّسُ فِي اللُّغَةِ يَعْنِي تُطَهِّرُ, وَمِنْهَا التَّقْدِيسُ أَيُّ التَّطْهِيرِ,وَ"القُدْسُ
بِسُكُونِ الدال وَضَمُّهَا "تَعْنِي الطُّهْرَ وَمِنْهَا سَمَّيْتُ
الجَنَّةَ حَظِيرَةَ القُدْسِ. وَسَمَّى جِبْرِيلُ رُوحُ القُدُسِ. وَالقَدَاسَةُ
تَعْنِي الطُّهْرَ وَالبَرَكَةَ, وَقَدَّسَ الرَّجُلُ لِلهِ أَيُّ طُهْرٍ نَفْسُهُ
بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتُهِ, وَعَظْمُهِ وَكَبُرَهٍ..
وَمِنْهَا
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنَّي جَاعَلَ فِي
الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يَفْسُدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نَسْبَحُ بِحَمْدِكَ وَنَقْدُسُ لَكَ قَالَ إِنَّي أُعْلِمُ
مَالًا تَعْلَمُونَ "(البَقَرَةُ / 30).
وَالقُدُّوسُ المُطَهِّرُ المُعْظَمُ فَهُوَ الطَّاهِرُ
المُنَزَّهُ عَنْ العُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ..
وَمَعْنًى وَنَقْدُسُ لَكَ: يَعْنِي يَا رُبَّ نَحْنُ
نُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا, وَنُقَدِّسُهَا كَيْ نَكُونُ أَهْلًا لِلإِقْبَالِ
عَلَيْكَ, وَهَذِهِ مُهِمَّةُ الإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا, يَجِبُ أَنْ يُقَدِّسَ
نَفْسَهُ كَيْ يَنَالُ مَقْعَدَ صِدْقٍ عِنْدَ مليك مُقْتَدِرٌ..
صفوان:" قَرَأْتَ فِي مَجَلَّةِ المَدْرَسَةِ
أَقْوَالٌ لِبَعْضِ العُلَماءِ فِي تَعْرِيفِ اِسْمِ اللهِ القُدُّوسُ تَسْمَحُ
لِي يَا جِدِّي أَن أُذَكِّرُ بَعْضُهَا?.
الجِدُّ: "فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ يَأْبَنِي
تَفَضَّلَ أُذَكِّرُ لِنَّا بَعْضًا مِنْهَا..
صفوان :" قَالَ الْغَزَالِي: هُوَ المُنَزَّهُ
عَنْ كُلِّ وَصْفٍ يُدْرِكُهُ حِسٌّ أَوْ يَتَصَوَّرُهُ خَيَالٌ أَوْ يَسْبِقُ
إِلَيْهُ وَهمٌ.
وَقَالَ اِبْنُ القَيِّمُ َ: القُدُّوسُ: المُنَزَّهُ
مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَنَقْصٍ وَعَيْبٍ, كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هُوَ
الطَّاهِرُ مِنْ كُلٍّ عيبَّ المُنَزَّهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ..
وقَالَ الحُلَيْمِيَّ: "وَمَعْنَاهُ المَمْدُوحُ
بِالفَضَائِلِ وَالمَحَاسِنِ. فَلِلتَّقْدِيسِ مُضَمَّنٌ فِي صَرِيحِ
التَّقْدِيسِ, وَالتَّقْدِيسُ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ التَّسْبِيحِ, وَقَدْ جُمَعٌ
اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِيَنِهِمَا فِي سُورَةِ الإِخْلَاصِ فَقَالَ
تَعَالِي:" قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ
اللهُ الصَّمَدُ"فَهَذَا تَقْدِيسٌ ثُمَّ قَالَ:" لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْوَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"فَهَذَا التَّسْبِيحُ,
وَالأَمْرَانِ رَاجِعَانِ إِلَى إفراده وَتَوْحِيدِهِ وَنَفَى الشَّرِيكِ عَنْهُ
(الأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ للبيهقي / 38).
. فَاطِمَةُ: "وَهَلْ مَفْهُومُ الطَّهَارَةِ
الإِلَهِيَّةِ يَخْتَلِفُ عَنْ مَفْهُومِ الطَّهَارَةِ البَشَرِيَّةِ?.
الجِدُّ:"
نَعَمْ يَا بِنْيَتُي شِتَّانِّ مَا بَيَّنَ هَذَا وَذَاكَ فَالطَّهَارَةُ
البَشَرِيَّةُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى. مِنْهَا الطَّهَارَةُ مِنْ الدَّنَسِ.
وَمِنْ كُلٍّ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلإِصَابَةِ بِالآفَاتِ وَالأَمْرَاضِ كَمَا
فِي قَوْلِهِ تَعَالِي.:" وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء
لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ"( الأنفال/ 11).
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:"وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ"(المدثر/
4، 5).
وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا:"فَاعْتَزِلُواْ
النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ"(البقرة/
222).
. وَمِنَّةٌ أَيْضًا الطَّهَارَةُ مِنْ الآفَاتِ
القَلْبِيَّةَ وَالنَّفْسِيَّةَ كَالحِقْدِ وَالحُسُدِ وَالبُغْضِ وَالبُخْلِ
كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالِي:"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا"(التوبة /102).
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ:"أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ
يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ"( المائدة/ 41).
. وَمِنَّةٌ أَيْضًا التَّخَلُّصُ مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ
غَيْرَ عِبَادَةِ الحَقِّ جِلٌّ وَعُلَا وَالتَّخَلُّصُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. كَمَا
فِي قَوْلِهِ تَعَالِي عَلَى لِسَانِ قَوْمِ لُوطْ:" أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ
أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ"(النمل/56). أَيٌّ يَتَطَهَّرُونَ مِنْ المَعَاصِي..
صفوان:
"يَا جِدِّي هَذَا عَنْ الطَّهَارَةِ البَشَرِيَّةُ. فَمَاذَا عَنْ مَفْهُومٍ
القَدَاسَةُ الإِلَهِيَّةُ?.
. الجِدُّ: "يَأْبَنِي لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ القَدَاسَةَ أَوْ الطَّهَارَةَ الإِلَهِيَّةُ بِهَذَا المَعْنَى, بَلْ إِنَّهَا تَخْتَلِفُ اِخْتِلَافًا مُطْلَقًا عَنْ الطَّهَارَةِ البَشَرِيَّةُ.. وَلِكَيٍّ نَفْهَمُ هَذَا الاِخْتِلَافَ يَنْبَغِي أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ النَّجَاسَةَ خَاصَّةً المَادِّيَّةُ كَالبَوْلِ وَالبُرَازِ وَخَلَافَةٍ مُرْتَبِطَةٌ بِالبِنْيَةِ المَادِّيَّةِ لِلإِنْسَانِ, فَلُولَا الجَسَدُ لَمَّا كَانَ هُنَاكَ بَوْلٌ أَوْ بُرَازٌ أَوْ عَرَقٌ أَوْ دَمُ الحَيْضِ.. وَنَظَرًا لِأَنَّ الإِنْسَانَ يَتَكَوَّنُ مِنْ رُوحٍ وَجَسَدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ كَافَّةِ وُجُوهِ الدَّنَسِ المُرْتَبِطَةِ بِتَرْكِيبِهِ المَادِّيِّ.. أَمَّا الحَقُّ جِلٌّ وَعُلَا فَهُوَ مُبَرَّأٌ مِنْ المَادَّةِ. أَيٌّ أَنَّ المَادَّةَ لَا تَدْخُلُ فِي تَرْكِيبَةٍ, وَكَيْفَ تَدْخُلُ المَادَّةُ فِي تَرْكِيبِهِ وَهِيَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ?!.
لَقَدْ كَانَ الحَقَّ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ عَلَى الإِطْلَاقِ كَانَ اللهُ وَلَمْ
تَكُنْ المَادَّةُ.. وَكَوْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُبَرَّأٌ مِنْ المَادَّةِ
يَجْعَلُهُ مُبَرَّأً تَبِعَا لِذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِ النَّجَاسَةِ
وَالدَّنَسِ الَّتِي تُصِيبُ البَشَرَ بِسَبَبِ بِنْيَتِهِمْ المَادِّيَّةِ....
وَإِذَا اِنْتَقَلْنَا إِلَى النَّجَاسَةِ أَوْ
الدَّنَسُ المَعْنَوِيُّ كَالكُفْرِ وَالشَّرَكِ وَالمَعْصِيَةِ نَجْدٌ أَنَّهَا
منتفية فِي حَقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ غيرخاضع لِتَكْلِيفٍ حَتَّى
يُوَصِّفَ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ.. وَبِالنِّسْبَةِ لِلآفَاتِ القَلْبِيَّةِ فَهِيَ
أَيْضًا منتفية فِي حَقِّهِ تَعَالِي, لِأَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدُ فَرْدٍ صَمَدَ
وَلَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ أَوْ مَثِيلٌ حَتَّى يَنْظُرُ إِلَيْهُ نَظْرَةَ الحَاسِدِ
أَوْ الحَاقِدُ..
أحمد :
"فَمَاذَا تَعْنِي القَدَاسَةُ أَوْ الطَّهَارَةُ الإِلَهِيَّةُ إِذَنْ?.
الجِدُّ:"
إِنَّ القَدَاسَةَ الإِلَهِيَّةَ تَعْنِي أَنَّ الحَقَّ جِلٌّ وَعُلَا مُبَرَّأٌ
مِنْ كُلِّ عَيْبٍ أَوْ نَقْصٌ يَتَعَارَضُ مَعَ كَمَالِهِ المُطَلِّقُ.. وَهَذَا
يَعْنِي أَنَّ جَمِيعَ صِفَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مُطَلِّقَةٌ وَلِي
نِسْبِيَّةٌ.. فَمَثَلًا صِفَةُ القُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلإِنْسَانِ
نِسْبِيَّةٌ يُقَدِّرُ عَلَى أَشْيَاءٍ وَلَا يُقَدِّرُ عَلَى أُخْرَى بَيْنَمَا
نَجَّدَ صِفَةَ القُدْرَةِ لَدَى الحَقِّ جِلٌّ وَعُلَا مُطَلَّقَةٌ بِمَعْنًى
أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يُعَجِّزُهُ شَيْءٌ وَلَا
يَقِفُ ضِدَّ إِرَادَتِهِ حَائِل.. فَجَمِيعُ صِفَاتِهِ مُطَلَّقَةٌ أَيٌّ
تَبْلُغُ مُنْتَهَى الكَمَالِ فِي الوَصْفِ, فَرَحِمْتَهُ مُطَلَّقَةٌ وَعَلِّمْهُ
مُطَلَّقُ, وَحَكَّمْتَهُ مُطَلَّقَةٌ وَسَمْعُهُ مُطَلِّقٌ, وَعُزْتُهُ
مُطَلَّقَةٌ وَعَدِّلْهُ مُطَلَّقٌ, وَهَكَذَا شَأْنَ جَمِيعَ صِفَاتِهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى. فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحَيُّ المُطَهِّرُ عَنْ المَوْتِ.
العَزِيزُ المُطَهِّرُ عَنْ الذُّلِّ. القَادِرُ المُطَهِّرُ عَنْ العَجْزِ.
الكْرِيمُ المُطَهِّرُ عَنْ البُخْلِ. العَلِيمُ المُطَهِّرُ عَنْ الجَهْلِ.
وَهَكَذَا شَأْنٌ سَائِرٌ أَسْمَاءِ ذَاتِهِ الإِلَهِيَّةُ العلية....
أحمد : "فَاللّةٌ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ
كُلِّهَا متصف بِالكَمَالَاتِ كُلِّهَا جَلَّ جَلَالُهُ يَقُولُ عَلَى بُنِّ أَبِي
طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" رَبِّي لَا يُدْرِكُ بِالحَوَاسِّ, وَلَا
يُقَاسُ بِالنَّاسِ, لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ, وَهُ شَيْءٌ, وَلَيْسَ فَوْقَهُ
شَيْءٌ, وَلَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ, وَهُوَ لَا كَشَيْءٍ فِي شَيْءٍ "لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"(الشوري/11).
فَاطِمَةُ:" يَا جِدِّي نَفْهَمُ مِنْ وَصْفِهِ تَعَالِي بِاسْمِ القُدُّوسِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ?.
الجِدُّ: "فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ يافاطمة
بِوَصْفِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِاسْمِ:" القُدُّوسُ "يَجِبُ
اِعْتِقَادُ الكَمَالَاتِ الإِلَهِيَّةِ جَمِيعُهَا وَمِنْهَا:"..
أن اللهُ تَعَالَيْ تُطَهِّرُ وَتُقَدِّسُ أَنْ يَكُونَ
لَهُ شَرَّيْكِ فِي المَلِكِ, كَمَا تُطَهِّرُ وَتُقَدِّسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ
صَاحِبَهُ أَوْ وَالِدٌ أَوْ وَلَدٌ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ضَلَّتْ بِهِ
الأُمَمُ مِنْ قِبَلِنَّا. كَمَا تُقَدِّسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُدُّواهُ صَدِيقَ,
وَتُقَدِّسُ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالَهِ بِلَا حَكَمَةٍ, وَتُقَدِّسُ أَنْ
تَنْفَعَهُ طاعةأو تُضِرُّهُ مَعْصِيَةٌ, أَوْ تَسْتَفِزُّهُ حَمَاقَاتُ
الحِمَقِيِّ وَطِيشَ الجَاهِلِينَ.. مُحَمَّدٌ: "وَتُقَدِّسُ رَبِّنَا
العَظِيمَ أَنَّ يَشُبْهُ خَلْقُهِ وَلِذَا فَلَا تَأْخُذَهُ سَنَةٌ وَلِأُنَوِّمَ
ولاغفلة فَإِنَّهُ تَعَالِي القَيُومِ عَلَيَّ عُبَّادَهُ. وَتُقَدِّسُ رَبِّنَا
العَظِيمَ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ فَإِنَّهُ الَّذِي يُدْرِكُ الأَبْصَارَ,
وَتُقَدِّسُ رَبِّنَا العَظِيمَ أَنْ يَظْلِمَ مِثْقَالَ ذُرَةٍ,..
تالين :" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّتْ
أَسْمَائِهِ وَتَقَدَّسَتْ صِفَاتِهُ.. وَلَكِنَّ يَا جَدِّي مَا حَظُّ العُبَّادِ
مِنْ اِسْمٍ القُدُّوسُ?.
الجِدُّ: "حَظٌّ كَبِيرٌ يَا بِنْيَتُي للتوابين
المتطهرين, وَالعَبْدُ الرباني يُمْكِنُهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ بِهَذَا
الاِسْمِ عَمَّا يَعِيبُهُ وَلَا يُحَوِّمُ حَوْلَ الشُّبُهَاتِ بَلْ يَدَعُ مَا
يُرِيبُهُ إِلَى مالايريبه. وَهَذَا سَوْفَ يُذَكِّرُنَا مَرَّةً أَخِّرِي
بِاِرْتِبَاطِ اِسْمِ المُلْكِ بِالقُدُّوسِ حَيْثُ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلي
الله عليه وسلم..:"إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ،
وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ،فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ
وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ،كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ
الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ،أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى،أَلَا
وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ،أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا
صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ،وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ
كُلُّهُ،أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"(الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
أحمد : "إِذَنْ يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَيَّ كُلُّ
مُسْلِمِ بمقتضي هَذَا الاِسْمُ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ قَذَرٍ
بَاطِنِيٍّ أَوْ ظَاهِرِيٍّ, وَلَنْ يُقَدِّسُ اللهُ تَعَالَى أُمَّةٌ لَا
يُؤْخَذُ الحَقُّ مَنْ قَوِّيهَا لضعيفها..
الجِدُّ:" حَقًّا وصدقًا مَا قُلْتُ يَأْبَنِي,
فَشَرِيعَةُ اللهِ تَعَالَى جَاءَتْ لِهِدَايَةِ عِبَادَةٍ وَهِيَ تَرْمِي إِلَى
تَطْهِيرٍ المُجْتَمِعُ كُلُّهُ مَنْ كُلُّ خُبْثٍ وَبَغِي وَمُنْكَرٌ فَالوُضُوءُ
وَضَّاءَةٌ لِلعَّالَمِينَ. وَالسِّوَاكُ مُطَهِّرَةٌ لِلفَمِ مرضاة لِلرَّبِّ,
وَالصَّلَوَاتُ الخَمْسُ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا, وَالزَّكَاةُ طهرة
لِلأَمْوَالِ وَتَزْكِيَةٍ لِلقُلُوبِ, وَإِقَامَةُ الشَّعَائِرِ وَتَعْظِيمُهَا
مَنَّ تُقَوِّي القُلُوبُ, وَالصَّوْمُ جَنَّةٍ وَوِقَايَةٍ مِنْ الأثام
وَالذُّنُوبِ وَتَطْهِيرِ للصائمين, وَإِقَامَةَ الحُدُودِ بِأَرْضِ خَيْرٍ مِنْ
عِبَادَةٍ سِتِّينَ سَنَةٍ. وَالطُّهُورُ شَطَرَ الإِيمَانَ وَالحَمْدُ لله
تَمْلَأُ المِيزَانَ...
صفوان: "وَكُلِّ مَا ذَكَّرْتُهُ يَا جِدُّي
قدوردت بِهِ نُصُوصُ قرأنية وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةً مُطَهِّرَةٌ صَحِيحَةً وَنُذَكِّرُ
قَوْلَ الحَبِيبِ المُصْطَفَى صلي الله عليه وسلم:" الطُّهُورُ شَطَرَ
الإِيمَانَ, وَالحَمْدُ لله تَمْلَأُ المِيزَانَ, وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ
لله تملأان - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, وَالصَّلَاةُ
نُورٌ, وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ, وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ, وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكِ
أَوْ عَلَيْكَ, كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو, فَبَائِعَ نَفْسُهُ فمعتقها أَوْ
موبقها" (مُسْلِمٌ)...
تالين : "اَللَّهُمَّ طُهْرُ قُلُوبِنَا.. وَاُرْزُقْنَا قَلْبًا تقيًا. مِنْ الشَّرِّ نقيًا, لاجافيًا ولاشقيًا.. أَمِينُ أَمِينُ يَارَبَّ العَالَمِينَ.. الجَمِيعُ خَلْفَهَا اَللَّهُمَّ أَمِينٌ.